شريفة_التوبية
شريفة_التوبية
أعمدة

وتر: لا تعرف أنها حلـــوة

18 ديسمبر 2019
18 ديسمبر 2019

شريفة بنت علي التوبية -

«إلى الحلوة التي لا تعرف أنها حلوة..»

استوقفتني هذه العبارة التي قرأتها في إحدى اللوحات بمعرض معهد العالم العربي بباريس، ولست أدري من هو كاتبها، أهو زوج يتغزّل بزوجته أم عاشق أهداها لمعشوقته، وتساءلت ترى أهناك حلوة لا تعرف أنها حلوة؟، أهناك امرأة في الدنيا لا تعرف أنها جميلة؟، أهناك امرأة لا تخبّئ مرآة وقلم أحمر شفاة وقارورة عطر صغيرة في حقيبة يدها؟، أهناك امرأة لا تقف أمام المرآة لتتأمل ملامح وجهها أكثر من مرة في اليوم؟ لا أظن ذلك، النساء كائنات جميلة، كائنات تحب الجمال فتتجمّل، تحب أن ترتدي من الثياب أجملها ومن المجوهرات أغلاها وأثمنها، تتجمّل لنفسها أولًا ولترى جمالها منعكسا في عين من تحب ثانيا، فالتجمّل في المرأة فطرة وطبيعة أنثوية، وليست منا من لا تعتني بجمالها. ورغم ظني أن هذه الحلوة التي لا تعرف أنها حلوة، ليس لها وجود، لكني التقيت بها، أذكر أنها كانت ترتدي السواد، في ثياب بسيطة، يكسو الحزن ملامح وجهها الخالي من المساحيق، تقف الدمعة على رمش عينها في كبرياء وألم، فلا تلفت عابرا ولا تفتن عين ناظر بما هي عليه من حال، لكنها حلوة، نعم إنها حلوة، وأخبرتها بذلك، ولا أدري لماذا تجرّأت على إخبارها بما تجهل، ربما ظننت أن ذلك سيسعدها، أذكر أنها نظرت إليّ وابتسمت، وقالت: لم يقل لي أحد يوما أنني جميلة وأنا لا أرى نفسي جميلة، فقلت لها: لكنك جميلة. أخبرتها أن المرايا كاذبة ولا تستطيع أن تعكس سوى الجمال الظاهر والمرئي، فهناك جمال لا يدري عنه حتى صاحبه، ولكن يشعر به الآخر الذي يراه بعين القلب أو مرآة الروح، إنه جمال لا يمكن وصفه ولكننا نشعر به.

ولأننا في عصر كل شيء فيه مصنوع ومقلد، أنت لا تشعرين بذلك الجمال الذي تمت صناعته و تشويهه ولا يلامس شيئا في روحك، أشكال تأتي بملامح واحدة، وبأقنعة مستنسخة وباهتة من حيث شكل الأنف والشفاه وقوام الجسم ولون الشعر، فلا تحرك تلك الدمى البشرية شيئا أكثر من الرغبات الجسدية الزائلة في عيون نزقة، ومثل هذه الصناعة المقلّدة لا أرى فيها قيمة تستحق الالتفات، وفي ظل ذلك تأتي تلك التي لم تعد حلوة وتظن أنها حلوة، وتلك حكاية أخرى ومصيبة عظمى، فجمال يُصنع وفق مقاييس صنّاع الموضة ليس جمالا، فالأصل في الحلوة تلك التي لا تعرف أنها حلوة.