أفكار وآراء

ابتزاز ترامب يهدد حليفين رئيسيين لأمريكا في آسيا

28 ديسمبر 2019
28 ديسمبر 2019

بروس كلينجنر ويونغ باك وسوي مي تيري لوس انجلوس تايمز

ترجمة قاسم مكي

تتجه الولايات المتحدة إلى قطيعة مع حليفين مهمين هما كوريا الجنوبية واليابان. طالب الرئيس الأمريكي، حسبما ذكر، بزيادة تصل إلى خمسة أضعاف المبلغ الذي تدفعه كوريا الجنوبية لمقابلة تكلفة وجود القوات الأمريكية في أراضيها إلى 5 بلايين دولار في العام. كما تشير التقارير إلى أن واشنطن ستسعى في الغالب وراء زيادة مماثلة من طوكيو لدعم كلفة الجنود الأمريكيين في اليابان خلال مفاوضات العام القادم.

ظل ترامب لأعوام يسخر من حلفاء أمريكا واصفا إياهم بأنهم «ركاب بالمجان» لايؤدون ما يتعين عليهم أداؤه في المهمة المشتركة (بينهم وبين بلده). لكن هذا وصف غير دقيق للمساهمات الكبيرة التي قدمتها كوريا واليابان للولايات المتحدة على مدى عقود.

تنفق كوريا الجنوبية 2.6% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع أو ما يزيد عما ينفقه أي من حلفائنا الأوروبيين لذات الغرض. وبحلول عام 2022 ستكون من بين البلدان الخمس أو الست الأكثر إنفاقا على الدفاع. لقد سددت «سول» ما يساوي 92% من 11 بليون دولار هي جملة تكلفة تشييد معسكر همفريس، أكبر قاعدة أمريكية في أرض أجنبية. وخلال الأعوام الأربعة الأخيرة اشترت كوريا الجنوبية أسلحة بقيمة 13 بليون دولار من الولايات المتحدة.

كذلك حاربت كوريا الجنوبية إلى جانب الولايات المتحدة في كل نزاع مسلح منذ الحرب الكورية، فقد أرسلت سول 300 ألف جندي في حرب فيتنام وقتل 5000 من جنودها في العراق.

وفي وقت ما كانت قواتها تمثل ثالث أكبر قوة عسكرية في العراق بعد الولايات المتحدة وبريطانيا. كما نفذت عمليات لمحاربة القرصنة قبالة ساحل الصومال وشاركت في عمليات حفظ السلام في أفغانستان وتيمور الشرقية وغيرهما.

أما اليابان فنسبة للقيود المفروضة من الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية لم تصرف من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع نسبة كبيرة تماثل إنفاق كوريا الجنوبية. لكنها سددت ما يقرب من إجمالي تكلفة المنشآت العسكرية الجديدة للولايات المتحدة في فوتينما وأيواكوني وكذلك ثلث تكلفة منشآت جديدة في غوام. إلى جانب ذلك، تشتري اليابان أسلحتها وأنظمتها الدفاعية من الولايات المتحدة. وفي حين تركز القوات الأمريكية في كوريا على مواجهة التهديد الكوري الشمالي إلا أنها في اليابان حرة في تنفيذ عملياتها في نصف المعمورة.

تقييم التحالفات لا يتم بالدولارات والسنتات وأفراد الجيش الأمريكي ليسوا مرتزقة. والإفراط في المطالب النقدية الأمريكية يحطُّ من قدر التحالفات المرتكزة على مبادئ وأهداف مشتركة ويحولها إلى مجرد علاقات سوق (معاملات تجارية).

