أفكار وآراء

صراعات الخاسرين.. سيزيف يحمل صخرته

27 ديسمبر 2019
27 ديسمبر 2019

رشا عبد الوهاب -

لم يشهد 2019 سوى استكمال لصراعات متجددة، بدأت في السنوات السابقة، وبالتأكيد لا يوجد نهاية لها في الأفق أو على المدى القريب، لكن سيناريوهات متوقعة لبعض القضايا وأخرى لا يمكن توقع نتائجها. فهناك الحروب التجارية، واستخدام سلاح العقوبات ضد دول كبيرة مثل روسيا وإيران وتركيا ودول أمريكا اللاتينية، والحروب بالوكالة في الشرق الأوسط في سوريا واليمن وليبيا، وصراع بريطانيا مع أوروبا بسبب الانفصال عن التكتل الموحد «البريكست» مع ما يحمله من توقعات بنظرية «الدومينو» بأن تتفكك المملكة المتحدة والاتحاد نفسه، هذا إلى جانب الصراعات التي تواجه روسيا سواء من قبل أمريكا أو حلف شمال الأطلنطي «الناتو» أو الاتحاد الأوروبي، وهناك الملفات الدولية المفتوحة بدون حل مثل الملف النووي الإيراني وكوريا الشمالية.

وفي ظل هذه الصراعات، يعيش العالم مأساته الخاصة، تراجيديا مثل مأساة سيزيف الإغريقية الذي يدحرج صخرته الضخمة إلى القمة، لتعود وتسقط من جديد إلى القاع، ليستمر عذابه إلى الأبد.

وبين حالة اللاسلم واللاحرب، يستعد العالم لاستقبال العام الجديد بنفس القضايا والصراعات والملفات المفتوحة ونفس السياسات والاستراتيجيات، ودون تغيير في قواعد اللعبة، وكأن التاريخ لا يتحرك إلى الأمام.

فالحروب التجارية التي أشعلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل شعارات رفعها خلال حملته الرئاسية في 2016، واستكملها حاليا بسبب صراعات يخوضها مع خصومه الديمقراطيين، والتي وصلت إلى حد محاكمته أمام مجلس الشيوخ بتهمتي استغلال السلطة وإعاقة عمل الكونجرس، واستعدادا لانتخابات الرئاسة في 2020.

ترامب رفع شعارات اقتصادية إرضاء للبيض من المزارعين والعمال والطبقة الوسطى، ومن بينها «لنجعل أمريكا عظيمة مجددا»، و«أمريكا أولا»، و«صنع في أمريكا»، ولهذا السبب انسحب من الاتفاقات التجارية، وبدأ حرب التعريفات سواء مع الدول المنافسة أو الحليفة. ويرى الاقتصاديون والمنظمات الدولية، ومن بينها الأمم المتحدة وصندوق النقد والبنك الدولي، أن هذه الحروب التجارية لا فائدة منها.

وحذر صندوق النقد الدولي من أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين سوف تتسبب في تراجع النمو العالمي في 2019 لأدنى مستوياته منذ الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008 و2009.

ورسم صندوق النقد والبنك الدوليان صورة قاتمة للتوقعات الاقتصادية في 2020 تتمثل في خسارة 700 مليار دولار، وهو ما يوازي اختفاء الاقتصاد السويسري.

ولا يوجد سبب للتفاؤل بمستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، فالحرب التجارية المستمرة بين الجانبين، تمثل صراعا متواصلا بين أكبر اقتصادين في العالم. وفرض ترامب تعريفات وقيودا تجارية في 2018 على الصين بهدف إجبارها على إجراء تغييرات بسبب ما تصفه أمريكا بممارسات تجارية غير عادلة.

ومن تأثيرات هذه الممارسات على الاقتصاد الأمريكي زيادة نسبة العجز التجاري، وسرقة الملكية الفكرية، والنقل القسري للتكنولوجيا الأمريكية إلى الصين.

رأي ترامب، قطب العقارات السابق، ليس جديدا، فقد دافع عن فرض هذه التعريفات منذ ثمانينيات القرن الماضي، لتقليل العجز التجاري ولدعم الصناعة المحلية، ورأى أن أمريكا «تُسرق» من قبل شركائها التجاريين، وأصبحت التعريفات بندا رئيسيا خلال حملته الانتخابية. تأثيرات الحرب التجارية لم تؤثر على الصين فقط، بل على الولايات المتحدة، ودول أخرى، فقد أثرت على المزارعين والمصنعين والمستهلكين بسبب ارتفاع الأسعار، وتسببت في ضرر اقتصادي لدول أخرى بسبب عدم استقرار أسواق الأسهم ومخاوف المستثمرين.

ترامب يعتبر الصين «منافسا استراتيجيا»، وذلك في الوقت الذي وصف فيه كيرون سكينير مدير التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية أن واشنطن تستعد لمعركة مع حضارة مختلفة، ليفتح الباب أمام «صراع الحضارات» مجددا.

إن الاختلافات الواسعة وانعدام الثقة العميق بين الطرفين واضح، ولذلك سواء تم التوصل إلى اتفاق تجاري أم لا، فإن اضطراب الروابط الاقتصادية يعتبر أساس العلاقات الاقتصادية الأمريكية.

