أفكار وآراء

الجزائر مرحلة مهمة للاستقرار

24 ديسمبر 2019
24 ديسمبر 2019

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

إن الذي حدث في الجزائر هو خطوه في الطريق الصحيح وهناك فرص كبيره لاندفاع هذا البلد العربي الشقيق نحو تحقيق الأهداف الوطنية وفي مقدمتها الإصلاح الاقتصادي والسياسي وإيجاد منظومة وطنية متناغمة تجعل من الجزائر خلال سنوات قليلة دولة نموذجية في الاستقرار والتنمية الشاملة والتحديث خاصة وان الإمكانات التي تساعد علي تحقيق تلك الغايات موجودة علي الصعيد البشري والمقومات الطبيعية والثروات المختلفة وحتى على الصعيد السياحي.

وعام 2019 على وشك الرحيل هناك عدد من الأحداث الإيجابية والتي شهدتها المنطقة العربية منها المرحلة الانتقالية في السودان والتي تسير بشكل إيجابي وهناك الانتخابات التونسية والتي جاءت برئيس من خارج المنظومة الحزبية التقليدية وأخيرا الانتخابات الجزائرية والتي تحمل الآمال والتطلعات للشعب الجزائري الشقيق خاصة وان الرئيس الجديد تبون أبدى استعدادا لإطلاق حوار مفتوح مع الحراك الشعبي وتحدث عن تقليص مدة الرئاسة الى فترتين فقط بل وأبعد من ذلك تحدث عن تقليص صلاحيات الرئيس وهذه خطوات جاءت خلال تنصيب الرئيس الجزائري الجديد.

الجزائر الشقيق بلد مهم في شمال افريقيا ولها نضال وكفاح طويل ضد المستعمر الفرنسي لأكثر من مائة عام حتى نالت الاستقلال بعد ان قدمت ملايين الشهداء، كما أن للجزائر أدوارا قومية لنصرة الحقوق العربية وخاصة القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية والتي تحاك لها المؤامرات والصفقات المشبوهة.

الجزائر بلد به إمكانات بشرية وطبيعية كبيرة ويمكن ان يتحول هذا البلد العربي الي بلد متطور ومتقدم لا يقل عن اي دولة اوروبية حيث الثروات الكبيرة التي تختزنها الأرض الجزائرية وسواحلها الطويلة ومن هنا فان برنامج الرئيس الجديد تبون يعد برنامجا طموحا ويتماشى مع تطلعات ملايين الجزائريين خاصة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي.

الدبلوماسية الجزائرية

لعبت الدبلوماسية الجزائرية أدوارا حاسمة خاصة خلال عقدي السبعينات والثمانينات ولعل التوسط في إيجاد حل سياسي لمشكلة السفارة الأمريكية في طهران والتي استولى عليها الثوار الغاضبون بعد اندلاع الثورة الاسلامية في إيران عام 1979 وتداعياتها والتي من أهمها الإطاحة بشاه إيران القوي محمد رضا بهلوي.

وهناك وزراء خارجية من الجزائر لا تزال الذاكرة السياسية تضعهم في المقدمة ومنهم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة والدكتور احمد الابراهيمي والمخضرم الأخضر الابراهيمي وغيرهم من الدبلوماسيين الجزائرين والذين لعبوا أدوارا مهمه جعلت الدبلوماسية تحلق بعيدا على الصعيدين الاقليمي والدولي.

كما دعمت الجزائر عددا من حركات التحرر خاصة في افريقيا ومن هنا فان التاريخ الجزائري المشرف يحتاج الى بلورة تلك المواقف والانطلاق نحو مرحلة جديده من التحديث والتنمية والمشاركة السياسية، وحل المشكلات الاجتماعية خاصة موضوع السكن والذي تعهد الرئيس الجديد بحله بشكل كامل خاصة وان الرئيس تبون له خبرة كبيرة في مجال الإسكان حيث كان وزيرا للإسكان لعدة سنوات وله إنجازات إيجابية في هذا القطاع الذي يهم شريحة كبيرة من الشعب الجزائري الشقيق.

ولعل دول المغرب العربي وشمال افريقيا بحاجة الى الجزائر المستقر كما هو الحال بالنسبة لمصر وليبيا وتونس والمغرب وموريتانيا ولعل الأمور الإيجابية التي حدثت في تونس والمغرب وحتى في السودان والجزائر تشجع على إمكانية إحياء الاتحاد المغاربي من خلال إيجاد تعاون اقتصادي وتنموي واستراتيجي لتلك الدول والتي تطل على البحار المفتوحة كالبحر الابيض المتوسط والمحيط الاطلسي وحتى البحر الأحمر بالنسبة لمصر والسودان خاصة وان هناك تحديات جيو- سياسية تواجه دول الاقليم.

الجزائر الجديد

من خلال البرنامج الانتخابي للرئيس الجزائري تبون ومن خلال كلمته الهامة عند تنصيبه في الاسبوع الماضي فان ثمة خطة طريق نحو التنمية الشاملة ونحو تحديث الدولة الجزائرية والقضاء على الفساد والتركيز على مبادئ الشفافية والنزاهة والحوكمة الإدارية، كما ان البرلمان الجزائري يعد من الأدوات التشريعية الهامة لصياغة مستقبل الجزائر في المرحلة القادمة خاصة وان هناك تحديات حقيقية تواجه الجزائر على صعيد الداخل وحتى على صعيد الإقليم.

