إشراقات

النظافة :يدًا بيدٍ لنرتقي

26 ديسمبر 2019
26 ديسمبر 2019

علي بن سعيد العلياني -

يدًا بيدٍ فالطريق لي أنا، قبل أن يكون للجميع. كما أن وجودي في بيئة قذرة ضرر فيّ أنا قبل أن تكون ضرر للآخرين، فيجب أن أتحمل أنا المسؤولية في إزالة الأذى في البيئة المحيطة، فالدين يخبرنا على لسان المصطفى عليه السلام: «إزالة الأذى عن الطريق صدقة»، وإن إماطة الأذى عن الطريق صدقة كما أن باقي المرافق العامة، كما أنني أحب أن استخدمها وهي في قمة النظافة والجمال يجب أن أتركها نظيفة إذا أردت أن أغادرها، فالمشاعر مع الجميع متشابهة وكما نريد أن نأخذ يجب أن نعطي.

يدًا بيدٍ فلا يكفي أن تنصح وتوجه نظرياً فقط، فالجانب العملي ينادينا وبأعلى صوت هلموا إلى الساحات والأماكن تعج بالنفايات فلا نترفع أو نستحي أو نخجل أو نتكبر في المساهمة في إزالة كل ما يعيق أو يشوه أو يساهم في نشر الأمراض، وأنا وأنت بعملنا في الميدان نساهم في تشجيع وتحفيز الآخرين، وما زالت صورة ذلك الشخص الغربي وهو في بلادنا يلتقط حبة الكبريت ويحملها بكلتا يديه ليضعها في سلة المهملات بكل الفخر والاعتزاز وبكل الثقة أنه يقدم خدمة ويقدم على عمل جميل.

يدا بيد فالجيل الذي يعتمد في البيوت على عاملات المنازل في أكله وشربه وترتيب فراشه وتنظيف غرفته وحمل بقايا أكله وشربه، جيل اتكالي يجب أن يعود مهما كانت الظروف على تحمل مسؤوليته في أن يخدم نفسه بنفسه لأنه يصبح في المستقبل عالة على الجميع إن استمر وكبر على هذا المنوال وهذه مصيبة كبيرة لأن قطاعاً عريضاً من ربات البيوت العاملات تعتمدن اعتماداً كلياً في بيوتهن على عاملات المنازل وينشأ الأولاد على الترفع والتعالي وينظروا إلى أمر النظافة على أنه لا يعنيهم بل ويحتقرون هذا الفعل ظناً منهم، مع مرور الزمن، على أنه عمل وضيع حتى أن أولادنا الصغار عندما يروننا نؤدي أي عمل في البيت يسألوننا: هل أنتم عمال منازل؟ وهذا لعمري خطر كبير وشر مستطير إذا لم يتدارك، ويعود الجيل الناشئ على العمل في البيت في كل الأمور سواء التي تخص النظافة أو غيرها وهذا يحتاج الى التواصي والتناصح والإرشاد والتوجيه ومع أنها مسؤولية، ومسؤولية كبيرة، يجب أن نقبل التحدي مهما كانت الصعوبات أو التحديات.

يداً بيد إن تألف النظافة بكل تحدياتها ستحب النظافة بل ستعتبرها أحد أركان حياتك التي لا تقبل المساومة تحت أي ظرف كان. وعلى الجانب الآخر إذا ألفت الحياة القذرة ستتصور أن القذارة قدر محتم وأن من يحافظ على نظافته سيكون في نظرك مبالغا ومترفا ويضيع وقته في أشياء تافهة. القناعات في توجهها سلاح ذو حدين، وأخطر القناعات هي القناعات السلبية التي تنظر إلى الحياة بمنظار الخنوع والركون والاستسلام، فهو للأسف ألف القذارة والنفايات والمناظر التي تشمئز منها النفس السوية مهما جادلته أن لباسه متسخ سيقول لك إنه نظيف، ومهما أبلغته أن بيته قذر سيرد عليك أنك مخطئ فهو يتصور أن مقياس النظافة عندك خاطئ بينما هو مقياسه صحيح. ونجده لا يهتم بأسراب الذباب وطنين البعوض ولا يهتم بأولاده المرضى فهو يعتقد بأن المستشفى ملزم بإيجاد الصحة لهم لذلك سنجد أن من يرتادون المستشفى غالباً هم من هذه الفئة التي ألفت حياة القذارة.

يداً بيد نحو إيجاد بيئة مدرسية نظيفة فكما أن البيت أساس التنشئة على النظافة كذلك المدرسة هي التوأم الذي يكمل البيت من خلال تخصيص أوقات للنهوض بالوعي الصحي في عقول الطلاب من خلال التعود على البيئة النظيفة والتنبيه على أن البيئة غير النظيفة هي أساس كل بلاء. والمدرسة تستطيع من خلال حصص النشاط أن توجه الطلاب نحو العناية بنظافتهم الشخصية خاصة، والنظافة العامة، وتنبه إلى أن الوضع المادي ليس له دخل بمستوى النظافة لدى الفرد.

يداً بيد لإيجاد بيئة صحية وتشجيع أبناء المجتمع على المبادرة في إثراء هذا الجانب سواء من ناحية التوعية أو حتى ابتكار الطرق التي تضمن الاستمرارية في نظافة البيئة من ناحية توجيه قطاعات المجتمع إلى خلق شراكة مع القطاع الحكومي في هذا الجانب، فليس من المعقول أن نجلس ننتظر إذا رأينا منظراً غير محبب سواء النفايات في الشارع أو داخل الأحياء السكنية ونسبب ضرراً لأنفسنا بحجة انتظار الخدمة الحكومية. وبما أننا نعي أن الحكومة تبذل جهوداً جبارة وتنفق أموالاً طائلة في هذا الجانب فعلينا أن نسد الخلل في حالة وجوده بدل أن نتفرج أو أن ننتقد ونشتم.

يداً بيد في الخروج بحلول تنقذنا مما نعاني منه في جانب النظافة. فليس من المعقول أن نسكت ونستسلم للواقع المؤلم بسبب إحساسنا الخاطئ أننا لا نستطيع أن نغير الواقع أو لأننا ندرك أنه يريد الكثير من الجهد والعناء ونحن نريد الكسل والدعة والراحة فلا بد من الجلوس أمام الواقع ومجابهة كل تحدياته في جانب النظافة بدل الهروب الذي يزيد الأزمة سوءاً أو يعقد الوضع أكثر فأكثر. وللخروج بأقل الخسائر يجب أن لا نؤجل هذه الخطوة أكثر من ذلك بل المسارعة واجبة في ظل التداعيات الخطيرة على الساحة، فالأمراض حاضرة والبيئة تزخر بشتى أنواع الحشرات الضارة والقوارض التي تهلك الحرث والنسل.

كما أن الشغل الشاغل لقطاع عريض من الناس أصبح التردد على المستشفيات التي غصت بالمرضى، والعيادات الخاصة التي أتخمت بالمبالغ التي يدفعها المرضى، وهكذا دخلنا في دوامة مهلكة تجلب الخسائر والأحزان والكآبة كما أنها تضيع الأوقات وتسرق الصحة التي هي أغلى من الغالي وأثمن من النفس.

هكذا فنحن عندما نضع أيدينا لنتعاون ونتكاتف تكون النتائج مثمرة تعطي عطاء لا ينضب من الصحة والجمال والسعادة. وعندما نفترق ونتهاون في الوقوف في وجه الملوثات والنفايات يتحول الحال من الواقع الجميل إلى واقع سيء مدمر مهلك يقضي على الأخضر واليابس، وهذا ما نحذر منه ونرجو أن لا يقع وأن لا يكون موجوداً في حياتنا فالجميع يبحث عن السعادة والراحة والعيش الرغيد وبالتالي لن يقبلوا واقعا يجردهم من كل هذه المفردات الجميلة والواقع الجميل. وهنا تهون التضحيات ويسهل بذل الغالي والنفيس لأننا نريد كل شيء على ما يرام بدل أن نفقد كل شيء وفوق ذلك نتجرع الآلام والحسرة ويقعدنا المرض وتنهكنا الأوبئة.