الملف السياسي

العام الجديد بين التفاؤل والحذر

23 ديسمبر 2019
23 ديسمبر 2019

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

أيام قليلة ويطوي عام 2019 أيامه لنستقبل العام الجديد 2020 بمزيج من التفاؤل والحذر على صعيد الأزمات الإقليمية والمشكلات التي تلف المنطقة والعالم حيث شهد العام الحالي تواصل الحروب في اليمن وسوريا وليبيا واحتجاجات شعبية في العراق ولبنان والجزائر، كما شهد ثورة شعبية أطاحت بنظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير كما تواصلت الازمة الخليجية مع بوادر انفراج بين قطر والسعودية كما شهدت القضية الفلسطينية تطورا مهما من خلال قرار محكمة الجنايات الدولية فتح تحقيق في جرائم محتملة ارتكبت في الاراضي الفلسطينية المحتلة خاصة في غزة والقدس والضفة الغربية.

كما شهد العام الحالي حروب تجارية أبرزها بين الولايات المتحدة والصين وأيضا الاتهام الموجه للرئيس ترامب من قبل مجلس النواب الامريكي واحالته الى المحاكمة البرلمانية في مجلس الشيوخ علاوة على احداث عنف في هونج كونج والهند وعرض قضية الروهينجا على محكمة العدل الدولية وغيرها من المشكلات التي شهدها عام 2019 الذي يستعد للرحيل بعد أيام قليلة.

هل يتبدل الحال؟

مع ترقب العالم للعام الجديد 2020 فإن ثمة تفاؤل مشوب بالحذر لإيجاد حلول لبعض تلك الأزمات الإقليمية وفي المنطقة العربية بالتحديد ومن خلال القراءات الأولى لتلك الأزمات، فإن هناك عددا من الأزمات مرشحة للحل كليا أو جزئيا كما أن الحرب التجارية بين بكين وواشنطن قد تنتهي من خلال الترقب لتوقيع الاتفاقية التجارية في مرحلتها الأولى وهو الامر الذي سوف ينعكس ايجابا على الاقتصاد العالمي.

على الصعيد العربي فان الحروب الثلاثة في اليمن وسوريا قد يشهد بعضها انفراجا وهذا يعود الى وصولها الى مرحلة اللاحسم كما في الموضوع اليمني وبالتالي فرضت الظروف الاستراتيجية والإنسانية والتكلفة المالية على احد الأطراف ان يوافق على الحوار وانهاء الحرب ولعل الحرب في اليمن هي الاكثر ترجيحا للانتهاء على الاقل بشكل جزئي وهي الان تشهد مراحلها الأخيرة وتراجع الأداء العسكري كثيرا في الشهور الأخيرة.

فيما يخص الحرب السورية فان العام الجديد قد يشجع نتائج إيجابية فيما يخص اعتماد الدستور السوري من خلال اجتماعات اللجنة المشتركة لصياغة الدستور وهي اللجنة المشكلة من جانب الحكومة السورية كطرف والمعارضة السورية من طرف آخر ومن خلال إشراف مبعوث الأمم المتحدة لسوريا.

وحتى الحرب الأهلية في ليبيا ورغم التعقيد الذي يكتنف هذه الحرب والأطراف الداخلية والخارجية التي تتصارع في ليبيا فان الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية قد يتوافقا على الحل السياسي من خلال التوافق الليبي-الليبي وهي مسألة تخدم الاهداف الاستراتيجية الكلية خاصة فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب في دول الساحل وجنوب الصحراء في افريقيا ومنع الجماعات المسلحة من استغلال الحدود الليبية مع مصر وتونس ومالي والنيجر للقيام بعمليات ارهابية

اذن هناك علامات مشجعة لحل تلك الأزمات الإقليمية خلال العام الجديد وهذا ايضا سوف يعتمد على عوامل خارجية منها نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية في شهر نوفمبر من العام القادم وأيضا الموقف الروسي في ظل المتغيرات الجديدة وخاصة علاقاتها مع واشنطن.

الأزمة الخليجية

شهدت القمة الخليجية الأخيرة في الرياض أجواء تفاؤلية بسبب مشاركة دول مجلس التعاون الخليجي بفرقها الرياضية في دورة كأس الخليج في قطر كما ان هناك مفاوضات قطرية-سعودية تم الحديث عنها ووصلت الى مرحلة مشجعة، ويبدو ان العام قد يشهد انفراجة كبيرة في الأزمة الخليجية على الاقل بين قطر والسعودية وهذا سوف يمهد لمصالحة جماعية ولا شك ان مجلس التعاون قد تأثر سلبا بتلك الأزمة التي اندلعت عام 2017 لأسباب غير معروفة وتعرض المجلس لهزة كبيرة كادت ان تعصف به خلال السنوات الأخيرة وتعطلت العديد من المشاريع التعاونية.

ومن هنا فان حل الازمة الخليجية خلال العام الجديد سوف يكون بمثابة عودة الروح لعمل مجلس التعاون وأيضا عودة اللحمة الخليجية سياسيا وشعبيا، وهذه الأخيرة كانت من أبرز المتضررين من تلك الأزمة.

