oman-logo-new
oman-logo-new
كلمة عمان

اللغة وصناعة الحضارة

18 ديسمبر 2019
18 ديسمبر 2019

يشار إلى الثامن عشر من نوفمبر كل عام باليوم العالمي للغة العربية بالرجوع إلى قصة هذا اليوم التي تتعلق باعتماد اللغة العربية كلغة رسمية في الأمم المتحدة حيث كان ذلك في عام 1973 وهو ما يشكل اعترافا أمميا باللغة العربية التي كرمها الحق عز وجل بأن جعلها لغة كتابه الكريم، وفي هذا الإطار فإننا يجب أن نقف مع هذا اليوم باعتباره محطة مهمة تذكرنا بلغتنا الجميلة (لغة الضاد) وتغذي فينا الحيوية بأن نحافظ على لغتنا ونعتني بها العناية التي تليق بها ونعمل كذلك على نشرها في العالم لأن اللغة هي عنوان التحضر والانفتاح والتثقف لأي مجتمع من المجتمعات.

إذن فقد كان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3190 في ديسمبر عام 1973، هو البداية للاعتراف الأممي داخل المؤسسة الجامعة لتكون اللغة العربية واحدة من ضمن ست لغات وقتذاك، وهو ما سار عليه العرف إلى اليوم، ودلالة ذلك اليوم يجب أن تضعنا أيضا في إطار ثان أكثر عمقا بأن الاحتفال الحقيقي يجب أن يمتد ليشمل كل أيام السنة، ولا يقتصر على يوم محدد بأن تكون لغتنا هي مسار حياتنا اليومية في كافة التفاصيل، وهو موضوع كبير لا يمكن احتواءه بمجرد رغبات بل بالعمل الدؤوب والمستمر بأن تصبح اللغة العربية هي شارة استرشاد ودليل وعي وقيمة مضافة لجوهر وجودنا في هذا العالم.

يأتي الاحتفال الأممي هذه السنة تحت شعار «اللغة العربية والذكاء الاصطناعي»، ومعروف بأن لكل عام عنوان مختلف يلفت الانتباه إلى معنى أو هدف أو دلالة معينة، بحيث يعمل الناس على تكريس هذا المضمون والاعتناء به، وعندما يكون الحديث عن مترادفة اللغة العربية والتكنولوجيا أو الذكاء الاصطناعي بالتحديد فإننا أمام لافتة كبيرة لتحولات العصر وثورة الحواسيب والتقنية والإنترنت التي انعكست على كافة ظلال الحياة الإنسانية بما في ذلك مجال اللغة بالطبع.

لقد ساهمت التقنية في إحداث نقلة في علوم اللغة بشكل عام من حيث القواميس الإلكترونية والترجمة ودوائر المعارف وغيرها من الإضافات الجلية في هذا الإطار، التي يرى بعض الناس أن لها جوانب إيجابية وفي الوقت نفسه هناك من يتوقف عند بعض النقاط التي يراها سلبية لاسيما في كيفية تعلم اللغة عبر هذه الوسائط الحديثة أو مسائل الترجمة الآلية أو القول بإن الوسائل كوسائط التواصل الاجتماعي قد خصمت من قوة اللغة والكتابة الفاعلة والصحيحة والمدققة.

غير أنه بعيدا عن كل هذه النقاط الضعيفة والهنات فإن الإيجابيات تطغى على السلبيات وتضعنا أمام تحدٍ لازم بالعمل على الاستفادة من الثورة التقنية والذكاء الاصطناعي كما في تطبيقات جوجل على سبيل المثال، للخروج بأفضل ما في هذه الوسائل من فوائد ومحصلات ليكون لنا ممكنا العمل على تطوير اللغة والحفاظ عليها بل ونشرها في العالم، حيث تساعد فضاءات كاليوتيوب مثلا على عمليات التعليم ونشر اللغات وهذا يحصل الآن في مسألة تعلم كثير من لغات العلم اليوم كالإنجليزية بدرجة واضحة.

أخيرا يجب التأكيد على أن الاحتفال باللغة هو انتباه لابد منه إلى قوتها في صناعة الحضارة، فلا أمة تنهض دون لغة، فهي ليست مجرد وسيط جمالي أو إجرائي بل هي أبعد من ذلك في كونها عالما متكاملا للوعي والإرادة والهيمنة والسلطة وغيرها من المعاني في هذا الباب وفق ما هو مدرك للخبراء وفقهاء اللغة.