الملف السياسي

2019 عام الأزمات العربية ..هل يحدث الاختراق في 2020

23 ديسمبر 2019
23 ديسمبر 2019

العزب الطيب الطاهر -

إن النموذج السوداني يمتلك قابلية للتكرار برمزيته وروح المبادئ التي نهض عليها، والمتمثلة في تجنب الإقصاء والتهميش، لأي من القوى السياسية والحزبية، ومشاركة الجميع في عملية إعادة صياغة مستقبل الوطن أو بالأحرى الدولة الوطنية، وبالذات في لبنان والعراق، واللتين تبدوان الأكثر حاجة إلى هذا النموذج، بحسبانه يجمع ولا يفرق، وينطوى على احترام الآخر وعدم التهوين من قدر أي طرف.

ثمة أمل بأن تشهد الأزمات العربية، التى ارتفع منسوبها في عام 2019، مقاربات مغايرة خلال عام 2020، باتجاه احتوائها أو على الأقل، التقليل من آثارها وتداعياتها، التي تفاقمت واتسع مداها، وذلك في ضوء وقوع بعض الاختراقات المحدودة، للمشهد العربي المتأزم خلال العام الحالي، قبل أن يلملم أوراقه ويرحل، بيد أن ذلك يستوجب تغييرا في نوعية وطبيعة وحيوية الأداء العربي مع هذه الأزمات، يقوم على الحد الأدنى من التوافق الوطني، بين مختلف مكونات دول الأزمات وامتلاك إرادة سياسية قوية، بمنأى عن التدخلات الخارجية والإقليمية، التي أضحت مصدرا لخلخلة الأوضاع الداخلية، عوضا عن أن تشكل عنصرا مساهما في إمكانية التجاوز.

في عام 2019 تصاعدات الأزمات الملتهبة بطبيعتها منذ تفجرها في 2011 بكل من ليبيا وسوريا واليمن، وتداخلت فيها العوامل الداخلية مع الإقليمية والدولية، فبدلا من سعيها الى تفكيك عناصر الاشتعال والتفجير فيها، أخذت هذه العوامل تتفاعل على نحو سلبي، ما أسهم في استمرار حالة التأزم، عبر تجلياتها العسكرية والسياسية والاقتصادية بل والإنسانية، على الرغم من محاولة هنا أو هناك، من أجل الانخراط في عملية سياسية تؤسس لحوار وتمهد لحل، لكنها سرعان ما كانت تتعرض للتآكل أو الإخفاق. وذلك بفعل تمسك الأطراف الداخلية في الدول الثلاث، بما حصلت عليه من مكتسبات وامتيازات، خاصة على صعيد السلطة والثروة، وكلاهما سبب رئيسي في تفجر هذه الأزمات، وعلى الرغم من بعض المقاربات التي شهدها العام 2019 لمحاولة توقف تمدد هذه الأزمات، إلا أنها باتت تراوح مكانها، وعجزت المبادرات المطروحة إقليميا ودوليا، عن دفع فرقائها للدخول في حوار سياسي حقيقي، يعيد ترتيب الأوراق بعيدا عن منهجية المنتصر والمهزوم، ويضع التصورات لإعادة بناء الدول الثلاث، على أسس المواطنة والتعددية السياسية وإعادة توزيع الثروة، وفق الخيارات الديمقراطية وفي مقدمتها آلية الاقتراع والانتخابات، تحت إشراف دولي لإفراز نظام سياسي جديد يوظف لمصلحة الشعوب وليس لمصلحة النخب الحاكمة، وتحالفاتها الإقليمية والدولية، ومع ذلك ثمة توقعات أو على الأقل آمال وأمنيات على الطريقة العربية، بأن يشهد العام الجديد في ظل تحولات تشهدها أزمات الدول الثلاث، قدرا من «الديناميكية» التي من شأنها حلحلة الجمود الراهن، ويخفض على الأقل من منسوب الأبعاد العسكرية التي ما زالت مهيمنة على أوضاعها في صراع دام لم يفض- رغم طول فترته الزمنية - إلى حسم نهائي لهذا الطرف أو ذاك، نتيجة أن الامتدادات الإقليمية والدولية لكل طرف، ترى أن الأمور لم تنضح بعد، قبل أن تضمن مصالحها الاستراتيجية، وفي مقدمتها الحصول على جزء من «كعكة » ما يسمى بإعادة الإعمار، فضلا عن تكريس وجودها العسكري وتعظيم نفوذها السياسي، وإطالة أمد امتيازاتها الاقتصادية والاستثمارية طويلة الأمد.

