1391279
1391279
إشراقات

مفتي الديار الهندية يدعو إلى الوحدة الإسلامية ونبذ الخلافات المذهبية بين المسلمين

12 ديسمبر 2019
12 ديسمبر 2019

أشاد بدور السلطنة في لمّ شمل الأمة وتقارب وجهات النظر -

حكام الهند عمدوا إلى التآلف بين الأديان .. وهو سر التعايش الحالي -

حاوره: سالم الحسيني -

شدد الشيخ أبوبكر بن أحمد المفتي العام للديار الهندية على ضرورة الوحدة الإسلامية في زمن كثر فيه التأليب ضد المسلمين وعلى نبذ الخلافات المذهبية، مشيرا إلى أن تعدد المذاهب واقع لا يمكن تغييره ولا يمكن أن ينتهي إلى يوم الدين، ودعا الساسة والعلماء وعموم المسلمين إلى الاجتهاد من أجل تحقيق ذلك الهدف تحت راية التوحيد التي تجمعهم جميعا، داعيا في الوقت ذاته إلى التعايش السلمي بين جميع الأديان كما هو الحال في بلاده الهند التي تجمع عددا غير قليل من الأديان ويعيش الجميع في أمن وتعاون وسلام، مؤكدا أن عدد المسلمين اليوم في الهند حوالي 250 مليون مسلم، يتركز أكثرهم في ولايتي يوبي وكيريلا يعيشون بسلام مع جميع الطوائف والأديان.

وقال الشيخ أبوبكر بن أحمد المفتي العام للديار الهندية والأمين العام لجمعية علماء الهند ورئيس جامعة مركز الثقافة السنية الإسلامية بالهند في حوار خاص لإشراقات أثناء حضوره ندوة تطور العلوم الفقهية الـ«١٥» التي اختتمت مؤخرا بالعاصمة مسقط: إن الجامعة التي يرأسها يدرس بها 40 ألف طالب وطالبة، وقد تخرج منها أكثر من مائة ألف طالب، وطالبة من مختلف التخصصات العلمية، وأشاد فضيلته بدور السلطنة لسعيها المشكور من أجل توحيد الكلمة، ولمّ الشمل، مبينا أنها سباقة إلى إقامة مثل هذه الندوات والمؤتمرات على هذه الأرض الطيبة من أجل غرس مفهوم الوحدة وجمع الكلمة ونبذ العنف، موجها كلمته في ختام هذا الحوار إلى المسلمين حكاما ومحكومين بأن يجتهدوا حسب استطاعتهم من أجل بث روح الوحدة وجمع الكلمة والعيش بسلام في هذا الكوكب الذي يعيش عليه جميع البشر .. المزيد من ذلك نقرأه في الحوار التالي:

عن دور علماء الأمة الإسلامية في وحدة الأمة في زمن كثرت فيه الفرقة الإسلامية الأمر الذي ولّد ضعفا عاما في البلاد الإسلامية عامة يقول: دور العلماء المسلمين في هذا الوقت دور كبير جدًا، لأن الوحدة الإسلامية لا بد منها في كل زمان ومكان، خاصة في هذا الزمان الذي كثر فيه أعداء الإسلام والمسلمين فينبغي على العلماء أن يجتهدوا لتوحيد الأمة الإسلامية مع تمسكهم بمذهبهم فتعدد المذاهب الإسلامية في الأمة ليس عائقًا لهذه الوحدة، حيث إن الاختلاف لا ينتهي إلى يوم القيامة، وتلك المدارس الفقهية أنمأ قامت باجتهاد من بعض العلماء ويدعو كل عالم إلى اتباع ما يدعو إليه، ولكني أرى بما أن ذلك واقعًا لا يمكن تغييره لكن ينبغي الاتحاد تحت رعاية كلمة التوحيد لتكون للمسلمين قوتهم وكلمتهم المؤثرة في هذا العصر خاصة حتى لا يجد ممن يتربص بهم ثغرة يدخل بينهم يفرق كلمتهم، ولا أعني بذلك أننا نتحد أو نتفق ضد المشركين أو ممن يخالفوننا العقيدة، أو ضد أحد ما، ولكن لتكون لنا قوتنا المهابة بين الأمم، وفي الوقت ذاته ندعو جميع الناس للتعايش السلمي بين الأديان المختلفة.