على الصعيد الداخلي فان هناك إرثا كبيرا لا بد من معالجته وأهمها إبعاد المؤسسة العسكرية عن الحركة المدنية للدولة وان تكون هناك رقابة صارمة على المؤسسات وان يكون هناك إصلاح اقتصادي حقيقي يستفيد منه الشعب الجزائري في ظل وجود ثروات كبيرة من النفط والغاز والثروات المعنية والسمكية علاوة على ان الجزائر يمكنها أن تلعب دورا مهما على الصعيد السياحي، فالجزائر به مقومات طبيعيه فريدة علاوة على صحرائها الممتدة وسواحلها الطويلة ومن هنا فان الإصلاح الاقتصادي وهياكل الدولة سوف يجعل من الجزائر بلدا متقدما في كل المجالات كما أن كلمة الرئيس الجزائري تنسجم مع هذا الطرح الوطني من خلال إيجاد حلول للمشكلات التي يعاني منها الشعب الجزائري فهناك أعداد كبيرة من الباحثين عن عمل وهناك هجرات متواصله الى اوروبا خاصة فرنسا واسبانيا وايطاليا وهنا تفقد الجزائر كوادرها الوطنية ومن هنا فان الدولة الجزائرية تحتاج الى تضافر جهود أبنائها لخدمة الوطن والتحول التدريجي نحو دولة القانون والمؤسسات والتطوير الإداري بما يحقق الأهداف الوطنية والاستقرار الدائم لإحدى الدول المهمة في شمال افريقيا والمغرب العربي.

على الصعيد الاقليمي هناك تحديات خارجية تقترب من الحدود الجزائرية فهناك الحرب الأهلية في ليبيا وتداعياتها على دول الجوار وهناك تمدد الجماعات الإرهابية في مالي والنيجر ومن هنا فان هذا التحدي في الإقليم يحتاج الى معالجة سياسية وظهور الدور الدبلوماسي الجزائري المميز والذي اشرنا اليه، حيث ان منطقة المغرب العربي وشمال افريقيا تحتاج الى حل المشكلات خاصة في ليبيا والتي أصبحت ساحة صراع محلي واقليمي ودولي، واذا حدث انفلات امني وعسكري فان الجزائر سوف تتضرر من هذا الصراع ومن هنا كانت دعوة الرئيس الجزائري تبون الى ضرورة حل المسألة المالية من خلال التوافق السياسي بين الفرقاء الليبيين.

نحو تضامن مغاربي

على ضوء المؤشرات الإيجابية التي شهدتها الساحة الجزائرية وقبلها الساحة التونسية وعلى ضوء الاستقرار السياسي في المغرب والإصلاحات الكبيرة التي اقدم عليها الملك محمد السادس ملك المغرب وحتى الوضع المستقر في السودان كل تلك الخطوات تشجع دول المغرب العربي للقيام بمبادرة سياسية توافقية تجاه الأشقاء في ليبيا

فالأطراف الإقليمية والدولية والتي تتدخل سياسيا وامنيا وعسكريا في ليبيا لها مصالح محددة ولا تكترث بالشعب الليبي والذي يعاني ويلات الحرب الأهلية بين الفرقاء في شرق ليبيا وغربه. ومن هنا فان اقرب طرف لليبيا هو دول المغرب العربي الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا، حيث إن إقليم المغرب العربي يحتاج الى السلام والاستقرار بعيدا عن النزاعات والحروب والتركيز على المنظومة الاقتصادية ومستقبل الأجيال الجديدة. منطقة المغرب العربي تشكل وحدة جغرافية متقاربة وتاريخ مشترك وعدد من المشتركات والسمات ومن هنا فان الانطلاقة الجزائرية على وجه التحديد يمكن ان تعطي خطوة مهمة لدول المغرب العربي وعودة الاتحاد المغاربي والتي كانت شعوب المنطقة تتطلع اليه بكثير من الآمال لبناء منظومة اقتصادية متكاملة، ويبدو لي انه بشيء من الإرادة السياسية وحل بعض الإشكالات بين تلك الدول فان هناك فرصة حقيقية لتحقيق تلك التطلعات لشعوب دول المغرب العربي وبدون ذلك سوف تبقى المنطقة فريسة للطامعين في ثروات تلك الدول وما يحصل في ليبيا هو نموذج واضح، حيث التواجد الدولي والإقليمي والذي لم يسبق له مثيل والسبب هو الطمع في ثروات الشعب الليبي الشقيق. وفي المحصلة النهائية فان الذي حدث في الجزائر هو خطوة في الطريق الصحيح وهناك فرص كبيرة لاندفاع هذا البلد العربي الشقيق نحو تحقيق الأهداف الوطنية وفي مقدمتها الإصلاح الاقتصادي والسياسي وإيجاد منظومة وطنية متناغمة تجعل من الجزائر خلال سنوات قليلة دولة نموذجية في الاستقرار والتنمية الشاملة والتحديث خاصة وان الإمكانات التي تساعد على تحقيق تلك الغايات موجودة على الصعيد البشري والمقومات الطبيعية والثروات المختلفة وحتى على الصعيد السياحي. والمهم أن تكون هناك لحمة وطنية تساعد الرئيس الجديد بطموحاته الكبيرة ومن خلال حكومة نشطة تحقيق التطلعات الكبيرة للشعب الجزائري حتى تصبح الجزائر دولة متقدمة ومتطورة ويعود لها دورها الدبلوماسي النشط على صعيد الإقليم والعالم وان يكون عودة الاتحاد المغاربي احد الأهداف نحو تعاون وتكامل اقتصادي وتنسيق سياسي يحمي المنطقة من النزاعات والمشكلات وظاهرة الإرهاب وتنطلق منطقة المغرب العربي إلى آفاق وارحب في مناخ السلام والأمن والتطور في كل المجالات.