1406078
1406078
المنوعات

النايلون.. الخيط الذي كانت تنسج منه الأحلام يكمل عامه الثمانين

27 ديسمبر 2019
27 ديسمبر 2019

برلين «د.ب.أ»: – «خيط أفضل لحياة أفضل»، تحت هذا الشعار قدمت شركة دو بونت الأمريكية أحدث مبتكراتها في المعرض الدولي عام 1939 في نيويورك: إنها خيوط النايلون. في الخامس عشر من مايو 1940، حدثت اضطرابات في المراكز التجارية العالمية، نظرا لتكالب النساء من أجل شراء أول جوارب من النايلون تعرض للجمهور، مما اضطر الشرطة للتدخل في بعض الأحيان لفض مشاجرات بين الزبائن، سجل هذا اليوم في تاريخ الولايات المتحدة باسم «يوم النايلون».

ولدت الأسطورة، على يد والاس هيوم كاروزرس، مدير أبحاث دو بونت، مبتكر أول ألياف صناعية بالكامل من الكربون، والهيدروجين والأوكسجين. ولكن لماذا تحمست النساء كل هذا الحد للنايلون ؟ توضح اليزابيث هاكسبيل-مايكوخ، أستاذة نظريات وتاريخ الموضة بأكاديمية الأزياء والتصميم (AMD) بمدينة دوسلدورف الألمانية أن «كل النساء حلمن بارتداء جوارب حريرية حقيقية، ولكنها كانت باهظة الثمن للغاية». وحتى ذلك الحين، كان الحرير الصناعي من ألياف السيلولوز، يوفر بديلا اقتصاديا مريحا، توضح الخبيرة «ولكن النايلون كان أكثر مرونة ويعيش لفترة أطول، ثابت على الجسم وسهل الغسل، بالإضافة إلى عامل بالغ الأهمية: يجعل السيقان تتألق أكثر جمالا».

ومنذ ذلك الحين، وبعد الحملة الدعائية الضخمة التي أطلقتها شركة دوبونت، ارتفعت المبيعات بصورة غير مسبوقة. وتنوعت أشكال الحملة: نموذج لساق نسائية مرتدية جورب من النايلون محلقة في الهواء على ارتفاع عشرات الأمتار، أو سيدتان تتظاهران بجذب طرفي جورب من النايلون في أحد الأسواق التجارية لتتأكدا من قوة ومتانة المنتج وجودته، وقد حققت هذه الحملة النتائج المرجوة منها بقوة.

في وقت مقارب، طور المهندس الكيميائي الألماني بول شلاك أليافا تكاد تكون مماثلة لألياف النايلون الأمريكية لصالح شركة آي جي فاربن، أواخر عقد الثلاثينيات، أطلق عليها اسم البرلون، وبدلا من الدخول في صراع قانوني مرير، اتفق الطرفان الأمريكي والألماني على حقوق الاستخدام وتقاسم الأسواق. وربحت الشركتان أموالا طائلة من بيع الجوارب، ولكن الأوقات السعيدة لا تدوم طويلا. فسرعان ما اندلعت الحرب، وتم توجيه إنتاج النايلون والبرلون بشكل حصري لصناعة الحرب من أجل إنتاج مظلات وخيم ميدان أو حبال للجنود. ولم يتم استئناف استخدام النايلون للأغراض المدنية إلا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بشكل متسارع في الولايات المتحدة أكثر من ألمانيا التي خرجت مهزومة ومدمرة من الحرب.

استفادت النساء في الولايات المتحدة من الهدايا التذكارية التي كان يجلبها الجنود العائدون، ومن بينها الجوارب النايلون، وربما لهذا أطلق عليها في ذلك الوقت كنوع من السخرية «نقود حافة الفراش». ولكن الجوارب النايلون كانت تمثل أكثر من هذا بكثير. توضح اليزابيث هاكسبيل-مايكوخ «بعد سنوات الحرمان والتقشف، استعادت النساء الرغبة في الأناقة». وقد اعترفت بذلك دار كريستيان ديور، عندما ابتكرت عام 1947، «الطلة الجديدة» أو «النيو لوك» معبرة عن صورة أنثوية بحتة تبرز نساء نحيلات الخصر، تضفي عليهن الجوارب النايلون لمسة أناقة.

في الوقت نفسه، أصبحت الجوارب أيضًا رمزًا لصورة رجعية عن النساء. عندما كان الرجال في حالة حرب، اضطلعت النساء بالدور النشط في عالم العمل وفي المجتمع، والذي كان يتعين عليهن الآن التخلي عنه. كانت الجوارب جزءًا من إنتاج أنثوي موجع للعثور على رجل ميسور الحال لا يعاني من شظف العيش.

