mahmood2
mahmood2
أعمدة

جرة قلم: أفلام تحرك العقل

15 ديسمبر 2019
15 ديسمبر 2019

محمود الرحبي -

هناك أفلام يمكن القول عنها بأنها تحرك العقل نحو التفكير والتأمل، منها فيلم «عطر امرأة»، الذي يسرد قصة كولونيل متقاعد، لكنه أعمى، في أحد أفلام ما يصطلح عليه «أفلام الشخصية الواحدة».

يمكن القول، عبر انطباعات الذائقة، إن هذا الفيلم أحد الأفلام التي يمكنها أن تحرك العقل أكثر من العاطفة، وذلك نظرا لعمق فكرته وللخبرة الحياتية التي من شأنها أن تفيد المشاهد وتشحذ همم تفكيره وتجعل ذهنه متقدا طوال مدة العرض. كما يدفعه نسيج الفيلم إلى التماهي مع قوة الفكرة وأداء الممثل معا؛ فقد كان الكولونيل، الذي أدى دوره بإتقان شديد نجم السينما الكبير أل باتشينو، شخصا يتألم، يلجأ إلى الكحول التي لا تزيده إلا مأساة وتُعمّق إحساسه بعدم جدوى الحياة وبضرورة الانتحار.. لكنّ تقمّصه للدور حد التماهي صيّره أعمى يحاول أن يقلّد المبصرين!، وليس العكس. فقد كان متقنا ومتقمصا لدوره إلى أبعد حدود التماهي والانسجام، وكان طبيعيا أن ينال جائزة الأوسكار كأحسن ممثل.

يدور الفيلم حول طالب يدرس بمنحة في مدرسة مرموقة، يلتحق بعمل مؤقت مقابل ثلاثمائة دولار. يتلخص العمل في مصاحبة رجل أعمى، في رحلة تستغرق ثلاثة أيام، والرجل كولونيل سابق في الجيش أحيل إلى التقاعد بعد إصابته. يعاين الطالب ثلاثة من زملائه المرفّهين يدرسون على حساب آبائهم، يعملون «مقلبا» لعميد الجامعة، عن طريق تعطيل سيارته وتشويهها. تصادف إحدى المعلمات الشاب وهو يراقب رفاقه، لكنها لم تتبين وجوههم بحكم بعدها عنهم. في خضم ذلك، يواصل الشاب عمله الجديد المؤقت مع الجنرال الضرير.

وستقيم الجامعة محاكمة للشاب الذي رفض الوشاية برفاقه، متعللا بأنه لم يرهم، مقاوما إغراءات عميد الكلية بأنه سيُلحقه بجامعة هارفارد بعد تخرجه إذا أخبره عن أسمائهم.

الكولونيل يعيش مع ابنة أخيه وزوجها وابنيها. يقرران أن يذهبا في رحلة عدة أيام فيرفض الجنرال الكفيف أن يرافقهما، لذلك يصران عليه أن يكون معه شاب يرعاه بمقابل مالي. يرغب الجنرال في السفر إلى نيويورك خلال غيابهم عن البيت. فكانت فكرة نشر إعلان عن عمل مؤقت يتلخص في مرافقة الجنرال في رحلته. ولم يكن الشاب الذي يرافقه يعرف أن الكولونيل كان قد قرّر الانتحار بعد رحلته تلك..

تدور أثناء تلك الرحلة مواقف كثيرة. كان الجنرال الأعمى، الذي لم يسبق له الزواج في حياته، يتوق لأن يعيش مع زوجة، لذلك سمي الفيلم «عطر امرأة».

في أعماقه لم يكن الجنرال يريد أن يعيش حياة الفوضى وإدمان الكحول، يريد زوجة يستقر معها فقط، لكنه يبالغ في دفن نفسه في حفرة اليأس، فتزيد أزمته تفاقما. وحين يقرر الانتحار، بمسدس كان يحتفظ به منذ أيام وظيفته في الجيش، يتدخل الشاب لإيقافه ويدور بينهما صراع عنيف. في نهاية العراك، يرضخ الجنرال ويسلّم المسدس للشاب. ثم يعودان إلى بلدتيهما ويتوادعان. خلال ذلك تعقد المدرسة اجتماعا يحضره جميع الطلاب، لمحاكمة الطالب، الذي رفض الوشاية بزملائه، وطرده من المدرسة.

لم يكن مع الطالب أبوه، الذي طلق أمه، ليدافع عنه. وقد تزوجت أمه بعد ذلك برجل لا يكنّ تقديرا للشاب، لذلك لا يمكنه أن يلعب دور الأب في تلك المحاكمة التي يحتاج فيها الشاب إلى من يسانده. جميع الطلبة المتهمين كانوا برفقة آبائهم إلا ذلك الشاب.

وفي تلك الأثناء يدخل الجنرال الأعمى، في مشهد مؤثر، أداه ألباتشينو بإتقان شديد، شحذ فيه أقصى طاقاته وعبقريته في التمثيل. فترافع عن الطالب.. وفي النهاية، قررت محكمة المدرسة تبرئة الطالب ووضع الطلبة المتهمين تحت المراقبة.

وفي نهاية الفيلم، حين يكون الجنرال في طريقه إلى البيت، تقترب منه مدرّسة تابعت مرافعته عن الطالب، فيسألها الجنرال هل أنت متزوجة؟ فتجيبه بالنفي.