أفكار وآراء

هل يبقى ترامب في البيت الأبيض حتى 2025 ؟

21 ديسمبر 2019
21 ديسمبر 2019

د. عبد العاطي محمد -

من المعتاد أن تبدأ الحملات الانتخابية للرئاسة الأمريكية والنصفية للكونجرس مبكرا، قبل نهاية الفترة الرئاسية القائمة بنحو عام تقريبا، ومن المعتاد أن يبدو المشهد الانتخابي ساخنا سياسيا كان أم إعلاميا، فقد اعتاد الأمريكيون على التغيير، وعلى إعادة بناء أمريكا كل أربع سنوات! ولكن هناك من المؤشرات التي تجعل انتخابات 3 نوفمبر 2020 نقطة تحول فارقة في الوضع السياسي الداخلي في الولايات المتحدة.

لأول مرة لم ينقطع الحديث عن انتخابات العام 2016، وكأنها لا تزال جارية، أو لم يحسم مصيرها بعد، مع أنها تمت بالفعل وجاءت بدونالد ترامب إلى البيت الأبيض!. العالم لا يزال يتابع اهتمام السياسيين ورجال الإعلام الأمريكيين بتداعيات تلك الانتخابات حيث لم يتم إغلاق ملف الاتهام بحدوث تدخل روسي في هذه الانتخابات لصالح ترامب، ولم يهنأ الرجل بالقدر المطلوب من الهدوء والاستقرار لإدارته طوال السنوات الأربع، ولم يتوقف خصومه من الحزب الديمقراطي عن توفير العدة والعتاد منذ ذلك الوقت للإيقاع به وإزاحته عن البيت الأبيض. وعلى ذلك فإن الانطباع السائد هو أن الانتخابات لم تنته العام 2016 بل مستمرة!.

ما كادت الأمور تهدأ قليلا فيما يتعلق بملف الاتهام بحدوث تدخل روسي، حتى اندلعت مشكلة أخرى مشابهة، هي توجيه الاتهام لترامب بأنه سعى إلى الضغط على الرئيس الأوكراني فلاديمير زلنسكي بأن يفتح تحقيقا ضد عائلة جو بايدن نائب الرئيس السابق باراك أوباما والمرشح الأكثر حظا للحزب الديمقراطي لخوض انتخابات 2020 ضد ترامب، بما يعني أنه سعى إلى طرف خارجي لتشويه سمعة منافسه، وهو أمر يصل إلى حد الخيانة العظمى في تقاليد الديمقراطية الأمريكية.

وكان هانتر ابن بايدن قد عمل مع مجموعة أوكرانية لإنتاج الغاز وتورط في قضايا فساد وفقا للاتهام الذي وجهه ترامب لخصومه. وتلقفت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب وزعيمة الأغلبية الديمقراطية فيه القضية لتجعل منها الورقة الأخيرة للإطاحة السياسية بترامب (العزل من الرئاسة الأمريكية)، وبدأت بالفعل داخل مجلس النواب الخطوات الأولى لتحقيق هذا الغرض.

والمعنى مما سبق أن ترامب من وجهة نظر خصومه الديمقراطيين قد جاء أولا إلى السلطة من خلال خداع الناخب الأمريكي، أو بكلمات أكثر حدة جاء بشكل غير مشروع ومن ثم لابد من إزاحته من منصبه، وثانيا أنه قائد لا يؤتمن على قيادة البلاد والعمل لصالح كل الأمريكيين، بل يعمل لصالحه الشخصي ولصالح فريق من الأمريكيين فقط (الأثرياء)، فحتى وهو في السلطة لم يتوقف عن الخداع وأساء استخدام سلطاته عندما اتصل بالرئيس الأوكراني وطلب منه صراحة محاكمة نجل بايدن وإلا فإنه سيوقف صفقة سلاح أمريكية لبلاده.

