1401532
1401532
إشراقات

الرويشدي يدعو إلى تعزيز مناهج اللغة العربية بأمثلة من القرآن الكريم

26 ديسمبر 2019
26 ديسمبر 2019

مع الأخذ من مآثر فصحاء عمان والعرب قبل الإسلام -

وسائل الإعلام مطالبة بتخصيص برامج تعنى بتعليم قواعد اللغة العربية نطقا وكتابة -

حاوره: سيف بن سالم الفضيلي -

دعا الشيخ عبدالله بن علي الرويشدي الموجه الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية إلى التركيز على بناء مناهج تدريس اللغة العربية البناء القويم بالانطلاق من القرآن الكريم، وأخذ قواعد اللغة العربية مما نهجه القرآن الكريم واستخدمه، وأن تعزز قواعد اللغة العربية بأمثلة تؤخذ أولا من القرآن الكريم، ثم من السنة المطهرة، ثم مما أثر من كلام الصحابة الكرام، ولا يهمل الأخذ عن فصحاء العرب من منثورهم ومنظومهم لا سيما عهد ما قبل الإسلام، فهي فترة ذروة بلوغ اللغة العربية أقصى ما كانت عليه من التفصح والإبانة.

مشيرا إلى أنه من المهم جدا أن يؤخذ في الاعتبار الأنشطة العملية للطلاب في تعلم اللغة العربية بحيث لا يقتصر على مجرد الأنشطة التحريرية والمنزلية.

وأوصى الرويشدي بأن يزوّد الطلاب ضمن مناهج التدريس للغة العربية بالقصص المناسبة لأعمارهم بحيث تكون مساندة للكتاب المدرسي ورافدا من روافد تنمية ملكاتهم اللغوية مثريا ألسنتهم بمفردات اللغة العربية، ومما أوصي به أيضا في هذا الجانب استغلال الحس الوطني لتقوية المهارات اللغوية وأعني به إيقاف الطلاب على ما أثر عن فصحاء عمان قديما وحديثا، ويدخل تحت هذا الأمر الاحتفاء بالشخصيات العمانية العظيمة التي برعت في فنون اللغة العربية وتسليط الضوء عليها.. جاء ذلك في الجزء الأخير من اللقاء الذي أجريناه معه حول «اللغة العربية في عصر التحديات».

هل وسائل الإعلام المختلفة قائمة بدورها في المحافظة على لغتنا العربية؟ أم أن أغلب الحوارات بها قائمة على اللهجات المحلية؟..وما الذي عليها القيام به؟

لا ريب أن للكلمة مسموعة كانت أم مقروءة أم مرئية أثرها البالغ في نفوس المتلقين، وقد ضرب الله تعالى لها مثل الشجرة الطيبة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ما دامت كلمة طيبة، وهي كالشجرة الخبيثة إن كانت غير طيبة، وغير الطيب وللأسف كثير وسط الزخم الإعلامي الهائل الذي نعيشه مع عدم غمط بعض القنوات الهادفة حقها ولكنها قليلة، ومن البعد عن الطيب والقرب من الخبيث إهمال المحافظة على اللغة العربية ضمن وسائل الإعلام المختلفة، ولست أعني مجرد الحوارات التي سئلت عنها في هذا السؤال وإنما أعني ما يقدم عموما، والذي ينبغي عليها القيام به مراعاة قواعد اللغة العربية، وأن يتم تسليط الضوء على الجهود المبذولة لنصرة هذه اللغة الكريمة والمحافظة عليها محليا وإقليميا وعالميا، وأن تخصص بعض البرامج التي تعنى بتعليم قواعد اللغة العربية نطقا وكتابة، مع مراعاة الفوارق ما بين الفئات العمرية؛ فما يقدم للصغار يختلف بطبيعة الحال عما يتم تقديمه للكبار، وبالإمكان –كمقترح- الإعلان عن مسابقات وجوائز تشجيعية تتعلق بإجادة اللغة العربية تحدثا وكتابة، ووسائل الجانب الإعلامي في خدمة اللغة العربية يطول الحديث عنها.

ظهرت في الآونة الأخيرة الكثير من القنوات الفضائية التي تنتهك هذه اللغة انتهاكا فاضحا، وذلك باستخدام اللهجات المحلية مع خليط من الألفاظ الأجنبية.. كيف يمكن التصدي لمثل هذه الانتهاكات؟

لا أستبعد ونحن نعايش ما نعايشه في زماننا هذا من الحروب الطائفية في بعض بلدان المسلمين- أن تتم مهاجمة لغة الإسلام والمسلمين لغة القرآن الكريم عبر بعض القنوات الفضائية المحسوبة على أمة الإسلام وعلى الأمة العربية، مهاجمة تتخذ طرائق متعددة، ووسائل مختلفة، ومن بين تلكم الوسائل ما تفضلتم به وذكرتموه في السؤال، فأعداء الأمة الإسلامية يدركون تمام الإدراك أن اللغة العربية تربط شعوب العالم الإسلامي برباط معنوي وحسي لأنها لغة الديانة التي يتدينون بها، ومن المهم لديهم العمل على عدم اعتزاز العربي بلغته وإبعاده عن التمسك بها بكل وسيلة ممكنة، ومع ضرورة التصدي لمثل هذه الظواهر وأهمية توعية الناس بخطورتها فالواجب لمن بيده السلطة أن يتخذ ضدها ما يناسب من الإجراءات القانونية.

