المنوعات

ختام الندوة العلمية لملتقى التواصل الحضاري العماني والجزائري في نزوى بتقديم 18 ورقة بحثية

24 ديسمبر 2019
24 ديسمبر 2019

نشرات صحفية ورحلات اجتماعية وقصائد شعرية ومراسلات متبادلة بين الجانبين -

مكتب «عمان» بنزوى: محمد الحضرمي:-

اختتمت أمس الندوة العلمية لملتقى التواصل الحضاري العماني والجزائري، نظمتها اللجنة الثقافية والعلمية بنادي نزوى، بالتعاون مع جمعة التراث بالجمهورية الجزائرية، وأقيمت في مسرح بكلية العلوم التطبيقية بنزوى، على مدار يومين، قدم خلالها 18 ورقة بحثية، وفي اليوم الختامي للندوة تم تقديم تسع ورقات خلال جلستين متواصلتين.

شارك في الندوة الثالثة أربعة باحثين، حيث قدم سعيد بن عبدالله الصقري ورقة حول «التواصل الصحفي والحضاري بين عمان والجزائر، جريدة النور نموذجا (1931-1933م)»، تحدث فيه عن شخصية أبي اليقظان إبراهيم بن الحاج عيسى (1888-1973م)، رائد من رواد الحركة الإصلاحية في الجزائر، الذي اشتغل بالصحافة منذ فترة مبكرة من عمره، واشتغل بالعمل الصحفي، وأسس أول مطبعة في الجزائر، ومن بين الجرائد التي أصدرها وحررها جريدة «النور» 1931- 1933م.

قام الباحث بتحليل ودراسة الأعداد الأولى من الجريدة والبالغ عددها 49 عددا، من أجل التعرف على المبادئ والأهداف التي عمل أبو اليقظان من أجلها في المجال الصحفي، ومدى إسهام الصحافة الجزائرية في توعية الرأي العام، في الأحداث التي تمر بها عمان، خلال في الفترة 1931-1933م، وطبيعة المقالات حول العالم العربي والإسلامي، التي تم نشرها وأسهمت في توعية الشعوب بالقضايا والتحديات.

تدوين الرحلات الحجازية

وقدم د. يحيى بن بهون ورقة حول «التواصل الثقافي والحضاري بين ميزاب وعمان خلال القرن 12هـ/‏‏18م»، مخصصا بحثه في الرسائل التي وجهها إبراهيم بن بِحمان الثميني إلى سليمان بن ناصر الإسماعيلي، مؤكدا في بحثه أن بعضا من العلماء الإباضية بالمغرب الإسلامي أولو أهمية بالغة بتدوين رحلاتهم الحجازية، فصنفوا لها وسجلوا دقائقها، ومنهم من بذل جهدا لا يستهان به، فنظم رحلته شعرا، حتى تنال مكانها في عقول وقلوب السامعين، وحاول تسجيل تفاصيل الأحداث بكثير من التحري والصدق في عرض الوقائع، وتفقد أوضاع البلاد الإسلامية، تعبيرا عن تواصل المسلمين مع بعضهم البعض، حتى وإن تباعدت الأمصار وطالت المسافات بينهم، إلا أن معظمهم استطاع التواصل مع كل من تعرف عليهم في رحلته، فحدثت بينهم المراسلات الأدبية المتنوعة وتبادل الكتب. وقال في ملخص بحثه: إن التاريخ سجل بعض العلاقات التي أثمرت وصنعت أجواء مفعمة بالنشاط، ووطدت العلاقات بين العلماء والوجهاء، فلم يكتفوا بالتواصل بينهم فقط، بل نقلوا ذلك إلى طلابهم ومحبيهم، وفتحوا مجالات جديدة من صيد العلوم، بإنشائهم روابط متواصلة كالبعثات العلمية، وإهداء الكتب والمراسلات الأدبية والعلمية، ومن هؤلاء الشيخ إبراهيم بن بِحمان الثميني اليسجني (ت: 1232هـ/‏‏1817م)، الذي ربطته بالشيخ سليمان بن ناصر الإسماعيلي النزوي العُماني، مراسلات أدبية قيمة، باسمه تارة ونيابة عن جماعة العزابة تارة أخرى، وتحمل تلك المراسلات بين القطبين من الفوائد الأدبية والأخبار التاريخية الشيء الكثير.

وفي ورقته حاول الباحث تجلية بعض مكامن التواصل العلمي والحضاري بين ميزاب وعمان، من خلال هذه المراسلات التاريخية القيمة، باحثا في الخصائص الفنية والأدبية في هذه الرسائل المتبادلة.

رحلات اجتماعية ولقاءات علمية

وقدم الباحث الدكتور ناصر بن علي الندابي ورقة بعنوان «الرحلات الاجتماعية بين عمان والجزائر في العصور الإسلامية وأثرها على القطرين»، مؤكدا على استمرارية هذا التواصل طيلة فترة العصور الإسلامية.

أضاء الباحث في دراسته تلك الرحلات التي قام بها العُمانيون، أو كانوا سببا في إنفاذها إلى بلاد المغرب بصورة عامة، والجزائر على وجه الخصوص، سواء أكان المنطلق عُمان أم البصرة، أم أي منطقة أخرى من بقاع العالم الإسلامي، التي كان يعيش فيها العلماء العُمانيون، وما نتج عنها من لقاءات علمية بين أقطاب علماء القطرين، وإلقاء الضوء على الرحلات التي قام بها المغاربة على وجه العموم، والجزائريون على وجه الخصوص، نحو علماء عمان سواء في عمان أو خارجها.

وأظهر الباحث من دراسته في هذا الجانب العديد من الرحلات الاجتماعية، التي قام بها العمانيون نحو بلاد الجزائر والعكس، ويصفها بأنها كانت في الكثير من الأحيان صمام أمان لأمن واستقرار المنطقتين.

البحث في إشكالية أساليب التواصل

كما قدم الدكتور حاج عيسى ورقة بعنوان «المرجعية العمانية والجماعات الإباضية المغربية خلال العصر الوسيط» حاول في دراسته إماطة اللثام عن العلاقة بين عمان وبلاد المغرب، في العصر الوسيط، مشيرا إلى أن الأبحاث في هذا المجال قليلة، والمعلومات حولها شحيحة، وجل الأعمال تركز على الحواضر المشهورة مشرقا ومغربا، ثم ظهرت دراسات ركزت جهودها على التواصل العماني المغربي في العصر الحديث والمعاصر.

وتناولت دراسته العلاقات العمانية المغربية خلال العصر الوسيط، على ضوء منهجية شبكية، متجاوزة المجالات الجغرافية المحلية، مؤكدة على مركز بداية الفكرة، وطرق انتقالها، بالأشخاص والكتب والرسائل، ومراكز التلاقي كمواسم الحج.

وسعى الباحث في دراسته إلى البحث في إشكالية أساليب التواصل، وانتقال الأفكار بين مجالات جغرافية متباعدة، ودلالة ذلك ثقافيا ومذهبيا واجتماعيا، وإشكالية المرجع المشرقي، وحاجة المغربي إليه في عديد النوازل، والتنقيب في مسار العلاقة على ضوء جدلية التأثير والتأثر أو التواصل والتكامل.

الجزائر في وجدان شعراء عمان

وفي الجلسة الرابعة والأخيرة من الندوة العلمية لملتقى التواصل الحضاري العماني، تحدث محمد بن أحمد جهلان عن «الثورة الجزائرية في وجدان شعراء عمان»، مؤكدا بالقول في ملخص بحثه: إن لثورة الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي صدى واسعا في البلاد العربية، وتقبلها أحرارُ العالم بالإعجاب والتقدير والإجلال، وبقدر ما كانت أنهار الدماء وقوافل الشهداء وصمةَ عار في جبين الاستعمار وأذنابه، فإن تلك الضحايا والرزايا كانت للنصر المبين مطايا، وللأحرار في كلِّ العالم مفخرة ومثالا ومنارة.

وفي ورقته حاول تسجيل تفاعل الشعراء العُمانيين مع الثورة الجزائرية، واستبشارهم بنصر الجزائريين واستقلالهم، كما تسجل تفاعلهم مع قضية المرأة الجزائرية المجاهدة «جميلة بوحيرد»، التي تحدت بجسمها النحيل آلة التعذيب، وقاومت بفكرها الأصيل غطرسة الجلاد، وصبرت على ذلك، إلى أن اكتحلت عيناها بمنظر الحرية البديع، وانتصار شعبها الرفيع، فغدت سفيرة الأحرار في العالم؛ ترفع لها الرايات، وتعقد لتكريمها الندوات والحفلات.

كما رصدت الورقة حضور الثورة الجزائرية باعتبارها ثيمة بارزة لدى كل شاعر عماني زار الجزائر، منذ عقد الاستقلال إلى اليوم، فتمكنت الدراسة من مقاربة عدد غير قليل من النصوص التي جسَّدت عشق العماني الدائم للحرية، من خلال إبراز إعجابه بتضحيات الشعب الجزائري وكفاحه من أجل بناء دولة حرَّة مستقلة قوية، وما ذلك بغريب عن طبيعة العُماني التي جبلت على حب السلام واحترام حقِ الشعوب والأوطان في العيش الكريم في ظل العدل والمحبة والوئام.

جهود مشتركة في خدمة القرآن

وألقى السيد الدكتور أحمد بن سعيد البوسعيدي ورقة بعنوان «العلاقات العمانية الجزائرية المتبادلة في مجال خدمة القرآن الكريم»، تناول في ورقته تجذر العلاقات الدينية بين عمان والجزائر، وكشف عن جوانب من هذه العلاقة في مجال خدمة القرآن الكريم، وآثار وثمرة هذه الجهود المشتركة في خدمة القرآن الكريم.

وقدم الدكتور بالحاج ناصر ورقة بعنوان «القطب وعمان بعيون الإدارة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر»، مستفيدا من الأرشيف الاستعماري، باعتباره من أهم مصادر تاريخ الجزائر المعاصرة، ومن خلال التقارير الإدارية والعسكرية التي نقلت بالتفصيل، كشف الباحث فحوى الاتصالات التي كانت بينها وبين القطب اطفيش، حول مسائل عديدة، منها علاقاته بعمان وزنجبار. يقول الباحث في ملخص بحثه: هذا النوع من المصادر مفيد جدا لفهم الحالة الاستعمارية في الجزائر، ولفهم طبيعة علاقة العلماء بسلطة فرضت على الجميع ضرورة التعامل معها، كأمر واقع لا مفر منه.

قيمة علمية وفكرية في رسائل الخليلي

وقدم خليل بن محمد الحوقاني ورقة حول «بنية الخطاب الفني في المراسلات العمانية الجزائرية، من خلال رسائل سماحة الشيخ أحمد الخليلي»، وهي رسائل تؤكد على العلاقة العلمية والفكرية والأدبية التي تجمع بين عمان والجزائر.

يقول الباحث: لقد سار الشيخ أحمد في رسائله هذه، وفق ما أصَّله النقد الأدبي في مفهوم الرسائل الأدبية؛ فاتسع مجالها، لتشمل جميع أشكال الرسائل المعروفة، رسمية، وإخوانية، وعلمية، واجتماعية، وشخصية، ودينية، ولغة تلك الرسائل صادرة عن عاطفة، ومثيرة لعواطف المتلقين، وتؤكد علاقة التواصل بين طرفيها. وفي المقابل لهذه الرسائل قيمة اعتبارية في مجالات علمية، وفكرية، وسياسية، وتاريخية، وينضوي تحتها أنواع من الرسائل، تختلف في أسلوبها وموضوعاتها، وتتنوع في أغراضها وأهدافها، وتتفاوت في جمالها وتأثيرها، هذا فضلا عن عناصرها التي تتلخص في المقدمة، والعرض، والخاتمة، وتكون مذيلة غالبا بالتاريخ والمكان.

واختتمت الجلسة بورقة قدمها مصطفى دريسو تتناول المحاورات الفكرية بين علماء الجزائر وعمان، مشيرا إلى قصائد للشيخ محمد بن يوسف اطفيش (ت: 1332هـ/‏‏ 1914م) في ذكر خصال الذين تفاعلوا معه، وسعوا في نشر تراثه الفكري، الزاخر في العالم الإسلامي، إبان حياته، وعلى رأس هؤلاء الأعلام، سلاطين زنجبار من الأصول العمانية، حيث أثمر هذا التعاون على كتابة مراسلات متنوعة، وسجلت أشعارا في المدح والتواصل بين الميزابيين الجزائريين مع العمانيين في زنجبار.

18 ورقة ستصدر في كتاب

من جانب آخر قال عبدالله بن محمد العبري رئيس اللجنة الثقافية والعلمية بنادي نزوى: إن اللجنة ستقوم بجمع وتحرير وإصدار الورقات التي قدمت خلال الندوة العلمية، وتبلغ 18 ورقة عمل، لتصدر في كتاب مستقل، وسيكون إضافة جديدة للمكتبة العمانية، على شاكلة الإصدار الخاص بالندوة الأولى والمقامة في الجزائر عام 2017م، وفق الورقات والمداخلات التي شهدتها أيام الندوة.

وقال أيضا: حظي الملتقى بتفاعل رائع من قبل المشاركين والحضور، فقد قدمت الأوراق صور مختلفة من التواصل الحضاري بين عمان والجزائر، في التاريخ والأدب والفقه والرحلات وتبادل الزيارات والرسائل والكتب، وفي مختلف فنون العلم والمعرفة، وكشفت عن رغبة الجيل المعاصر على إبقاء مسيرة التواصل، وسنواصل فكرة التواصل مع البلدان الأخرى، مثل المغرب، ومصر، وتونس وقطر، وغيرها، وفي كل لقاء سيكون له ملمحه الخاص. وقال أيضا: خلال إقامة الندوة قمنا بتكريم جميع المشاركين من الجانبين العماني والجزائري.