الاقتصادية

خبراء: التأهيل المبكر يتيح الانتقال بسلاسة لمتطلبات سوق العمل في ظل الثورة الرابعة

31 ديسمبر 2019
31 ديسمبر 2019

مبادرة لتجسير فجوة المهارات -

استطلاع : رحمة الكلبانية -

في الوقت الذي يعتقد فيه 90% من سكان العالم أن وظائفهم معرضة للانقراض بسبب انتشار استخدام الآلات، أكد مجموعة من الخبراء والمهتمين بمهارات ووظائف المستقبل لـ«عمان» على أن المستقبل يمكن أن يحمل في طياته فرصًا عديدة من شأنها تعزيز نمو الاقتصاد المحلي ومجابهة التحديات التي يواجهها ومن أهمها توفير الفرص الوظيفية، وأجمع الخبراء على أن التأهيل الجيد والمسبق للطلاب ولمن هم على رأس العمل يضع السلطنة في مكانة تتيح لها الانتقال السلس لمواكبة الثورة الصناعية الرابعة وما تأتي به من متغيرات في سوق العمل، مشيرين إلى أن تشجيع الابتكار وريادة الأعمال من العوامل الأساسية التي تتيح الاستعداد ومواجهة التغييرات القادمة كما أنه من المهم إيجاد وحدة لاستشراف المستقبل وما قد يسوده من متغيرات. وفي إطار الاستعداد للمهارات المطلوبة في سوق العمل في المستقبل، وقعت السلطنة قبل عدة أشهر شراكة مع المنتدى الاقتصادي العالمي «دافوس» لإطلاق مبادرة تجسير فجوة مهارات المستقبل بهدف إيجاد آليات للتعامل مع التغيرات المتوقعة في سوق العمل نتيجة التحولات التكنولوجية المتسارعة من خلال تسهيل التعاون ما بين القطاعين الحكومي والخاص من أجل تقليص فجوة المهارات تماشيا مع احتياجات القطاع الخاص، ومن المتوقع أن تساهم المبادرة في زيادة نسبة الاستعداد للعمل والمهارات الناعمة بين الأطفال والشباب (كالتكيف والإبداع والتواصل والعمل الجماعي ضمن فريق وما شابهه) والمهارات الرقمية الأساسية بما تتضمنه من أساسيات الترميز والثقافة الإعلامية وتفسير البيانات وغيرها، إلى جانب بناء مهارات العمل اللازمة.

وتعد هذه الشراكة بين السلطنة والمنتدى ثالث تعاونا حكوميا ــ خاصا لتبني مشروع تقليص فجوة مهارات المستقبل لدى المنتدى الاقتصادي العالمي، والأول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتعمل هذه المبادرة كمنصّة لتجميع التزامات العمل التي تخاطب تطور المهارات المتعلقة بالمستقبل ودعم حوار بنّاء بين العديد من أصحاب المصلحة من القطاعين الحكومي والخاص يتناول تعزيز نظم التعليم وتطوير المهارات لتجهيز القوى العاملة لوظائف المستقبل.

تأثير التقنيات الحديثة

وتوقعت دراسة استشارية أن عدد الوظائف التي يمكن أن يتم فقدانها بسبب التوسع في الاعتماد على التقنيات والآلات الحديثة لا يتجاوز واحدا بالمائة من بين كل 10 آلاف وظيفة، وذلك وفقًا لدراسة قامت بها شركة وبص للمشاريع والاستثمار المتخصصة بالدراسات والاستشارات والتدريب في مجال التقنية الحديثة وتنمية الموارد البشرية بالتعاون مع منصة إيجاد، حيث قامت بقياس أثر 14 تقنية حديثة على حوالي 10 آلاف وظيفة لواحدة من أكبر الشركات الخاصة في السلطنة.

وحول التغيير الذي ستحدثه تلك التقنيات، قال د. وائل بن سيف الحراصي، المؤسس والرئيس التنفيذي لـوبص: عندما نظرنا إلى عدد الوظائف التي من المحتمل أن يتم فقدانها من بين 10 آلاف وظيفة رأينا أنها أقل من 1% بكثير وأن التحول الأكبر سيكون في طبيعة هذه الوظائف. فالموظف أيًا كانت وظيفته إن استخدم إحدى هذه التقنيات الحديثة ستختلف طريقة أدائه لوظيفته، أما الوظيفة نفسها فلن تختفي. وسيقع على الآلة عبء الأعمال الروتينية والشاقة التي يتهرب منها الناس عادة مما سيجعلهم يركزون بشكل أكبر على استخدام مهارات التحليل والتخطيط الاستراتيجي واستغلال الوقت لإعطاء قيمة أكبر لأعمالهم.