كيف يمكن إعداد معلمي اللغة العربية الإعداد الكامل حتى يستطيعوا صناعة جيل يحمل أمانة هذه اللغة إلى هذا الجيل والأجيال اللاحقة؟

الطالب ينظر إلى معلمه كقدوة يتمثل بها في حياته، متى ما أدرك المعلم هذه الحقيقة وجب عليه أن يخلص في تقديم ما يقدمه، أن يخلص في وقفته، وفي مشيه، وفي سره وعلانيته، أن يكون على قدر المسؤولية، وأن يتشرب قلبه حب اللغة العربية، ويدل طلابه على أحسن الطرق والوسائل لتحصيل قواعدها، وإحسان النطق بها، ومتى ما طرق معالم اللغة العربية من باب القرآن الكريم وجد الطريق أمامه سهلا معبدا، فليتحفظ من كتاب الله تعالى ما استطاع، وليصل طلابه بالمنهج اللغوي للقرآن الكريم، وليجعلهم موصولين بأحاديث الرسول الأمين صلوات الله وسلامه عليه، وليدلهم على المنابع الثرية النقية التي يقوى بها لسانهم من معاجم اللغة العربية وقصص العرب وأشعارهم ودواوين شعرائهم، وخطب فصحائهم، وما كانوا عليه من عرض لآلئ منظومهم على من يحكمونه في تفضيل بعضه على بعض، وليقم بينهم من المسابقات ما يحفزهم لقراءة ومطالعة كتب الأدب العربي قديما وحديثا، وليحرص على التفصح في حديثه أمامهم، وليمنعهم من الحديث بغير اللغة العربية الفصيحة أمامه.

ويعود إلى المسؤولين عن المعلمين وموضوع تأهيل معلمي اللغة العربية تأهيلا صحيحا معتبرا، ولهم طرقهم ووسائلهم في ذلك، والحديث يطول بذكرها.

ماذا عن مناهج تدريس اللغة العربية..هل هي أدوات جاذبة أم طاردة لجيل اليوم في نظرك؟ وما الذي ينبغي أن تكون عليه؟

التطوير مستمر ومتواصل لتلكم المناهج وهذا أمر حسن جدا، وفي نظري يمكن الاستفادة من تجارب الآخرين محليا وإقليميا ودوليا في هذا المجال، هنالك تجارب ناجحة على مستوى المدارس الخاصة كمدارس أخينا الشيخ عبدالله العيسري، والتي أثبتت جدارتها بما نالته من ثقة كثير من الأسر، وأشاد به الخاص والعام، وقد وقفت بنفسي على منهج التدريس في أحد فروع مدارسه، ولمست جهده الواضح في تحسين مستوى الطلاب من ناحية المواد المقدمة، ومن ناحية طرق تدريسها، ومن ناحية أهلية المدرسات القائمات على تنفيذ المنهج المعد.

ومما أحب التركيز عليه بناء مناهج تدريس اللغة العربية البناء القويم بالانطلاق من القرآن الكريم، وأخذ قواعد اللغة العربية مما نهجه القرآن الكريم واستخدمه، وأن تعزز قواعد اللغة العربية بأمثلة تؤخذ أولا من القرآن الكريم، ثم من السنة المطهرة، ثم مما أثر من كلام الصحابة الكرام، ولا يهمل الأخذ عن فصحاء العرب من منثورهم ومنظومهم لا سيما عهد ما قبل الإسلام، فهي فترة ذروة بلوغ اللغة العربية أقصى ما كانت عليه من التفصح والإبانة.

ومن المهم جدا أن يؤخذ في الاعتبار الأنشطة العملية للطلاب في تعلم اللغة العربية بحيث لا يقتصر على مجرد الأنشطة التحريرية والمنزلية، وسأضرب مثالا على نشاط عملي بأن يلقي أحد الطلاب كلمة أو يقرأ خطبة من خطب وزارة الأوقاف والشؤون الدينية- مثلا- ثم يطالب بقية الطلاب بإعراب بعض الفقرات أو استخراج المحاسن أو ما يؤخذ على الطالب في كلمته..وهكذا.

ومما أوصي به ضمن مناهج التدريس للغة العربية تزويد الطلاب بالقصص المناسبة لأعمارهم بحيث تكون مساندة للكتاب المدرسي ورافدا من روافد تنمية ملكاتهم اللغوية مثريا ألسنتهم بمفردات اللغة العربية، ومما أوصي به أيضا في هذا الجانب استغلال الحس الوطني لتقوية المهارات اللغوية وأعني به إيقاف الطلاب على ما أثر عن فصحاء عمان قديما وحديثا، وحسبكم ما نقله الجاحظ في البيان والتبيين عن فصاحة أهل عمان، وأشار إليه الإمام السالمي - رحمه الله- في مقدمة كتابه العظيم: «تحفة الأعيان بسيرة أهل عمان»..

ويدخل تحت هذا الأمر الاحتفاء بالشخصيات العمانية العظيمة التي برعت في فنون اللغة العربية وتسليط الضوء عليها، كالإمام الخليل بن أحمد الفراهيدي، وكتابه العين في اللغة، ومنظومته النحوية التي لم تنل حظها من التحقيق العلمي الرصين، وإن كان جهد الأستاذ عفيفي مشكورا في ذلك، ولكنها في نظري بحاجة إلى خدمة أكبر.

المكتبات العامة لها دور فاعل في إثراء الجانب اللغوي بين الأفراد..لماذا لا توجد عندنا مبادرات لإقامة مكتبات متكاملة مقارنة بالبلاد الأوروبية؟

لذلك عدة أسباب كثيرة - في نظري- لعل من بينها أن الحس المعرفي بذلك وأهميته ما يزال في طور النمو، ولا يخفى أن الحال الذي تطمحون إليه مع المقارنة بالمكتبات الأوروبية يستنزف مالا قد لا يجتمع إلا لذوي الدخول العالية، أو أن يتم تجميع المبالغ من الجمهور، أو أن تتولى الدولة ذلك، وكم كنت أتمنى أن يجعل من ضمن الاشتراطات لبناء المجالس الأهلية العامة وإقامتها أن يلحق بها مكتبة عامة، ومن المبادرات التي يشاد بها في هذا المجال المكتبة العامة للأطفال بالخوير فهي بادرة محمودة يشكر جزيل الشكر وأوفاه المؤسسون لها، ومما آمله –ومن ورائه خير كثير بمشيئة الله تعالى- أن تنجح جهود وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في لفت أنظار الناس إلى أهمية الوقف وضرورة دعم: «وقف الكتاب»، ولعل مؤسسة الإمام جابر بن زيد الوقفية من المؤسسات الرائدة في هذا المجال، وقد بادر شيخنا البدر الخليلي- حفظه الله تعالى- إلى الإعلان عن وقف مكتبته الخاصة على طلبة العلم فجزاه الله عز وجل خير الجزاء.

وبمناسبة ذكر الوقف فإن بابه كبير، وهو واعد-إن شاء الله- مع توعية الناس بأهميته- بظهور جيل متعلم مثقف لو توجه الواقفون إلى وقف الكتب والمكتبات ليس على الجوامع والمساجد فحسب، بل على المدارس، والحدائق العامة، والمراكز التجارية، وبعض المرافق العامة، وأماكن الانتظار في المستشفيات وغيرها.

يشتكي المعلمون والطلبة معا من كثافة الدروس والواجبات المدرسية وذلك على حساب القراءة والثقافة العامة...هل من كلمة في هذا المجال؟

الدروس والواجبات المدرسية هي مفتاح باب القراءة المتخصصة وهي التي تحتاج إليها الأمة المسلمة قبل غيرها، والقراءة المتخصصة تقبل عليها النفوس متى أعدت الإعداد التعليمي السليم، ومع هذا فلست مع تكثيف الواجبات المدرسية، فإن «الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده»، وهذا كتاب الله تعالى الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم وفيه ما فيه من الخير الذي لا يوصف ما أنزله الله تعالى إلا على فترات، وراوح في إنزاله على أزمنة مختلفات، وقد رد على الذين أنكروا طريقة إنزاله بقوله: (وقال الذين كفروا لولا أنزل هذا القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا)، ووصف عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه- طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في تعليمه القرآن الكريم لأصحابه بقوله: كنا إذا نزلت عشر آيات من كتاب الله تعالى لا نتجاوزهن إلى غيرهن حتى نحكمهن علما وعملا، فمع تكثيف الواجبات تتراكم المطالب على الطالب فيستثقل تلقي العلم وربما هجر الدراسة رأسا، والتهرب من المدرسة ومن الدراسة واقع تعاني منه - للأسف - بعض الأسر، فكيف سيغدو الحال مع تكثيف الواجبات؟

إذا صلح المعلم وصلح المنهج استقامت لغة الطلاب ..إلى أي مدى صحة هذه المقولة؟

نعم.. هي عبارة صحيحة، أصابت كبد الحقيقة، فمدار نجاح تعليم أي فن من فنون العلم على صحة المنهج وأهلية المعلم المنفذ لذلكم المنهج، فيرفع المعلم بمساعدة المنهج المعد له من شأن طلابه إلى مستوى مرضٍ ناجح يفتخر به، والعكس بالعكس؛ حيث لا يصل معلم فاشل مع منهج غير مرضٍ إلى إخراج طلاب يتمتعون باللغة العربية السليمة، فيتحدثون بطلاقة، ويحاورون بثقة، ويؤدون المعاني في قالب من الألفاظ بديع.