تصرفات ترامب مخالفة لموقف إدارته القوي من التحالفات كما جاء بالتفصيل في استراتيجيتي الدفاع الوطني والأمن القومي. تؤكد وثيقتي هاتين الإستراتيجيتين على الكيفية التي تعظّم بها التحالفات قوة الولايات المتحدة وتوسع بها من نطاق النفوذ الأمريكي وكيف أنها تشكل «السلسلة الفقرية للأمن العالمي». كما تناقض مطالب ترامب التأييد البرلماني (من الكونجرس) وأيضا الشعبي القوي لهذه التحالفات الآسيوية. تثير المفاوضات حول اقتسام التكلفة النزاع دائما. لكن الظروف الراهنة مقلقة جدا على نحو خاص. لقد طرحت الإدارة الأمريكية مطالب متطرفة بطريقة شرسة أفضت دون داع إلى توتير العلاقات مع سول في ظرف يشهد تصاعدا في عداء كوريا الشمالية. فهذا هو الوقت الذي يجب أن يقف فيه الحلفاء كتفا إلى كتف لا أن يتشاجروا حول المال.

من الجائز أن يدفع انهيار المفاوضات واشنطن إلى سحب بعض قواتها من المنطقة. فالولايات المتحدة في مقدورها خفض عدد جنودها بسرعة بحوالي 5000 جندي (في الوقت الحاضر يوجد لديها هناك 28000 جندي). يمكنها أن تفعل ذلك ببساطة من خلال تنفيذ الانتشار التناوبي (الروتيني) لقوة بحجم لواء قتالي في كوريا الجنوبية. وأشارت وسائل الإعلام الكورية الجنوبية إلى أن الولايات المتحدة هددت بذلك لكن البنتاجون نفى صحة الخبر.

يشكل خفض القوات الأمريكية قبل تقليص تهديدات الأسلحة النووية الصاروخية والتقليدية الكورية الشمالية علامة ضعف ويخاطر بزعزعة الاستقرار في المنطقة ويشجع بيونج يانج على القيام بأعمال أكثر استفزازا. كما يدعم مثل هذا الخفض رغبة بكين في تقليص نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة. ببساطة يعزز خفض القوات الإشارات السالبة لإلغاء ترامب العشوائي للتمارين العسكرية في شبه الجزيرة الكورية وإعادة نشر قواته في سوريا وقبوله إطلاق 24 صاروخا كوري شمالي هذا العام في انتهاك لعقوبات الأمم المتحدة. شكّل الوجود العسكري للولايات المتحدة في آسيا مؤشرا على التزام واشنطن بالدفاع عن حلفائها والحفاظ على السلم والاستقرار في المنطقة. كما أتاح للولايات المتحدة إمكانية الرد الفوري على التهديدات التي تواجه مصالحها الوطنية. لكن تصرفات إدارة ترامب أثارت المخاوف في كوريا الجنوبية واليابان حول جدوى الولايات المتحدة كحليف. يقينا توجد طرق عدة يمكن لليابان وكوريا الجنوبية أن تزيدا بها من مساهماتهما. في السنوات الأخيرة أجرت اليابان إصلاحات دفاعية مهمة. لكن مطلوب المزيد من الخطوات لزيادة إنفاقها العسكري والقيام بدور دفاعي أكبر في آسيا مثل ضمان حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي. ويلزم كوريا الجنوبية ترقية أجزاء مفتاحية من أنظمة اتصالاتها لإتاحة قدرات قتالية أكثر فعالية. كما ينبغي لكلا الحليفتين تعزيز تعاونهما الأمني فيما بينهما. لكن هذه مسائل يجب معالجتها في إطار استراتيجية مشتركة. بدلا عن ذلك، يحاول ترامب ابتزاز كوريا الجنوبية واليابان. على إدارة ترامب التخلي عن مطالباتها غير الواقعية بزيادات ضخمة في التمويل والسعي وراء زيادات تدريجية أكثر اعتدالا وكجزء من تفاوض أوسع نطاقا حول الأدوار والمهام والقدرات المطلوبة لتأمين السلم الإقليمي.

تشكّل التحالف الياباني الكوري الجنوبي «بالدم» أثناء الحرب الكورية. وشعاره المستمر هو «كاتشي كابشيدا» ومعناه «نحن نمضي معا». لا يمكن أن يتغير إلى «نحن نمضي معا إذا دفعت لنا أموال كافية».

■ كلينجنر زميل أول أبحاث بمؤسسة هيرتيدج فاونديشن وباك زميل أول بمعهد بروكنجز وتيري زميل أول بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية