أفكار وآراء

«كيس العواصف» وموقعه في 2020 !

25 ديسمبر 2019
25 ديسمبر 2019

مصباح قطب -

[email protected] -

كتابات بلا حصر تحاول أن تتنبأ بما سيحدث عالميا على الصعيد الاقتصادي، وتضاربات في التوقعات بلا حصر أيضا ما يشير ليس إلى تنوع مطلوب في الآراء أو اختلافات طبيعية ولكن إلى اضطراب في الرؤية وقصور - لا إرادي - في أداوت التحليل والقياس والتوقع.

كل دولة وأكاد أقول كل أسرة أو فرد بات مهتما بمعرفة إلى أين سيذهب العالم في 2020 وماذا سيحدث في أسواق المال والتمويل والاستثمار والعمل والسلع والخدمات. من أين يمكن أن تهب الريح والى أين تتجه العواصف؟ أي الآراء يتبنى وأيها يكتفى بمطالعته وما هي تلك التي يجب أن يهملها أو يطوى صفحتها؟ عمالقة العلم الاقتصادي انفسهم حائرون، ويمكن ببساطة أن نلمس ذلك بكل وضوح من المقالات التي ينشرها موقع « بروجيكت سنديكيت» اهم موقع في العالم لنشر الآراء الاقتصادية، وقد نقلت وينقل غيري بعضها أحيانا إلى جمهور القراء للتشارك.

ومع قرب بداية العام الجديد لا مناص من الدخول في حلبة التوقعات أو بمعنى آخر محاولة الفهم للتعرف بهذه الدرجة من الدقة أو تلك عن اهم المصاعب التي سيواجهها العالم - وتنعكس بدورها على الدول النامية - وكيفية التعامل معها ولا أقول التصدي لها.

وقد اخترت اليوم أن اقدم إلى القراء خلاصة دراسة خاصة عن الأوضاع الاقتصادية العالمية من منظور اكبر خبراء الاقتصاد المصريين في الداخل أو خارج البلاد.

ترى الدراسة أن هناك ثلاث صدمات سلبية في سلسلة الإمدادات العالمية قد - الكاتب : ضع عدة خطوط تحت « قد» هذه - تؤدي إلى ركود عالمي بحلول عام 2020، تأتي جميعها من عوامل سياسية تؤثر على العلاقات الدولية، وترتبط اثنتان منها بالصين والولايات المتحدة.

الصدمات المتوقعة غير قابل للمعالجة باستخدام الأدوات التقليدية لسياسات الاقتصاد الكلي العاكسة للدورات الاقتصادية أي التي تستطيع أن تعكس دورة الهبوط الاقتصادي إلى صعود.

تعتبر الدراسة أن أول صدمة محتملة تأتي من حرب التجارة الأمريكية الصينية، والتي تصاعدت مؤخرا - قبيل محاولة تهدئتها بحل أولي ينتظر إعلانه كاملا والتوقيع عليه في يناير المقبل- ، وبدأ التصعيد عندما هددت إدارة «دونالد ترامب» بفرض تعريفة إضافية على صادرات الصين إلى الولايات المتحدة، واعتبرت أمريكا بكين رسميًا متلاعبة في سوق العملات. المعروف أن التلاعب بالعملة في المفهوم الأمريكي له ثلاثة شروط لا ينطبق على الصين إلا شرط واحد منها فقط .

أما الصدمة الثانية فتتعلق بالحرب الباردة البطيئة التي تختمر حاليا بين الولايات المتحدة والصين بشأن أعمال التقنية، حيث دخلت الدولتان في منافسة تتحلى بكل أسباب «الصراع المتوالي والمتسلسل من أجل الهيمنة على صناعات المستقبل مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات وشبكات الجيل الخامس» حيث وضعت الولايات المتحدة شركة الاتصالات الصينية «هواوي» على قائمة «الكيانات»، وهي القائمة التي تشمل المؤسسات التي تعتبرها واشنطن تهديدًا للأمن القومي، ورغم الإعفاء المؤقت الذي حصلت عليه الشركة من «ترامب»، قالت الإدارة الأمريكية: إنها ستضيف 46 شركة تابعة لـ«هواوي» إلى القائمة.

وعند هذه النقطة يود الكاتب أن يؤكد على أن ما أشارت إليه الدراسة تحت مسمى الحرب الباردة هو بعد يتم نسيانه كثيرا مع انه هو الأصل الذي يسبق الحرب التجارية أو بمعنى آخر فان الحرب التجارية هي مجرد احد اذرع الحرب الباردة الأشمل بين الدولتين غير أن الباردة لا تتوقف عند محطة التكنولوجيا وحدها كما نوهت الدراسة ولكنها تشمل أيضا جوانب أمنية وعسكرية وثقافية واجتماعية وتحالفية متعددة.

وعن الخطر الرئيسي الثالث أو الصدمة الثالثة فيتعلق بإمدادات النفط، فرغم انخفاض الأسعار أو استقرارها خلال الأسابيع الأخيرة،( وعدم نجاح تحالف اوبك بلس في تحريكها كثيرا) وأن الركود الناتج عن حرب التجارة والعملات والصراع التقني من شأنه خفض الطلب على الطاقة، فالمواجهة الأمريكية مع إيران سيكون لها أثر معاكس إذا تصاعدت حدة هذا النزاع إلى حد الصراع العسكري، فقد تقفز أسعار النفط العالمية متسببة في ركود عميق، كما حدث عندما توترت الأوضاع في الشرق الأوسط خلال أعوام 1973 و1979 و1990.

