ghada
ghada
أعمدة

الأدب الـنســوي

03 يناير 2020
03 يناير 2020

غادة الأحمد -

يرى النقد الخاص بكتابات المرأة (النقد النسوي) أن استبعاداً جارفاً جرى للمرأة وجوداً ودوراً وقيمة منذ وقت طويل، وذلك يعود إلى تضافر ثلاثة مفاهيم، هي: البنية الأبوية للمجتمع الذي يقوم على التراتب والتفاضل والسيطرة، والتنميط الجنسي الذي يتخطى الحقيقة البيولوجية للإنسان إلى التنميط النوعي الثقافي له فيصبح الجنس محددا أساسيا لقيمة النوع، وأخيراً مركزية الذكورة التي تقوم على المفاضلة المستندة إلى قوى دينية وثقافية واجتماعية، فتفضيل الذكورة على الأنوثة لا يعود إلى الطبيعة، وإنما إلى الثقافة، هذه المفاهيم المترابطة دفعت بصور نمطية للمرأة تتصل جميعها بتصورات الرجل عنها، فهي إما تكون مشابهة له في القوة والأخلاق والعقل، فتختفي خصوصيتها، أو تكون مختلفة عنه، فتتصف بالضعف والحسية واللاعقلانية، أو أنها تكون مكملة له فتكون زوجة أو أما أو صديقة، وفي هذه الصور النمطية الثلاث يتم اختزال المرأة ككائن إنساني له خصوصيته إلى رتبة دونية، لأنها تعرّف في ضوء قيمة الرجل، وينظر إليها من خلال منظور ذكوري.

ومن المعلوم بأن النقد النسوي أكد ضرورة أن يقوم الأدب النسوي بتمثيل الأنوثة، أي إبراز الأنوثة كسمة خاصة بالمرأة، وتراكمَ تراث نقدي حول هذا الموضوع، انخرطت فيه مجموعة من النساء المناصرات لقضية المرأة مثل: شارلوت جيلمان، سيمون دي بوفوار، بيني فريدان، جوليا كرستيفا، لوس إيريغاري، وغيرهن، ولم يقتصر الأمر على الثقافة الغربية إنما تفجرت تأثيرات النقد النسوي في عموم الثقافات العالمية وصار اتجاهاً له تأثير كبير في الثقافة الحديثة وأحد أهم الاتجاهات النقدية الجديدة.

ويذهب النقد النسوي في بعض اتجاهاته إلى أن طبيعة كتابة المرأة ذات سمات مميزة، فثمة لغة أنثوية لها خصائص تتفرد بها عن غيرها، وتأكيد خصوصية اللغة الأنثوية وموضوعات الأدب النسوي الذي يحتفي بالجسد أفضى إلى اعتبار جسد المرأة محوراً تتمركز حوله ليس التحليلات المستفيضة التي يقدمها النقد النسوي إنما يبرز كموضوع أدبي استأثر باهتمام أدب النساء نفسه..

ومهما كانت أهمية الجسد في عالم المرأة وفي التمثيلات التخييلية السردية التي يقدمها الأدب عنه، فإنه من الخطأ اختزال المرأة إلى جسد فقط، واستبعاد الشبكة المتداخلة من الخلفيات التاريخية، والتطلعات والمنظورات والقيم النفسية والشعورية والعقلية المتصلة بالمرأة وعالمها، على أن هذا لا يعني أن الجسد الأنثوي لا يصلح موضوعا للأدب أو ملهماً للتعبير الأدبي، فاستكشاف هذه القارة شبه المجهولة يشكل بحد ذاته تحدياً أمام الأدب.

ويمكن القول إن الجسد الأنثوي كان عنصراً له حضوره في الرواية العربية النسوية إلى جوار عناصر أخرى، ودرجة الاهتمام به تختلف بين نص وآخر، وفيما لا توليه بعض الروايات الأخرى إلا اهتماماً عابراً، تحتفي به روايات أخرى، وتنهمك في رسم تفاصيله، وتوجعاته، واستيهاماته فيكون مثاراً للإعجاب والحفاوة، والرغبة، وهي حفاوة تقود إلى ظهور نوع من السرد الكثيف الذي ينشغل بالجسد ورغباته وخفاياه، دون أن يدمج ذلك دمجاً قوياً في سياق الحكاية؛ فالروايات التي تمثل هذه الحالة كثيرة نذكر منها «امرأتان في امرأة» لنوال السعداوي و«بيروت 75» لغادة السمان، و«ذاكرة الجسد» لأحلام مستغانمي، و«الخباء» لميرال الطحاوي، و«حكاية زهرة» لحنان الشيخ و«امرأة من طابقين» لهيفاء بيطار وغيرها....

وفي كل هذه الأمثلة التي كتبتها نساء، تكمن سطوة النسق الثقافي الموجه لوعي المرأة السردي ولاوعيها، يتخلل نصوصها السردية، ويدفع بها إلى تأكيد قوة الذكورة، وهيمنتها، الأمر الذي يجعل كثيراً من أدب المرأة السردي استجابة غامضة وشبه مبهمة أحياناً لنسق الثقافة الذكورية، في استعراض الجسد الذكوري والتركيز على جاذبيته، وفي محاكاة الذكور في الأفعال والتصرفات.

كل هذا قاد المرأة/‏‏ الكاتبة إلى الوقوع في فخّ الجسد الذي نصبه الكاتب/‏‏ الرجل؛ فهل تستطيع المرأة/‏‏ المبدعة تجاوز الصورة النمطية التي حددها بها الرجل، وتخوض غمار التجربة السردية بأبعادها واتجاهاتها كافة، وملامسة أكثر الموضوعات بحسها الأنثوي العالي؟!!.