رندة_صادق
رندة_صادق
أعمدة

عطر: انتِ النكهة والتوابل

18 ديسمبر 2019
18 ديسمبر 2019

رندة صادق -

[email protected] -

تقول الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي: «عندما تتقن فن الطبخ، أنت حتماً تعرف كيف تعد مائدة حياتك وكيف تطهو رغباتك. متعتك تبدأ بالإعداد للمتعة من إحضار لوازم أطباقك ومد مائدة انتظارك». هذا الكلام فن حياة وفي هذا الموقف ما يشير إلى ان الحياة طبخة جميلة تبدأ بإعدادها الأمهات.

«سألت المعلمة التلميذ: ماذا تعمل والدتك؟

أجابها الصغير: أمي تطهو لنا.

ابتسمت المعلمة وهي ترد عليه: أمك تقوم بأفضل الأعمال».

الطهي مهنة راقية تتقنها الأمهات وحتى وان لم تتقنها، لكنها حتما تزرع في ذاكرة أولادها أروع النكهات لأنها تصبح وحدة قياس لحاسة التذوق لديهم. فكما هناك الحب الأول الذي يحرك كل الحواس ويسري في الدم لينعش روح المراهقة وجنونها ويستمر مع تقدم العمر يشعل ابتسامة كلما مرّ في ذاكرتنا، هناك النكهة الأولى واكتشاف حاسة التذوق وارتباطها بحنين من نوع خاص لا بد أننا جميعا مررنا به وما زلنا نعيشه. الطبخ فن وذاكرة وحواس، هذه الحواس تتفاعل لتجعلك تزرع في طبقك كل الحب وكل الحياة.

بعض النساء يعتقدن أن قضاء الكثير من الوقت في المطبخ لإعداد وجبات الطعام، عمل يستهلك طاقتهن ويفضلن ان يحضرن ما بات يعرف بـ«الديليفري». طبعا المرأة العاملة امرأة تبحث عن كل ما يخفف عنها ضغط الأعمال الروتينية والتي تأخذ وقتا طويلا في عملية الإعداد، وكذلك فان النساء الشابات عادة غير متدربات في بيوتهن على دخول المطبخ لأن الأمهات لا يردن أن تُضيع بناتهن وقت الدرس في المطبخ.

قديما كانت المدارس تقدم مادة «التدبير المنزلي «حيث تتعلم الفتيات الطهي والخياطة والمبادئ الأساسية من حياكة الصوف وأشغال الإبرة، ولكن المناهج في لبنان الغت هذه المادة في أواخر القرن الماضي حيث اعتبرتها مادة ثانوية، طبعا أنصار المرأة لن يعجبهم مناداتي بعودة هذه المادة وقد تعتبر مادة فيها جندرة، ولكن في حقيقة الأمر هذه الأمور هي من باب الثقافة والخبرات التي تحمي الفتيات ان اضطررن للوقوف إلى جانب أزواجهن، خاصة أنهن اليوم يعرفن مبادئ وضع الميك أب والقواعد الجمالية والموضة وماركات الملابس وأنواع العطور، اذا لماذا لا تتعلم مبادئ التدبير المنزلي؟ التي هي على بساطتها ضرورة وخاصة موضوع الطبخ، لأن الطبخ يشكل ذاكرة الأطفال ويربطهم بأمهاتهم، فمن ينسى طعم الرز الذي كانت تطهوه امه، أو ينسى مذاق الحلوى التي تعدها، ومن لا يتمنى إعادة تذوقها من يدها، تلك اليد التي كانت ترش توابلها وتصنع نكهتها الخاصة! قد ينسى الأطفال معظم التفاصيل، ولكن لا يمكن أن ينسوا طبخات أمهاتهم.

امرأة تعد طعام أولادها امرأة تعزف أجمل ألحانها وتترك آثارها في حواسهم. أشياء كثيرة خسرها أطفال النساء المعاصرات، خاصة أن الخدم هم من يعتنون بالأطفال والهواتف الذكية هي التي يحملوها بأيديهم كل الوقت، فغابت حكايات الأمهات ورعايتهن ونكهة أطباقهن.

لقد وجدت الأم المعاصرة طرقا للتعويض عن غيابها منها: إغداق الهدايا وتسجيل الأولاد بنشاطات كثيرة تشغلهم وتقلص مساحة الوقت بينها وبينهم، الرياضة والموسيقى لا بد منهما لتقوية أجسادهم وتهذيب أرواحهم، ولكن لمستك أنتِ لا يعوضها أحد ولا يمكن أن تحضري بديلا لها. الحب توابل ونكهة وحواس الحب أنتِ ولا أحد غيرك.

في زمن سريع الوتيرة بارد الحرارة، جامد وكأنه يدور في دائرة ضيقة، صامت لا حوارات فيه متحجر لأنه لا ينبض بالاهتمام، في زمن يقسو على الجميع، تبقين أنتِ أيتها المرة نكهة بيتك وتوابل عالمك وأجمل ما حدث لعائلتك.