ولم يقتصر المشهد العربي في عام 2019، على أزمات الدول الثلاث آنفة الذكر، وإنما اندلعت أزمات وأوضاع مرتبكة في دول أخرى، هي الجزائر والسودان خلال مع نهايات العام المنصرم 2018، وتواصلت على مدى عدة أشهر وما زالت مستمرة بدرجة ما في الجزائر، ثم لبنان والعراق مع بداية الربع الأخير من العام الأخير، شكلت على نحو أو آخر، امتدادا لما بات يوصف بالربيع العربي، الذي انطلق في عام 2011 بدءا من تونس ثم مصر ثم سوريا ثم ليبيا ثم اليمن، وقد نجح السودانيون بفعل تعاضد قواهم السياسية والحزبية في بلورة صيغة لإعادة تشكيل النظام السياسي طبقا لمحددات مرحلة انتقالية تمهد بعد ثلاث سنوات، لإطلاق عملية سياسية وانتخابية واسعة لتشكيل سلطة جديدة، تعيد بناء السودان وتحافظ على وحدته ترابا وشعبا، لاسيما في ضوء الجهود المبذولة لاحتواء الحروب الأهلية في أكثر من إقليم، بعد أن غدا خيار السلام ضمن أولويات المرحلة الانتقالية، واللافت في هذا الشأن أن الأطراف الإقليمية والدولية مارست دورا إيجابيا دافعا باتجاه التوافق وليس معطلا، مثلما هو حادث في أزمات ليبيا وسوريا واليمن.

وفي الجزائر، فإن النجاح في إجراء الانتخابات الرئاسية، على الرغم من رفض الحراك الشعبي لها، بحجة أنها أعادت إنتاج نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، الذي تمت إزاحته في إبريل الماضي، يؤشر إلى أن العام المقبل سيشهد قدرا من اختراق ما تبقى من تداعيات الأزمة، بالذات إن نجح الرئيس الجديد «عبد المجيد تبون »، الذي حصل على ما يزيد من 58 في المائة، من أصوات المقترعين الذين بلغت نسبة تصويتهم حوالي 41 في المائة، أي ما يزيد عن عشرة ملايين جزائري، في الوفاء بتعهداته الرامية الى الحوار مع الحراك الشعبي، وتعديل الدستور الحالي وإنجاز قانون جديد للانتخابات بما يسهم في احتواء الوضع الحالي والمضي قدما في إعادة صياغة الجزائر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وإن كانت المؤشرات لا تدل على قرب تحقق ذلك في المدى المنظور، بسبب ما يبدو من تمسك الحراك الشعبي بمطالبة المنادية بإسقاط الطبقة السياسية المنتمية لزمن بوتفليقة.

ويمكن القول أن النموذج السوداني يمتلك قابلية للتكرار برمزيته وروح المبادئ التي نهض عليها، والمتمثلة في تجنب الإقصاء والتهميش، لأي من القوى السياسية والحزبية، ومشاركة الجميع في عملية إعادة صياغة مستقبل الوطن أوبالأحرى الدولة الوطنية، وبالذات في لبنان والعراق، واللتين تبدوان الأكثر حاجة إلى هذا النموذج، بحسبانه يجمع ولا يفرق، وينطوى على احترام الآخر وعدم التهوين من قدر أي طرف، ووضع مصلحة الشعب فى مقدمة الأولويات، غير أن المشهد في البلدين - أي العراق ولبنان - يبدو أكثر تعقيدا، فعلى الرغم من الطابع السلمي للحراك الشعبي فيهما، وتجاوزه للأبعاد الطائفية والمذهبية والفئوية ، من جراء تجذر حالة التعدد القائمة وفق هذه الأبعاد، ووجود إرث تاريخي يؤطرها خاصة في لبنان منذ استقلاله في عام 1943، وموروث حديث نسبيا في العراق تتمسك به التكتلات السياسية، التي تأسس على محددات المحاصصة الطائفية، التي كرسها بول بريمر أول حاكم أمريكي بعد غزو البلاد في 2003، وكنتيجة لهذه الأبعاد وأقصد بها الطائفية والمذهبية في البلدين، فقد لجأت قوى وبعضها جماعات مسلحة مؤدلجة بتوجه مذهبي معين، إلى محاولة إنهاء التظاهرات الشعبية، عبر استخدام القوة المفرطة في العراق، من خلال القتل والاغتيال والاختطاف للناشطين، وبدرجة أقل في لبنان حيث حاولت قوى حزبية من لون معين مناهض للحراك التصدي بقوة للمحتجين، وإن كانت قوات الجيش والأمن، قد حالت دون تفاقم هذه التدخلات، غير أن ما يوفر قدرا من الأمل، في إمكانية احتواء هذه الأوضاع خلال العام الجديد، هو حالة التفاعل التي سادت القوى والتكتلات السياسية، والتي بدا أنها استجابت نسبيا لمطالب الحراك الشعبي، ما تجلى في استقالة رئيسي الحكومتين في البلدين، والبدء في التوافق على أسماء تحظى بقبول المتظاهرين لتولي المنصبين وفق الشروط التي حددوها، وفي صدارتها امتلاك مساحة استقلالية كبيرة بعيدا عن العباءة السياسية التي قادت البلدين، إلى حالة التدهور الاقتصادي والاجتماعي وسيطرة قوى بعينها على المشهد السياسي .