وأكد الحراصي على أن الخوف من أن تحل الآلة محل الإنسان وأن تسرق وظيفته ليس أمرًا حديثًا، حيث يعيش الناس الخوف ذاته منذ 40 عاما مع كل تحول إلكتروني جديد وفي الغالب لا يتحقق ذلك، وإن تحقق فإن الآلة أو التقنية الجديدة تخلق فرصًا أخرى، مشيرا إلى إنه بالرغم من التحسينات التي ستدخلها تلك التقنيات على طبيعة الوظائف، إلا أنها من المتوقع أن تخلق أعباء جديدة على المؤسسات، حيث يرى الحراصي أن الثورة الصناعية الرابعة ستسمح بعدد ضخم من البيانات أن تتدفق، مما يستلزم تسخير آليات وتقنيات وكوادر بشرية قادرة على استنباطها وتحليلها، وبالتالي من المتوقع أن تكون التقنيات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات هي الأكثر طلبًا خلال السنوات الخمسة القادمة، ونحن هنا نتحدث عن خمس سنوات لأنه مع التغيرات المتسارعة في القطاع التقني يصعب علينا استشراف ما هو أبعد من ذلك.

وأشار الحراصي إلى أن الحوسبة والبرمجة ستكونان على قائمة المهارات المطلوبة في المستقبل، حيث لن يكون من الكافي أن يعرف الناس استخدام الحاسب الآلي بل ما هو أعمق من ذلك بكثير، وقال: إن على الجميع أن يعي ذلك وأن يبدأ الطلبة منذ مقاعد الدراسة على تعلم البرمجة وكذلك من هم على رأس العمل. كما ستكون هناك حاجة ماسة إلى من يستطيع أن يبتكر تقنيات خاصة بتحليل البيانات وإلى من يستطيع قراءتها وتحليلها.

وإلى جانب المهارات التقنية ستظهر حاجة لمهارات إدارة الذات والذكاء العاطفي والتي يرى الحراصي أنه من الواجب توافرها لتقبل التغيير الجذري الذي ستشهده منظومة الوظائف، حيث إن الإنسان بطبيعته يرفض التغيير والتجديد، ومع وجود مهارات كالإقناع والذكاء العاطفي يستطيع أرباب العمل تمهيدهم وإعدادهم نفسيًا لتبني ما هو جديد.

ويرى الحراصي أنه للحاق بالتغيرات ومواكبتها يجب تذليل جميع العقبات التي من الممكن أن تعيق تطور المؤسسات أو تعيق من قدرة تنافسها كتطويع التشريعات وجعلها متناسبة مع القادم، ومواءمة أنظمة التعليم وتزويد الطلبة بالمهارات التي تمكنهم من إعطاء ما لا يمكن أن تقدمه الآلة، مما يعني عدم الاعتماد على الحفظ والتلقين والتركيز على الذكاء التحليلي والتفكير النقدي. وأوصى الحراصي بضرورة التنسيق الكامل والفعّال بين المؤسسات التشريعية والتعليمية والصناعية والخدمية ومؤسسات القطاع الخاص وإيجاد منظومة توضع احتياجات كل منها للفترة القادمة والتعاون في ما بينها لضمان انتقال وتغيير أكثر سلاسة.

وحدة استشراف

وترى المكرمة عائشة الغابشية، عضوة مجلس الدولة، أنه من المهم إيجاد وحدة مختصة باستشراف ورصد المتغيرات التقنية وإيجاد الحلول الأنسب لمواجهتها من خلال نخبة تجمع ما بين ذوي الخبرة والشباب.

واعتبرت الغابشية أن الابتكار وريادة الأعمال الحل الأمثل لمواجهة التغييرات التي يشهدها سوق العمل والسبيل لتوفير فرص عمل ذاتية وخدمة المجتمع عامةً، وقالت : إن على الأفراد البدء بتأهيل أنفسهم وأبنائهم والاستعداد لما سيأتي به المستقبل من خلال اكتساب المهارات التقنية ومهارات التفكير النقدي وغيرها، والتفاؤل بما ستأتي به الثورة من فرص وعدم التركيز بشكل خالص على التحديات وفقدان الوظائف.

