رندة_صادق
رندة_صادق
أعمدة

عطر: طبخة تقشف لا (بحص)

25 ديسمبر 2019
25 ديسمبر 2019

رندة صادق -

[email protected] -

من الحكايات التراثية التي ما زالت في الذاكرة حكاية: «طبخة بحص» تقول الحكاية: «إن عائلة فقيرة سافر معيلها بحثا عن الرزق في أرض الله الواسعة، وبقيت الأم مع أطفالها الصغار تدعو الله أن يمنحها القدرة على تخطي هذه الأيام القاسية وبعد أن نفذت من دارها الحنطة والحبوب، جلست حائرة وقد تحجرت الدموع في مقلتيها وأبت روحها وكبرياؤها أن تطلب المساعدة من أحد، فلم تكن ترغب أن يتصدّق الناس على أطفالها ووضعت حِملها كله على ربها تنتظر منه الفرج وعودة زوجها اليها، ولكن الجوع نال منها ومن أطفالها فما كان منها إلا أن ربطت الأحزمة على بطنها وبطون أطفالها، ولكن الأطفال لم يكفوا عن البكاء والتعلق بثوبها وهم يرددون: «نحن جائعون يا أمي» وقد دخل الليل عليهم وهي تعلم أن أطفالها لن يكفوا عن طلب الطعام، فخطرت لها فكرة ذكية زرعت بأطفالها الصبر وراهنت على سلطان النوم، أوقدت النار ووضعت القدر عليها وأضافت بعض البحص الذي غمرته بالماء وأخبرت أطفالها الذين تجمعوا حولها انها تعد لهم العشاء، وراح البخار يتصاعد من القدر والأطفال الصغار ينتظرون أن ينضج البحص ليأكلوا ويشبعوا، وظلت تحرك القدر وتعدهم بأنه اقترب من النضج إلى أن غلبهم النوم وغلبتها دمعتها» أنقذت الأم الذكية أولادها لليلة إضافية ورددت بينها وبين نفسها من مرر اليوم لن يعجز عن الغد.

هذه القصة أصبحت مثلا لكل من يوهم الآخرين بأمر سيحدث ولكنه يتطلب مزيدا من الوقت، بينما هو في حقيقة الأمر كالبحص في القِدر لن يصبح طعاما ولن يغني عن جوع. أما قراءتي لتلك القصة فهي تقف أمام ذكاء الأم وحيلتها التي استطاعت من خلالها أن تهدأ أطفالها، وان يكن بوعد كاذب، فهذا هو الكذب الأبيض الذي قد ينقذ موقفا يبدو متأزما.

ما يحدث اليوم في كثير من البلاد وأقصد به التدهور الاقتصادي، وهذه أزمة دولية وليست محلية كما نعتقد، هذا الأمر يتطلب منا أن نشد الأحزمة ونبحث عن حل سريع للخروج من الأزمة، وبالطبع إدارة الأزمات الاقتصادية ترتبط بسياسة كل دولة، ومما لا شك فيه إن لهذه الأزمات انعكاس سلبي على القدرة الشرائية والاستهلاكية للأسر، اذن كيف تتعامل هذه الأسر مع مثل هذه الأزمات؟ الحل يرتبط ارتباطا وثيقا بإدارة المرأة لأزمة الأسرة وليس الرجل، ببساطة المرأة هي التي تعرف حاجات أولادها وبيتها وهي التي بإمكانها أن تعيد ترتيب أولياتها، فكما كانت الجدات يقلن «الرجل جنا والمرأة بنا» وهذا يعني أن المرأة التي تمكنت من طبخ البحص لن تعجز عن التعامل مع الواقع الجديد، هي التي تحافظ على مدخول زوجها فلا تهدر المال على القشور، في واقع كهذا سنجد الأسر التي فيها زوجة اقتصادية ستواجه الأزمة بعقلانية وإدارة حكيمة، أما تلك التي كانت تنفق الأموال بلا حساب ليومها الأسود ستشعر بضخامة الأزمة وكأنها عاصفة ستقتلعها وتقتلع استقرار أسرتها.

الأمر على صعوبته يمكن التكيف معه ويمكن علاجه، بداية بالاستغناء عن بعض الكماليات وإعادة ترتيب الأوليات من أجل التحكم بالإنفاق، إضافة إلى تغيير بسيط بعادات الأسرة من ناحية المأكل والملبس والفسحات والتقليل من الزيارات والهدايا، وشرح الوضع للأسرة بأكملها وإعلامهم بالواقع الجديد، وعلى الأب والأم أن يوضحوا لأبنائهم انهم يمرون بأزمة وأن تعاون الأسرة بأكملها سيحقق نوعا من التوازن، اليوم لا ينفع أن يكون الحل طبخة بحص لأن الوعي الجماعي بات مختلفا وطبخة التقشف تبدأ مع الوضوح والتعاون بين كل أفراد الأسرة.