تتذكر اليزابيث هاكسبيل-مايكوخ «حتى السبعينيات، كانت النساء اللاتي يرتدين سروالاً محل نظرة سيئة في الأوساط الحضرية». تقول الخبيرة إن أية امرأة لم تكن تستطيع الحصول على جوارب أصلية كان بوسعها استخدام مادة تطلي بها بشرة الساقين، تشبه المكياج، وتقليد الشريط المتوج للجوارب برسمه باللون الأسود باستخدام قلم كحل تظليل. وتضيف « الخط الرفيع الممتد لأعلى في ظهر الجورب والملتصق ببطن ساق التي ترتديه لم يكن أمرا اعتباطيا، بل كان بدافع عملي بحت، فحتى ذلك الحين لم تكن هناك ماكينات نسيج نايلون تعمل بشكل دائري لتفادي بروز ذلك الخط» أما عن المسمى، فهناك نظريات منها أن النايلون مشتق من تعبير «No Run» أي لا ينقطع. ولكن تبين أن هذا مجرد وهم. وكان يتم إصلاح الجوارب المقطوعة في ورش خاصة لأن أزياء الخمسينيات لم تكن منتجًا يمكن التخلص منه.

لفترة طويلة كان من غير المتصور الانتباه إلى الجوارب لأن الساق الأنثوية كانت غير مرئية، مخبأة تحت التنانير الطويلة التي تصل إلى الأرض. وظل الحال على ما هو عليه، حتى عام 1920 عندما بدأ إنتاج الجوارب الحريرية بنجاح ساحق وحققت مبيعاتها رواجا كبيرا. منذ ذلك الحين، ولد نوع من التعايش المتلازم بين الجوارب والأزياء بكافة تصميماتها. إذا كانت حواف التنانير تنزلق لأعلى، فيجب سحب الجوارب لتكون طويلة.

عندما انتشرت التنانير القصيرة «الميني جيب» في الستينيات، تعين على النساء ارتداء نوع آخر من الجوارب الطويلة «الكولون» وهو عبارة عن سروال داخلي خفيف ينتهي بجورب من نفس الخامة، لينتهي عهد الجوارب التي كانت تعقد أطرافها بشرائط مطاطية لضمان تثبيتها وعدم انزلاقها.

بمرور الوقت أصبحت ألياف النايلون الصناعية تدخل بصفة عامة في كثير من تصميمات الأزياء، منها القمصان النايلون التي عبرت خلال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي عن الإيمان المطلق بالتقدم والتطور وكانت أزياء عملية للغاية، لكن تبين بمرور الوقت أن استخدامها لفترات طويلة وخصوصا في فصل الصيف يتسبب في التعرق بشكل غزير مما ينتج عنه روائح نفاذة.

استعاد النايلون قوته في الثمانينيات، ولكن هذه المرة لم يكن عن طريق السيقان النسائية، بل في الظهر، بفضل ابتكار حقيبة الظهر السوداء من تصميم ميوتشيا برادا. ذكرت مصممة الأزياء الإيطالية والمليارديرة مؤسسة علامة برادا، ذات مرة عن هذا الابتكار «أردت الحصول على ما كان شبه مستحيلا، تحويل النايلون إلى نوع من الرفاهية». وبالفعل في عروض أزياء صيف 2019 ضمت تصميمات برادا الجوارب النايلون الطويلة حتى الركبة.

وفي الوقت نفسه، وأخذا في الاعتبار الطلب المتزايد على منتجات أكثر استدامة، تم ابتكار الإيكونيل أو «النايلون الجديد»، الذي تم الحصول عليه من شباك الصيد القديمة والنفايات البلاستيكية المعاد تدويرها. من جانبها تعهدت برادا بعدم استخدام أي نايلون جديد اعتبارا من 2021. في نفس الوقت، قدمت خطوط أزياء «بربري» خلال صيف العام الحالي مجموعة تصميمات مصنوعة من النايلون المعاد تدويره، وضمت سترات طويلة وأرواب قصيرة ومعاطف مطر نسائية وأكسسوارات. تجدر الإشارة إلى أن والاس هيوم كارسورز لم يمتد به العمر لكي يرى إطلاق الجوارب النايلون وهي تغزو الأسواق وتتكالب عليها النساء، فقد انتحر عام 1937.