mahmood2
mahmood2
أعمدة

لقاءات «هوم لاند» الثقافية

22 ديسمبر 2019
22 ديسمبر 2019

محمود الرحبي -

«هوم لاند» مقهى صغير، في آخر مدينة «المعبيلة»، الذهاب إليه بمثابة سفر. ولكنه استطاع أن ينظم أنشطة ثقافية بأبسط الإمكانات، مستعينا بتسهيلات الميديا ومنصات التواصل الاجتماعي، التي تقرّب البعيد، والتي أصبحت بمثابة «وجبة» يومية غير محددة الأوقات..احتضن المقهى، مؤخرا، لقاء احتفائيا مهما، يتعلق ببلوغ مجلة «نزوى» الثقافية عددها المائة. وشهدت المنصة حضور كل من: سيف الرحبي، وطالب المعمري وسليمان المعمري وسعود الزدجالي. ولا بد من ذكر خلف العبري (الغائب الحاضر) صاحب «اليد الفنانة»، وأيضا «الجندي المجهول».

سبق لمقهى «هوم لاند» أن أقام أكثر من لقاء، مثل الأمسية التأبينية بمناسبة مرور عام على وفاة محمد الحارثي، والتي امتازت بكثافة الحضور. وقدمت في الأمسية أوراق متعددة تتناول تجربة الراحل بين الشعر والنثر. وإضافة إلى هذا اللقاء، هناك لقاء فاق الحضور فيه عدد كراسي المقهى، وأعني ذلك الذي أحياه أصدقاء ومحبو بشرى خلفان للحديث عنها وعن تجربتها في الكتابة. فقد جاء بعض المشاركين في هذا اللقاء من خارج عمان، مثل الكاتبة الكويتية إستبرق أحمد، وسارة العتيقي، وهي باحثة كويتية في البيئة وكاتبة قصة. كما أرسلت الباحثة والأكاديمية سعاد العنزي من جامعة الكويت ورقة قُرئت بالنيابة عنها. إلى جانب أمسية قصصية أحياها بدر الشيدي وسلطان العزري ومحمود الرحبي.

المقاهي، إضافة إلى كونها أمكنة للترفيه والثرثرة واختلاء الأصدقاء، يمكنها، أيضا، أن تكون فضاء للقاء أدبي وفني وثقافي. ونتذكر هنا «مقهى ريش» في القاهرة -على سبيل المثال- الذي جلس وكتب فيه نجيب محفوظ، ومنه انطلقت فكرة رواية «الكرنك» بعد التقائه في هذا المقهى بسعيد الكفراوي، الخارج حينئذ من السجن. وهناك مقهى «الزهاوي» في العراق، ومقهى «عمون» في العاصمة الأردنية، ومقهى «باليما» في الرباط، ومقهى «الجاحظية» في الجزائر العاصمة، وغيرها الكثير في مختلف مدن بلدان الوطن العربي.

وبالعودة إلى مقهى « هوم لاند» واللقاء الذي خصص لمرور مائة عام على مجلة «نزوى»، فقد تميز بالنقد والمراجعة والاستذكار، إذ توفرت في الأمسية سانحة لطيفة لطرح بعض الأسئلة والإجابة عنها من قبَل المعنيين بإدارة تحرير المجلة.

بقي الحديث عن الشخصية الغائبة، التي أطلقت عليها في بداية هذا المقال «الجندي المجهول»، وأعني هنا «مصطفى»، وهو أحد الذين عاصروا مجلة «نزوى» منذ عددها الأول.

كان مصطفى رفيقا لرئيس التحرير في حله وترحاله. كما أنه حامل صامت لأسرار كثيرة عن كواليس نشأة المجلة، وعن الرحلة الشاقة التي بوّأتها الآن المكانة التي تستحق بين المجلات الثقافية العربية الجادة. وقد تمكن «مصطفى»، بمرور الأيام وتوالي الشهور والأعوام، وبحكم نباهته ومعرفته أسماء الكتاب العرب المشاركين في المجلة، من الإمساك بزمام مجموعة من الأمور المتعلقة بالتواصل. وكثيرا ما سأل عن عناوين بعض الكتاب و«موادهم»، وكأنه يقرأ لهم، رغم أنه لا يتقن العربية إلا في حدودها التواصلية الأدنى. ولكن هذا الجندي المجهول يجيد جانبا مهما من مقتضيات هذه اللغة، إجادة فرضتها عليه ضرورة العمل والبحث عن لقمة العيش في بلد بعيد عن موطنه، لم يشعر فيه بالغربة نظرا إلى وجود شريحة عريضة من مواطنيه، و-الأهم- نظرا إلى ألفة العمانيين ولطفهم المعهودَين.