Ahmed
Ahmed
أعمدة

نوافذ :الوثيقة

03 يناير 2020
03 يناير 2020

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

عندما يتم الحديث عن الوثائق، فإنه يتم الحديث عن التاريخ، فالتأريخ عبارة عن وثيقة تذهب إلى توثيق الأحداث التأريخية، والجغرافية، والعلاقات الاجتماعية، والعلاقات الثقافية، والسياسية، إلى حد سواء، ولذا فالمحتفظ بوثيقة ما، هو محتفظ بنقطة فارقة للتاريخ لذات الموضوع، أيا كانت دلالات ذلك التأريخ، مع أن الأحداث الجسام التي حدثت وتحدث، تحتفظ بها الذاكرة إلى حد ما، ومن ثم لا بد أن تكون هناك وثيقة ما، تحدد مكانها وتاريخها، وشخوصها، فكل هذه المعززات الثلاث، هي عمر الوثيقة، وحقيقتها الموضوعية، ولا يعقل أبدا أن تخلو أية وثيقة من هذه المعززات الثلاث، وإن كانت هناك وثائق شخصية، أو لجماعة معينة، أو لدولة معينة، أو لقوم معينين.

تأتي الوثائق لتعزز حالة إنسانية، أو موقعا جغرافيا، أو حدثا زمنيا؛ يتخذ - في بعده الزمني - أهمية خاصة، ويذهب من يضع الوثيقة إلى البعد التأريخي في موضوعه، وإلى الأهمية التي يشكلها الحدث الذي تكتب لأجله الوثيقة، وإلا لما احتفظت الوثائق؛ عبر الزمن؛ بأهمية ما، مع أن الزمن لوحده؛ أيضا؛ كفيل، بأن يشكل أهمية خاصة في حينه، ولو لم يكن الحدث الذي وقع يعكس أهمية موضوعية، وفق تقدير الشخوص الحاضرة في الفترة الزمنية ذاتها، ولكن بعد مرور الزمن يكون لهذا الحدث، أو ذاك الأهمية البالغة، على الرغم من تواضع سقف أهميته في فترته الماضية تلك.

والتأريخ؛ يسجل بكل فخر؛ أحداثه عبر هذه الوثائق المتعددة الأغراض والموضوعات، ولذلك تشكل أهميتها الخاصة للتأريخ، وللفاعلين فيه، ولمن يأتي من بعدهم، ولذلك استطاعت جل الوثائق أن تحفظ للتأريخ حقوقه، وللحاضر بعده كذلك، فلولا مجموعة الوثائق التي تثبت الحقوق للآخرين الذين تربطهم علاقة ما بالشخوص والأماكن التي وارها التأريخ بين صفحاته، لما استطاع أحد أن يثبت حقه، ويعقد صفة رابحة مع هذه الوثائق لبقاء هذه الحقوق، على الرغم من الفترات الزمنية الطويلة التي تفصل عن نقطة الحبر التي سجلت أول سطر من كلمات هذه الوثيقة أو تلك.

وبقدر الأهمية التأريخية الذي تلعبها الوثائق، إلا أنها كذلك هي حاضرة في زمنها، ولذلك تعتمد الوثيقة في كل المكاتبات، ليس في إثبات الحقوق فقط، ولكن لكل العلاقات في جوانبها التنظيمية المختلفة، وخاصة اليوم في ظل الأنظمة الإدارية المعقدة التي تحتاج إلى كثير من الوثائق لتضخمها من ناحية، ولكثرة الفاعلين فيها من ناحية أخرى، ولعلاقات الجانبية المصاحبة من ناحية ثالثة، وإن كان يعاب؛ في الوقت الحاضر؛ صعوبة احتفاظ الوثيقة بأسرارها، فبعض الوثائق تصنف في درجات السرية بأكثر من تصنيف، ومن هنا تكتسب أهمية أكبر، ولكن في الوقت الحاضر أصبح من الصعوبة بمكان المحافظة على درجات تصنيف السرية لكثير من الوثائق، وفوق ذلك انتقلت الوثيقة ذاتها من حالتها التقليدية، فبعد أن كانت صفحتها من الحجر، ومن ثم الجلد، وانتهاء بالورق، أصبحت صفحاتها إلكترونية، وهذا ضاعف من حصول الآخرين عليها عبر ما يسمى بـ «الهكر» من ناحية، وخطورة التغائها من ناحية ثانية من خلال الفيروسات الإلكترونية، وهناك حالات كثيرة سمعنا عنها، وشخصيا عايشت شيئا من ذلك.

تدخل اليوم الوثائق الرسمية - الجوازات، البطاقات المدنية، بطاقات المصارف، بطاقات العمل، لتمثل شكلا آخر من أشكال الوثائق، وإن كانت لا تحمل الفهم العام للوثيقة، لأن هذا النوع من الوثائق؛ غالبا؛ ما يكون مؤقتا بتواريخه ذات التواريخ المنتهية صلاحيتها بين فترة وأخرى، ولكنها تبقى تحمل خصوصية الوثيقة من حيث الأهمية، والتأريخ، والشخوص الذين تمثلهم، في لحظاتهم الزمانية الفارقة بين زمنين، أو جغرافيتين، مع تعدد الشخوص لكل منها، وسيبقى الفهم العام للوثيقة قائما مهما اختلفت الوثائق والأزمان، والشخوص.