حب الدنيا والجاه

■ ■ أين يكمن ضعف الأمة في نظرك؟ وهل من اقتراح ترونه لجمع الكلمة؟

سبب هذا الضعف هو ما أشار إليه نبي هذه الأمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم حب الدنيا والجاه، فحب الدنيا رأس كل خطيئة، مبينا أن المسلمين لو تركوا هذين الأمرين سوف يكون لهم أثر قوي، وعلى هذه القاعدة قام أسلافنا وأجدادنا من العلماء والمصلحين على نشر إقامة هذا الدين، وكان لهم الكلمة والموقف المهاب بين شعوب الأرض، حيث إنهم لم يتلفتوا إلى الجاه وكان همهم إقامة شرع الله ونشر هذا الدين الحنيف في أصقاع الأرض، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت».. مشيرا إلى أنه عندما تغير ذلك التوجه والتجأوا إلى حب الجاه وحب الدنيا والتفتت إليهم الدنيا فقبلوها دب فيهم الضعف وتراجعت بلدان العالم الإسلامي إلى الوراء، مؤكدا أن قوة الدولة الإسلامية كانت في عهد النبي الكريم والخلفاء الراشدين فلم يطلبوا الرئاسة ولم يشغلهم حب الدنيا، بل المسلمون جميعا اجتمعوا واتفقوا على تنصيبهم للقيام بأمر المسلمين لكنهم لم يطلبوا الخلافة أو الرئاسة بأنفسهم، ولذلك كانت الدولة الإسلامية قوية في عهدهم، وكذلك سار على نهجهم التابعون وأئمة المسلمين لم يطلبوا جاها ولا مالا، فعلى العلماء أن يقتدوا بسيرتهم ويهتدوا بهديهم، نسأل الله تعالى أن يتولى أمر المسلمين فيسيروا على ذلك النهج القويم.

الاعتصام بحبل الله

■ ■ إذن ما هي الموانع التي تجعل الأمة الإسلامية تجتمع على كلمة سواء رغم ما يجمع بينها من عناصر الوحدة؟

ذلك أمر الله سبحانه وتعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً)، فالحق سبحانه وتعالى لم يشأ ذلك، ولو شاء ذلك الأمر لكان، ولكن سبحانه وتعالى ترك الأمر للعباد ليعلم الطائع من العاصي، حيث قال جل جلاله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ، وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) فهنا الحق سبحانه أمرنا بالاعتصام بالدين القويم المشبه بالحبل المتين الذي يفتل بخيوط صغيرة ثم يكون قويا حتى أن الفيل لا يستطيع أن يقطعه وعلى ذلك ينبغي أن يكون المسلمون متحدين معتصمين بحبل الله المتين، وإن شاء الله سوف يتحد المسلمون عما قريب ويكون واقعا في حياتهم.

■ ■ إذن ذلك يكون باجتهاد علماء الدين والتوجه الصادق من المسلمين جميعا؟

نعم، ويكون ذلك بالتعلم والتعليم، فنحن بفضل الله تعالى في الهند نعيش على ديننا رغم أننا نعيش بين أديان مختلفة، فعندنا مساجدنا وعندنا مدارسنا والجامعات والكليات الخاصة بنا، حتى أن الجامعة التي أرأسها يتعلم فيها 40 ألف طالب وطالبة، وقد تخرج في تلك الجامعة أكثر من مائة ألف طالب، وطالبة من مختلف التخصصات العلمية، مشيرا إلى أن شهادة بعض الكليات منها معادلة من قبل جامعة الأزهر الشريف.

العيش بسلام

■ ■ لاحظنا في بلادكم بالهند التآلف والتناغم بين أتباع الديانات المختلفة، حتى أن دور العبادة في بعض الأماكن في مبنى واحد يجمع المسجد والكنيسة والمعبد دون أن يكون هناك تصادم بينهم.. ما سر هذا التناغم في نظرك؟

نعم هناك الكثير من الأماكن في الهند هناك جامع كبير للمسلمين يؤذن فيها عن طريق مكبر الصوت، وقريب منهم معبد للهندوس وكنيسة للنصارى لا يوجد تصادم بينهم أبدا، أما سر هذا التآلف وهذه الألفة فأن حكام المسلمين في الهند منذ زمن بعيد عمدوا إلى هذا التآلف بين الأديان، ومنهم السلطان «تيبو»، والسلطان الشيخ معين الدين الجشتي وخلال تلك الفترة هناك ملك شديد على المسلمين يحكم بعض الأجزاء من الهند وكانت هناك بركة ماء كبيرة طولها أكثر من كيلومتر يستقي منها الجميع ويستخدم مياهها المسلمون وغيرهم، وذات مرة منع ذلكم الحاكم غير المسلم المسلمين من الشرب من تلك البركة، وتشاور المسلمون مع ملكهم الشيخ معين الدين الذي استأذن ذلك الحاكم بأن يأخذ كوز ماء منها وأخذ ذلك الكوز معه، فلما أصبح الصباح كانت تلك البركة يابسة لا توجد بها قطرة ماء.