كما ان منطقة الخليج شهدت توترا كبيرا من خلال حرية الملاحة وتعرض الناقلات للاعتداء وتصاعد التوتر بين ايران والولايات المتحدة علاوة على الخطاب الاعلامي السلبي بين ايران وعدد من دول المنطقة ومن هنا فان حل الازمة الخليجية سوف ينعكس ايجابا على السلام والامن والاستقرار في المنطقة وفي هذا مصلحة للجميع.

والجميع يتطلع الى العام الجديد 2020 بالكثير من التفاؤل لحل الأزمة الخليجية حيث ان حدوث ذلك سوف يقود الى حل الازمة اليمنية وهذا الأمر ينطبق على الأزمتين الليبية والسورية وهناك طرح آخر بأن تتواصل تلك الازمات في ظل التعقيد الذي يسببه التدخل الخارجي ومصالحه المتداخلة مع بقاء تلك الأزمات دون حل وهذا الامر سوف يفاقم الامور الاقتصادية لشعوب المنطقة في ظل تذبذب أسعار النفط والكلفة المالية التي تتكبدها عدد من دول المنطقة.

العالم والسلام

يتطلع العالم شرقه وغربه الى السلام والاستقرار خلال العام الجديد والذي تشهد نهايته احتفالات كبيرة ومن هنا فإن شعوب العالم تتطلع الى الاستقرار بعيدا من الحروب خلال السنوات الماضية، ولعل تجربة دول جنوب شرق آسيا تعد ايجابية بعد حروب عقد الخمسينات والستينات من القرن الماضي ليشهد النصف قرن الماضي حركة تنموية كبيرة ونقلة اقتصادية نوعية جعلت من دول تلك المنطقة نمور اقتصادية كبيرة وبعضها الآخر يشهد نموا متسارعا والسبب يعود الى فلسفة السلام والتنمية التي انتهجتها في اطار علاقتها الدولية.

ولعل الدول العربية مطالبة بإيجاد حلول لمشاكلها السياسية في المقام الاول حيث تسود الخلافات والنزاعات بين عدد من دولها وفي ظل الجامعة العربية والذي تضاءل دورها الى حد كبير وفي ظل ازمة خليجية كان لها تأثير سلبي علاوة على استمرار الحروب والنزاعات والاحتجاجات في عدد من الدول العربية.

والعالم يستعد لاستقبال العام الجديد لابد من وقفة عربية ومراجعة سياسية شاملة للأوضاع العربية في عالم يتسم بالتنافسية والتقدم الاقتصادي والاجتماعي حيث يهدر العرب الكثير من الطاقات البشرية والإمكانات المالية دون فائدة تذكر وهناك دول تعاني الفقر والمرض من جراء الحروب وهنا نذكر الصومال كنموذج صارخ وكذلك اليمن وحتى السودان وموريتانيا.

ان المراجعة السياسية أمر مهم لتصحيح الأوضاع وانهاء الحروب والتي سببت الآلام للشعوب ومن خلال فلسفة السلام والحوار يمكن الوصول الى حلول واقعية لإيجاد مناخ يتيح للدول العربية التقدم والتنمية المستدامة.

على الجانب الآخر من العالم وفي الغرب تحديدا هناك مشكلات نشر الكراهية والتعصب بسبب صعود اليمين المتطرف في اوروبا والولايات المتحدة ومن هنا فان حوار الحضارات بين المفكرين في العالم شرقه وغربه يعد على قدر كبير من الأهمية حتى تنتهي تلك الأفكار المتطرفة في الغرب والشرق.

ومع اقتراب العام الجديد فان الجميع يتطلع إلى مرحلة زمنية يسود فيها السلام والاستقرار ومعالجة القضايا الشائكة في افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وأيضا الصرف بسخاء على الأبحاث الطبية وإيجاد الحلول لمعالجة الأمراض التي تفتك بالبشر.

القضية الفلسطينية

وتبقي القضية الفلسطينية حاضرة في كل مرحلة زمنية وفي تصوري انها تتعرض لمؤامرة كبرى ليس فقط من خلال صفقة القرن غير المعلنة ولكن من خلال سياسة الاستيطان الإسرائيلية ومن خلال الدعم الأمريكي لشرعنة الاحتلال ومن خلال ضعف عربي لا مثيل له خلال السنوات الأخيرة، ومن هنا فان الرهان يبقي على الشعب الفلسطيني الصامد والمتمسك بأرضه وسوف يستمر الصراع مع إسرائيل لسنوات حتى تقبل إسرائيل بخطة السلام العربية وتطبيق قرارات الشرعية الدولية وسوف تظل القضية الفلسطينية هي محور الصراع في منطقة الشرق الأوسط ولا يمكن لإسرائيل ان تنعم بالسلام وهي تحتل الأراضي الفلسطينية والعربية في الجولان المحتل وفي بعض المناطق في جنوب لبنان.

وكما تم الاستشهاد بالأزمات الإقليمية وإمكانيه حل عدد منها فان الواقع السياسي الإقليمي والدولي وفي ظل إدارة ترامب فان القضية الفلسطينية سوف تظل القضية المركزية للعرب والتي لابد من مساندتها رسميا وشعبيا حتى تحقيق الحلم الفلسطيني وهي إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين في الشتات الى ديارهم.