oman-logo-new
oman-logo-new
كلمة عمان

السلطنة والصين.. شراكة استراتيجية

24 ديسمبر 2019
24 ديسمبر 2019

في مايو 2018 وفي الذكرى الأربعين للعلاقات الرسمية /‏ الدبلوماسية بين السلطنة والصين تم التوقيع على إقامة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، ليكلل ذلك مرحلة مهمة من توسيع العلاقة، التي في أصلها وجذورها ممتدة إلى قرون بعيدة في التاريخ منذ أن كان الاتصال البحري عبر التجار بين موانئ الصين والسلطنة، تلك العلاقة التي ترسخت في عصر النهضة الحديثة منذ عدة عقود، وكانت الصين من أكبر الشركاء التجاريين للسلطنة من خلال شراء النفط فهي أكبر مستورد لهذه السلعة الاستراتيجية ما يجعل التبادل التجاري بين البلدين هو الأعلى بالنسبة لقائمة التبادلات التجارية العمانية.

مناسبة هذا التقديم استضافة مسقط للمؤتمر الدولي «تاريخ العلاقات بين العالم الإسلامي والصين وعُمان نموذجا» الذي تنظمه هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية ومركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية، وكلية العلوم الصينية، حيث إن السلطنة تلعب دور النموذج في هذه العلاقة الممتدة عبر القرون، ما يكشف الطريق إلى الاستفادة والاستلهام للدول الأخرى في بلدان العالم الإسلامي، كما يفهم بشكل جلي من عنوان المؤتمر.

النقاشات التي حفل بها هذا الحدث متنوعة وتتحرك ما بين الفضاءات التاريخية إلى العصر الحديث، كما تضيء المعرفة بمشروع ومبادرة «الحزام والطريق» التي تعول عليها الصين لإعادة تركيب المشهد الاقتصادي والتجاري في العالم المعاصر، بالأخذ في الاعتبار لتجربة الماضي والتاريخ، وكيف يمكن لها أن تنير اللحظة الحديثة من التاريخ الإنساني، حيث إن الشعوب تستفيد دائما من تراثها المتراكم وتحاول أن تفهم تاريخها وجدلها مع هذا التراث ليكون لها أن تبني الحداثة والتعاون مع الآخرين عبر كافة الأنظمة والأشكال الاقتصادية والثقافية والمعرفية وغيرها.

إن معطيات العالم اليوم لاسيما بعد نهاية ما يعرف بالحرب الباردة أعادت تشكيل العديد من الظروف والأشكال التقليدية لرؤية السياسة وتطبيقات الحياة الإنسانية بشكل عام، ما يعني أن الدول والشعوب والأمم بات أمامها من الضروري والأساسي، النظر إلى العالم والوعي بأنساقه وفق المتغيرات الجديدة التي تفرض نفسها بقوة، وهذا يتضح في التحولات التجارية والمعرفية التي بات يشهدها العالم منذ مطلع الألفية الثالثة وإلى هذه اللحظة.

إن صياغة العلاقات الاقتصادية والتجارية والثقافية والمعرفية والتعاون الدولي بشكل عام أصبح يأخذ من جملة هذه التحولات الكبيرة في العالم المعاصر، لينقل الإنسانية إلى فجر جديد نحن جزء منه، ما يعني أهمية النظر إلى مثل هذه المؤتمرات وأن ما تطرحه من أفكار وقضايا يجب أن يلهمنا لإعادة التفكير في كثير من رؤانا المعاصرة كذلك كيف نفهم تاريخنا الذاتي ومع الآخر بشكل مختلف يفيد في استيعاب اللحظة، وبالتالي الانطلاق الأكثر ثقة إلى المستقبل.

ما يجب التأكيد عليه أخيرا إن مجمل المشهد يتعلق بالتفاعل الحضاري والإنساني، الذي هو سياق ثقافي ومعرفي قبل أن يتمثل أو ينعكس في شكل تجليات اقتصادية وتجارية، فالفكر يسبق الممارسة على أرض الواقع وهذا مبدأ فلسفي منذ بدء البشرية ينطبق على كافة العصور والأزمنة.