التهديد بمعركة، لم يمنع الصين من الرد بالمثل، فقد قالت صحيفة «الشعب» الصينية، الناطقة باسم الحزب الشيوعي الحاكم، إن بكين لا تريد معركة، ولكنها ليست خائفة من المواجهة خصوصا إذا لم يكن لديها خيار. وفي مؤشر على انعدام الثقة بين الطرفين، فقد أصدرت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» تقريرا أكدت فيه أن التحركات الصينية تمثل تهديدات أمنية، وهذا التهديات لا تتمثل فقط في التحديث العسكري بل برنامج التحديث الصناعي «صنع في الصين 2025»، والاهتمام المتزايد في المنطقة القطبية، وحتى برامج التبادل الثقافي.

ومن بين الوسائل الأمريكية للوصول إلى مرحلة «الطلاق» مع الصين، الحرب التكنولوجية، فقد قررت أمريكا مقاطعة تكنولوجيا الجيل الخامس الصينية، وجعلت هذه التكنولوجيا تبدو كتهديد عالمي، لدرجة أن الدول الأوروبية رفضت هذه التكنولوجيا أيضا. وكما أكد منتدى دافوس العالمي فلا يوجد فائز في الحرب التجارية.

ووفقا لأحدث التقديرات، فإن سياسة الحمائية التجارية سوف تتسبب في خسارة 3% من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، و4% بالنسبة للاتحاد الأوروبي، كما أنها تهدد الاقتصاد العالمي بأكمله. أما مستقبل الاتحاد الأوروبي، فإن 2019 انتهت نهاية غير سعيدة بالنسبة له، بعد الفوز الكاسح الذي حققه حزب المحافظين بزعامة بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني، فالتفكك يلاحق الكتلة، التي تضم 27 دولة ويبلغ عدد سكانها 513 مليون شخص، والتي تأسست منذ حوالي 26 عاما، وبريطانيا نفسها مهددة بالتفكك، وذلك بعد تهديد اسكتلندا وإيرلندا بإجراء استفتاء على الاستقلال، كما أنه هناك الفريكست حيث ألمحت فرنسا إلى رغبتها في الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، فالرئيس إيمانويل ماكرون قال إن التكتل سيتحول إلى رابطة واسعة من الدول بمستويات مختلفة من العضوية.

والمفارقة أن الدول التي هاجمت الانفصال البريطاني لأسباب مختلفة تماما عن الهدف المعلن الذي يتمثل في حماية قوة وحدة القارة العجوز، فاقتصادات أوروبا الكبرى، خصوصا ألمانيا، تخشى من النهوض الاقتصادي المتوقع لبريطانيا وعودتها كقوة عظمى مجددا خلال السنوات التالية للبريكست، إذا ما تحقق بالفعل بنهاية العام المقبل.

وبالنسبة لعلاقات بين الغرب وروسيا، فهي في أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة كما أن العقوبات الغربية تواصل الضغط على الاقتصاد الروسي. ويأمل الرئيس فلاديمير بوتين في أن في تحركات تهدف لتسوية الصراع في شرق أوكرانيا بعد محادثات باريس في 9 ديسمبر مع قادة أوكرانيا وألمانيا وفرنسا.

ورغم اتهام الغرب لروسيا باستمرارها في ممارسة سياسات الاتحاد السوفييتي السابق، إلا أن بوتين قال يفتخر بإنجازات السوفييت بما في ذلك النصر في الحرب الوطنية العظمى والوصول إلى الفضاء. وبالتأكيد، فإن روسيا لاعب مهم على الساحة السياسية الدولية، وفي عدد من القضايا المثيرة للجدل سواء في سوريا أو إيران أو أفغانستان أو مكافحة الإرهاب.

وتعمل كل من روسيا والصين على إقامة تحالفات بعيدا عن القوى الكبرى التقليدية، فبكين تستخدم استراتيجية «الحزام والطريق» لتجمع عشرات الدول حولها، في أكبر مشروعات للبنية التحتية، كما تسعى روسيا إلى التقارب مع إفريقيا والدول الآسيوية.

وأكد الرئيس الروسي أن التعاون بين بكين وموسكو «مهم للنظام العالمي ومخطئ من يتوهم بإمكانية قيام عالم أحادي القطب بعد انهيار الاتحاد السوفييتي». وتهدف الدولتان إلى بناء حالة من الثقة مع الدول النامية والناشئة، في ظل ارتباك السياسات الأمريكية. وتظل الصراعات المفتوحة مثل سوريا وإيران واليمن وليبيا إلى جانب التنظيمات الإرهابية وقضية اللاجئين من بين المحددات الرئيسية لملامح المواجهات التي قد يشهدها العالم في 2020.

وأكد مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي أن هناك 13 صراعا تشكل أولويات للقوة العظمى العام المقبل، ومن بينها هجوم إلكتروني يستهدف البنية التحتية الحساسة، بما في ذلك الأنظمة الانتخابية، هجوم إرهابي واسع النطاق، مواجهة مسلحة بين إيران وأمريكا، أزمة بين روسيا وأوكرانيا، تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية في المثلث الشمالي (السلفادور وجواتيمالا وهندوراس)، مما يؤدى إلى تدفق المهاجرين، زيادة العنف المتصل بالجريمة المنظمة في المكسيك، تصاعد العنف بين تركيا والجماعات الكردية داخل تركيا أو سوريا، زيادة حالة عدم الاستقرار السياسي في العراق بسبب التوترات الطائفية والظروف الاقتصادية السيئة، تدهور الأوضاع في سوريا، زيادة العنف وعدم الاستقرار السياسي في أفغانستان وانهيار الحكومة وزيادة هجمات طالبان، وأخيرا تدهور الأوضاع في فنزويلا.