ولعلي هنا اعلق بأنه جدير بالذكر أن الصراع الأمريكي الإيراني يخضع هو أيضا لتوقعات وتحليلات مختلفة لا تذهب كلها إلى الأبعاد التي تبنتها الدراسة وان كان لا يمكن تجاهل اثر انفجار هذا الصراع أو خروجه عن السيطرة - لو حدث - على أسعار النفط وغيرها.

تواصل الدراسة: هذه الصدمات الثلاث المحتملة سيكون لها تأثير عميق، حيث ستزداد أسعار السلع الاستهلاكية المستوردة، والمدخلات الوسيطة، والمكونات التقنية، والطاقة، مع تقليل الإنتاج عن طريق تعطيل سلاسل التوريد العالمية.

والأسوأ من ذلك، أن الصراع الصيني الأمريكي يؤجج بالفعل عملية أوسع نطاقا لهدم العولمة بشكلها العملي، لأن البلدان والشركات لم تعد تستطيع الاعتماد على الاستقرار طويل الأجل لسلاسل القيمة المتكاملة نظرا لأن التجارة في السلع والخدمات ورأس المال والعمالة والمعلومات والبيانات والتقنيات أصبحت متقلبة بشكل متزايد، وسترتفع تكاليف الإنتاج العالمية في جميع الصناعات، وبجانب ذلك، فإن حرب التجارة والعملات والمنافسة على التقنيات الحديثة سوف تؤجج بعضها البعض.

ويمكن اعتبار «هواوي» مثالًا، إذ تعد الشركة من يقود العالم فيما يتعلق بمعدات شبكات الجيل الخامس، وقريبًا ستصبح هذه التقنية هي الشكل القياسي للاتصال لمعظم الهياكل الأساسية المدنية والعسكرية، ناهيك عن السلع الاستهلاكية المتصلة بالإنترنت هذا يعني أنه إذا تم اعتبار «هواوي» تهديدًا للأمن القومي على نطاق واسع، فإن الآلاف من صادرات السلع الاستهلاكية الصينية ستكون تحت ضغط.

ومن السهل تخيل كيف يمكن أن تؤدي الظروف الحالية إلى انهيار كامل لنظام التجارة العالمي المفتوح، والسؤال هو ما إذا كان صانعو السياسة النقدية والمالية مستعدين لصدمة العرض السلبية مستمرة وربما دائمة؟ المفاجأة أن الدراسة تجيب على السؤال الذي طرحته بالقول:

« ....اليوم، فإن البنوك المركزية الكبرى تسعى بالفعل إلى تخفيف قبضتها، لأن توقعات التضخم والمعدلات الحالية لا تزال منخفضة، ومن المرجح أن تنظر المصارف المركزية إلى أي ضغوط تضخمية ناجمة عن صدمة النفط باعتبارها مجرد تأثير على مستوى الأسعار وليس زيادة مستمرة في التضخم».

بمرور الوقت، تميل صدمات المعروض السلبية إلى أن تصبح صدمات سلبية في الطلب أيضا، وتقلل من النمو والتضخم عبر خفض الاستهلاك والنفقات الرأسمالية. تؤكد انه لا يمكن عكس هذه الصدمات باستخدام السياسات النقدية أو المالية، ورغم إمكانية إدارتها على المدى القصير، إلا أن محاولات استيعابها بشكل دائم ستؤدي في النهاية إلى ارتفاع التضخم وتوقعاته أعلى بكثير من أهداف البنوك المركزية.

تشدد الدراسة أخيرا على معنى سبق أن تحدث عنه كثيرون وفهمه أساسي في التعامل مع أي أزمة مقبلة، حيث تقول أن هناك فرقا مهما بين الأزمة المالية العالمية لعام 2008 وصدمات العرض السلبية التي قد تضرب الاقتصاد العالمي قريبا، لأن الأولى كانت صدمة سلبية كبيرة في إجمالي الطلب أدت إلى تراجع النمو والتضخم وقوبلت بحوافز نقدية ومالية لكن هذه المرة، سيواجه العالم صدمات سلبية مستمرة في العرض تتطلب نوعا مختلفا جدا من استجابة السياسة على المدى المتوسط، وترى أن محاولة وقف الضرر عبر التحفيز النقدي والمالي غير المتناهي لن تكون خيارا معقولا.

ويبقى السؤال: أي كل التنبؤات سيصدق يا ترى؟ قد يأتي وقت على الدول، إزاء شدة وتنوع المخاطر وتعقدها وصعوبة استشراف وقت وقوعها أو مدى تأثيرها، تتعامل فيه بمنطق «المؤمن يستفتي قلبه فيفتيه»، أي تسأل الدولة «قلبها» لا عقلها لتأخذ هذا القرار الضروري أو ذاك دون انتظار أن تكتمل كل المبررات الموضوعية الواضحة لاتخاذ القرار.