فرص واعدة

ومن جانبه دعا الدكتور يوسف بن عبدالله البلوشي رئيس مكتب نقل العلوم والمعارف والتكنولوجيا في وزارة الخارجية إلى ضرورة استغلال تحول العالم من الاقتصاد المبني على الكثافة العمالية إلى الاقتصاد المبني على العلوم والمعرفة، مما يمثل فرصة حقيقية لبلد صغير من حيث الكثافة السكانية كالسلطنة، حيث توقع أن تفوق الفرص التي ستوفرها التقنيات الحديثة مستقبلا أعداد الباحثين عن عمل.

وأكد د. يوسف على أن التقنيات الحديثة التي تأتي بها الثورة الصناعية الرابعة كالذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، والحوسبة السحابية لن تستحوذ على جميع الوظائف التي يقوم بها البشر اليوم كما يعتقد 90% من البشر - وفقًا للتقارير العالمية - وإنما ستغير من طبيعة تلك الأعمال وستقوم بأتمتتها بنسبة 100%. ولمواكبة التغييرات المتوقعة، يرى رئيس مكتب نقل العلوم والمعارف والتكنولوجيا أن الحل يكمن في أنسنة الوظائف، وتحلي البشر بثلاث صفات رئيسية وهي: الفضول والخيال والإبداع.

وأضاف: نرى على مر السنين بأن الآلة لم تسحب الوظيفة من الإنسان وإنما غيرت من أنماط الوظائف، وخلقت أنماطا وفرص عمل أخرى كما حدث في أمريكا بعد الحرب الثانية، حين تمت أتمتة قطاع الزراعة فانخفضت نسبة العاملين بها من 42% إلى 2% فقط، ولكن هؤلاء العمال استطاعوا التحول لقطاعات أخرى مما دفع نسب البحث عن عمل إلى التراجع خلال العام ذاته.

وشدد د. يوسف على أهمية مراعاة سرعة التغيرات التقنية في الحسبان في جميع عمليات التخطيط، حيث قال: يجب التخطيط لوظائف ومهارات المستقبل بشكل دقيق وأخذ سرعة تغيرها في الاعتبار، خاصة وأن عمر الوظائف بات قصيرًا ولا يتعدى 7 سنوات فقط، حيث أصبحت تتشعب وتدخل عليها الكثير من المهارات التي تغير من طبيعتها، وذلك يحتاج منا سرعة في تبنيها وطرحها كتخصصات دراسية، حيث إن الجامعات في الوقت الحالي تحتاج من سنة إلى سنتين في أفضل الحالات لدراسة جدوى تخصص معين، من ثم تقوم بطرحه، ويحتاج بعدها الطالب 4 سنوات للتخرج منه وممارسة تلك المهنة، وإلى ذلك الوقت هناك تغيرات كثيرة يمكن أن تطرأ على طبيعة تلك الوظيفة. كما أوصى بتعزيز التنويع الاقتصادي من خلال التركيز على القطاعات التي ستلعب دورًا جوهريًا في المستقبل كالغذاء وصناعة الأدوية، وما يتعلق بالبيئة والجوانب الثقافية.

عمان مستعدة

وحول استعداد سوق العمل بالسلطنة للتغيرات التي ستنتج عن الثورة الصناعية الرابعة، قال الدكتور يوسف بن حميد البلوشي الخبير الاقتصادي بمكتب رؤية عمان 2040: تمتلك السلطنة ما يلزم لانتقال سلس نحو مواكبة الثورة القادمة من خلال مواردها البشرية - في حال تم التأهيل اللازم- بالإضافة إلى علاقات عمان الجيدة مع دول العالم والتي ستمكنها من استيراد أفضل الخبرات والممارسات والاستفادة من آخر ما توصلت إليه دول العالم في قطاع الاتصالات والطاقة والنقل.

وقال البلوشي: «المستقبل لمن يصنعه»، وملف المستقبل بات واضح المعالم والفرص الوظيفية ستتركز في حدود ما تتطلبه الثورة الصناعية القادمة، وعلينا خلال المرحلة القادمة الانشغال بتأهيل أنفسنا والأجيال القادمة على اكتساب المهارات التقنية والتفكير النقدي وتغيير اتجاهاتنا نحو الأعمال الحرة وريادة الأعمال.