ومع أن مسألة العزل ليست هينة ولم تحدث كثيرا في التاريخ الأمريكي حيث حدثت مرتين فقط من قبل، إلا أنها شكلت أول الألغام السياسية التي وضعت مبكرا في طريق الانتخابات الجديدة العام 2020، وهي تطور لم يحدث من قبل يجعل هذه الانتخابات بالغة السخونة وتهيمن عليها أجواء العدائية المتبادلة بين الحزبين الكبيرين الجمهوري والديمقراطي وليس أجواء المنافسة المشروعة المعتادة دوما في الانتخابات العامة الأمريكية.

هذه الروح العدائية لا التنافسية والتي لا شك تخرج عن تقاليد الحياة الديمقراطية في الولايات المتحدة يمكن الاستدلال عليها من التغريدات والتصريحات الصحفية والحملات الإعلامية المتبادلة بين الخصوم ولم تبدأ بعد الخطوات الإجرائية المعتادة للترشح للانتخابات الرئاسية.

ومع أنه ليس جديدا أن يلجأ ترامب إلى كل ذلك بخطابه التهكمي والحاد تجاه خصومه الديمقراطيين بالنظر إلى أنه اتبع هذا النهج طوال حملته عام 2016 وبعد أن دخل البيت الأبيض، إلا أن الجديد هو أن يلجأ الديمقراطيون لنفس النهج وهم يستعدون للانتخابات المقبلة.

جو بايدن ذو الشخصية المتزنة الذي عمل إلى جانب أوباما، كتب مؤخرا على تويتر محذرا بشدة من بقاء ترامب 4 سنوات أخرى وكأنها كارثة ستحل بالولايات المتحدة. كتب يقول: «بقاء ترامب سيكون له تأثير على هوية الأمة الأمريكية.. لا يجب السماح بحدوث ذلك.. يجب أن نبقيه رئيسا لمرحلة رئاسية واحدة فقط.. إنه يعمل من أجل أولويات إدارته التي تخدم الأثرياء.. لقد أعطت إدارته الأولوية للتخفيضات الضريبية العملاقة للأثرياء والشركات، وفي الوقت نفسه هاجمت المساعدات الغذائية في كل فرصة حصلت عليها.. إنه (أي ترامب ) بلا قلب.. لا ينبغي لأحد أن يجوع في أمريكا».

وأما أحد كبار من عزموا خوض الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي وهو الثرى مايكل بلومبرج عمدة نيويورك السابق والرئيس التنفيذي للشركة التي تحمل اسمه وتختص بالخدمات المالية والتكنولوجية والإعلام، فقد ذهب إلى نفس ما كتبه بايدن عندما برر إقدامه مبكرا على خطوة الترشح لاختيارات الحزب الديمقراطي.

قال «إنه قرر ذلك لأنه يرى أن ترامب يشكل خطرا وجوديا على البلاد وهو (أي بلومبرج) لا ينتظر وبدأ الآن». وما يفهم كلام الديمقراطيين وهم يحذرون أنصارهم من الآن من ترامب هو أنهم يرون وجود ترامب يمثل خروجا عن المبادئ العليا للحياة الديمقراطية الأمريكية لا يجب أن يقبله أي أمريكي بغض النظر عن انتمائه السياسي.

عبارات مثل رجل بلا قلب، وله تأثير على هوية الأمة الأمريكية، ويشكل خطرا وجوديا، تجسد هذا التخوف بوضوح لا لبس فيه.

فوفقا للتوجهات الراسخة للحزب الديمقراطي، والتي تشكل جانبا مهما من الفكر السياسي الأمريكي لا يمكن إغفاله، فإن الديمقراطية الأمريكية تقوم على التعددية ومراعاة المساواة بين الجميع دون تمييز ومساعدة الضعفاء أو غير القادرين، وليس تقاليد الرأسمالية المتوحشة التي يمشي على خطاها ترامب والجمهوريون المحافظون. ومما يستدل به على ذلك رفض ترامب للمهاجرين والتخلي عن السياسات الاجتماعية التي تساعد الفقراء والعاطلين وتوفر لهم الرعاية الصحية، هذا فضلا عن الانحياز المطلق للأغنياء (تخفيضات الضرائب).

ولكن ترامب ورفاقه يتصرفون بقدر عال من الثقة فيما يتعلق بالبقاء 4 سنوات أخرى في السلطة. ولا تأتي هذه الثقة من فراغ، وإنما من دلائل مادية يلمسها الناخب الأمريكي نفسه جوهرها العمل باتجاه توفير الشعور العام بالقوة والزهو والأمن والرفاهية، وهي معطيات مؤثرة في الوجدان الأمريكي، وحاكمة في اختياراته السياسية عندما يقف أمام صندوق الاقتراع.

لقد حقق اختراقا في الاقتصاد الأمريكي جعل البلاد أفضل حالا مما كانت عليه في حكم أوباما، ولعب بشدة على أوتار المصلحة المباشرة للمواطن الأمريكي حتى وإن كان هذا من قبيل التوجه الشعبوي، خصوصا وأنه توجه يكاد يكون عاما على صعيد العالم الغربي في الوقت المعاصر. ولقد انخفضت البطالة بوضوح، وتم الحد من تدفق رؤوس الأموال الأمريكية إلى الخارج، أي العودة للاستثمار في الداخل، وأصر على موقفه من وقف الهجرة غير الشرعية.

وبرغم حملة مجلس النواب لعزلة واجه الموقف بحملة مضادة بأنها مسيسة ومشخصنة، ولا يزال يعتمد على أغلبيته الجمهورية في مجلس الشيوخ لإجهاض خطة مجلس النواب، فالأخير من حقه توجيه الاتهام، ولكن الأول هو الذي يتخذ القرار بأغلبية الثلثين، والمعروف أن الديمقراطيين هم الأقلية فيه بما يعنى أنهم لن يتمكنوا من توفير الأغلبية المطلوبة.

وعلى المستوى الخارجي ظهر أمام الناخب الأمريكي بمظهر القيادة القوية، والأمثلة على ذلك موقفه من الصراع مع إيران وكوريا الشمالية وطالبان بأفغانستان، وفي الحرب على «داعش»، وكذلك في المواجهة مع حلفائه الغربيين أنفسهم إضافة إلى تركيا. وبوجه عام فإنه في الداخل والخارج أجاد أسلوب الصفقات، وهو أسلوب محبب عند المواطن الأمريكي.

وعلى الجانب الآخر لا يبدو الديمقراطيون حتى الآن في وضع انتخابي صلب، فبينهم خلافات في الأفكار الإصلاحية المطلوبة لتغيير ما أفسده ترامب وفقا لتقديراتهم، وهناك عدد كبير من المرشحين، بينما لا يزال ترامب حرا طليقا بلا منافس قوى داخل الحزب الجمهوري. ولذلك وجه أوباما بعض النصائح للمرشحين المحتملين للحزب، بالابتعاد عن الميول المبالغ فيها باتجاه اليسار في الخطط والبرامج إذا كانوا يأملون في استعادة البيت الأبيض، وطالبهم بالتوحد حول المرشح النهائي.

ووجه أوباما تحذيره للحاضرين خلال مشاركته مؤخرا في أحد المؤتمرات الانتخابية التمهيدية للحزب الديمقراطي قائلا: «إذا قمت بشراء أجندة غير موضوعية أو رخيصة، فإنك تضمن أن ترامب سيفوز في فترة ولاية ثانية». والقصد من كلامه أن الميول اليسارية للحزب تقلق الناخب، كما أن التهافت على الترشح بتقديم صيغة إصلاحية ضعيفة لا تقنعه بدورها أي لا تجعل الناخب يصوت لصالح هذا المرشح.

الوقت لا يزال طويلا من حيث الزمن، حيث لن تظهر ترشيحات الحزبين قبل أواخر الصيف المقبل، ولكن الجولات التمهيدية تسبقها من الآن فصاعدا، ومن الوارد حدوث مفاجئات فقد اعتادت الانتخابات الأمريكية على ذلك، ولكن وفقا للمؤشرات قبل نحو نصف عام من بدء الحملات الرسمية لا تزال فرص ترامب قوية، وإن تعززت هذه المؤشرات فمن المتوقع أن يواصل ترامب قيادته للولايات المتحدة حتى 2025.