أفكار وآراء

كيف يقود إدمان العمل إلى اللامساواة الاقتصادية؟

15 ديسمبر 2019
15 ديسمبر 2019

روبرت سامويلسون - واشنطن بوست - ترجمة قاسم مكي -

هنالك دائمًا إجابة جديدة ومدهشة في الرد على السؤال حول من الذي أوجد، أو ما الذي أوجد، اللامساواة الحالية؟ تقول الإجابة الجديدة أن المسؤول عن ذلك هو الإنترنت. لقد حول الإنترنت الملايين منا إلى مدمنين للعمل كما يبدو. يجرجر معهم هؤلاء المدمنون أجهزة اللابتوب الخاصة بهم في حلهم وترحالهم. وهم دائما على أهبة الاستعداد للانخراط في أداء عمل رقمي روتيني فور تكليفهم به.

المشكلة في ذلك أن هذا العمل الإضافي والدخل الذي يتولد عنه يفيدان إلى حد كبير الشرائح العليا من العاملين في الاقتصاد. وهذا ما يفسر القفزة في معدل اللامساواة.

هذا التحول في نمط الحياة يشهد عليه معظمنا. فالحواجز بين العمل والأسرة تنهار أمام مطالب اللوغاريتمات (الحلول الحوسبية) التي لا هوادة فيها. لقد صار العمل رفيقًا دائمًا ومصدر ضيق يستحيل القضاء عليه.

هل هذا شيء جيد؟ إنه سؤال يظل مفتوحًا للمدارسة بين العلماء. لكن ما هو أقل مدعاة للجدل أن هذا الواقع «القهري» الرقمي يزيد عن كونه مجرد مثير للفضول. إنه ليس فقط انعكاسا لانعدام المساواة المتزايد في الدخول بل أيضًا مساهم فيه حسبما جاء في دراسة جديدة بواسطة الاقتصاديين إدوارد ليمير ورودريجو فوينتيز.

لاحظ ليمير وفوينتيز اللذين تعاونا في إجراء هذه الدراسة بجامعة كاليفورنيا - لوس أنجلوس أن الموظفين أصحاب الدخول الأعلى يقضون وقتا أطول في العمل سواء «في المكتب» أو في البيت أو في أي مكان آخر. واقتصرت الزيادات الكبيرة في الدخول (المترتبة عن ذلك) في معظمها على العاملين الحاصلين على شهادة البكالوريوس أو درجات أعلى (شهادات الدكتوراة أو مؤهلات مهنية).

هاهنا بعض الأرقام. في الفترة ما بين عام 1980 وعام 2016 ارتفع المتوسط السنوي لعدد ساعات العمل للعاملين الحاصلين على درجات متقدمة (تأهيل فوق جامعي) من 1930 ساعة إلى 2109 ساعات بزيادة 9%. أما من لديهم لديهم مؤهل البكالوريوس فقط فقد زاد هذا المتوسط بنسبة 7% من 1872 ساعة (في عام 1980) إلى 2009 ساعة (في عام 2016). لكن التغيرات في عدد الساعات بالنسبة للعاملين الآخرين (مصنفين حسب مستوياتهم التعليمية) فلا تكاد تذكر (لضآلتها). والمكاسب بالساعات التي حققها العاملون الحائزون على دبلوما المدارس العليا فكانت أقل من 1%.

يسمي الباحثان ليمر وفوينتيز هذا العامل المتمثل في ساعات العمل «المجهود». ويقولان أنه لم يقدر حق قدره في تفسير اللامساواة (في الدخل بالولايات المتحدة- المترجم). في الفترة من 1980 إلى 2016 ، كان متوسط الزيادة في الأجور للحاصلين على تأهيل فوق جامعي 41% من 67349 دولارًا إلى 94967 دولارًا. وبلغ معدل المكسب الذي حققه خريجو الكليات الجامعية 17%، من 56262 دولارًا إلى 65865 دولارًا. أما الباقون فقد كانت دخولهم بعد حساب التضخم سالبة خلال هذه الفترة. لقد ارتفعت الأسعار بوتيرة أسرع من الأجور. وبلغت نسبة الخسارة لخريجي المدارس العليا 12%.

يقول الباحثان ليمر وفوينتيز: إن الساعات التي تنفق (أو لا تنفق) في العمل زادت من حدة الآثار الأخرى على اللامساواة.

لنأخذ مثلا لذلك تآكل الوظائف الصناعية. فمنذ الذروة التي بلغتها هذه الوظائف بعد الحرب العالمية الثانية والتي وصلت نسبتها إلى 32% عام 1953 هبطت حصة قطاع التصنيع من إجمالي الوظائف بانتظام. وهي تشكل الآن 8% فقط حيث قضت الأتمتة على الوظائف الصناعية التقليدية (المرتفعة الأجور).

لقد ضخمت العولمة والتعهيد (نقل عمليات الإنتاج إلى الخارج) الأثر السلبي على العاملين في المصانع. ومع اختفاء هذه الوظائف «هاجر» العمال إلى وظائف منخفضة الأجور في قطاعات تجارة التجزئة والرعاية الصحية والترفيه والضيافة.

في الأثناء كان العكس يحدث في قمة الطيف الاقتصادي. فالدخول كانت ترتفع. وكان مدمنو العمل يتضاعفون. كتب ليمر وفوينتيز ما يلي «أتاحت الابتكارات في الحوسبة الشخصية (الكمبيوتر الشخصي) والاتصالات المرتكزة على الإنترنت للعاملين الأفراد حرية اختيار ساعات العمل الأسبوعية بما يزيد كثيرًا عن المدة المعتادة (40 ساعةً في الأسبوع).

إنَّ المنافع المترتبة على ذلك تفيد أساسًا القلة التي يمكنها استخدام التكنولوجيا الجديدة لإيجاد «قيمة» أثناء ساعات العمل الطويلة. وهذا يستلزم تحلي هؤلاء العاملين بالموهبة الطبيعية إلى جانب ارتفاع المستوى التعليمي.

تكرارًا لما سبق نقول إن الفرص كانت متاحة أكثر وسط أقلية العاملين الذين يمكنهم الاستفادة من التقنيات الرقمية. وفي هذا الصدد يذكر ليمر وفوينتيز أن حوالي 75% من الأمريكيين يستخدمون الإنترنت. لكن حسب، مكتب إحصاءات العمل، فإن 6% فقط من هؤلاء حائزين على درجات متقدمة في حين لدى 26% منهم شهادات البكالوريوس.

توجد عدة دراسات عن اللامساواة. عن أسبابها ونتائجها السياسية والاقتصادية الحالية، وتلك يمكن أن تحدث في المستقبل. وكذلك حول ما الذي ينبغي أو يمكن فعله بشأنها. وتشكل دراسة ليمر وفوينتيز إضافة إلى فهمنا للامساواة في الدخل بتسليطها الضوء على الكيفية التي تتغير بها الطريقة التي «تعمل» بها أسواق العمل.

لا تبشر الاتجاهات الحالية بخير في المستقبل في حال استمرارها. وإذا انقسمت القوة العاملة إلى مدمني عمل يحصلون على رواتب جيدة وإلى سواهم من العاملين الآخرين سيكون هنالك رد فعل (في الحقيقة يوجد سلفا رد فعل) وسط أولئك الذين يشعرون أنهم يبذلون قصارى جهدهم في العمل ولكنهم لا يلمسون نتائج ذلك في «حجم» رواتبهم.

تذكروا، هنالك صدام بين المرونة والحرية التي نريدها وتعاظم اللامساواة الذي لا نريده.