وقد ندم الجميع على ذلك فقال لهم الشيخ معين الدين: الماء للجميع، ليس للمسلمين ولا لغيرهم فإن لم تمنعوا عنه أحدا فسوف يعود الماء بإذن الله، ومنذ ذلك الوقت أصبح بين المسلمين وغيرهم عهد بأن لا يمنع أحد منهم الآخر حقه من الماء، فأعاد الماء من ذلك الكوز إلى البحيرة فعادت المياه إلى ما كانت عليه، وهذا من كرامة ذلك الشيخ، ولما رأى الناس تلكم الكرامة أسلم مستشار ذلك الملك ثم تبعه خلق كثير، مشيرا إلى أن الإسلام ينتشر في العالم أجمع بمعجزة النبي صلى الله عليه وسلم قبل كل شيء ثم بكرامات أولياء الله الصالحين، ولا ينتشر الإسلام بالإرهاب ولا بالتطرف ولا بالفلوس ولا بشيء من حطام الدنيا.

وأضاف: يبلغ عدد المسلمين اليوم في الهند حوالي 250 مليون مسلم، أكثرهم في ولاية يوبي ثم في ولاية كيريلا وكلكتا وكوتشين وغيرها من الولايات الأخرى، ونحن بحمد الله نتعايش سلميا في أرض واحدة مع جميع الطوائف والأديان، ولا شك أن هناك من يشذ عن هذه القاعدة، ولكن لكل قاعدة شواذ، ولا يوجد بلد في العالم يخلو من ذلك.

دور رائد

■ ■ كيف تنظرون إلى السلطنة في سعيها من أجل الوحدة الإسلامية؟

لا شك أن للسلطنة دورا بارزا في ذلك، ونحن جئنا إلى هنا من أجل أن نقدم شكرنا وتقديرنا للسلطنة على سعيها المشكور من أجل توحيد الكلمة، ولمّ الشمل، فهي سباقة إلى ذلك وما إقامة الندوات والمؤتمرات على هذه الأرض إلا من أجل ذلك الهدف، ولتذكير الأجيال القادمة من أجل السير على هذا النهج الحميد، ومن أجل غرس هذا الفهم والتفكير فيه، وكلمتي في هذا الموضوع أوجهها لكل مسلم حكاما ومحكومين بأن يجتهدوا حسب استطاعة كل منهم من أجل الوحدة وجمع الكلمة وأن يكون هناك تعايش سلمي بين جميع الأديان.

 

الشيخ أبوبكر في سطور -

ولد الشيخ أبوبكر بن أحمد في قرية كاندابورام في مقاطعة كاليكوت بولاية كيرالا الهندية 22 مارس 1931م.

وتابع دراسته في مختلف المدارس الدينية ثم عمل مدرسا في أليتيل لمدة 6 سنوات وفي كوليكال لمدة 7 سنوات، وفي عام 1978م قام بتأسيس جامعة مركز الثقافة السنية، ويعمل كعميد في كلية الشريعة فيها منذ عام 1981. وهو عضو في المجلس الأعلى الإسلامي بأمريكا منذ 1998م، وقام بإلقاء عدة محاضرات حول التعايش السلمي بين مختلف الأديان في الهند وأهمية اتحاد المسلمين في العصر الحالي.

ويأتي اختيار الشيخ أبوبكر بن أحمد مفتيًا للجمهورية الهندية خلفًا للشيخ الراحل تاج الشريعة محمد أختر رضا خان القادري الأزهري.

وقام الشيخ أبوبكر بتأليف عدد من الكتب الدينية بالإضافة إلى محاضراته وبحوثه التي ينشرها في بعض الجرائد والصحف والمجلات التذكارية بمناسبة المؤتمرات والاجتماعات المتنوعة، ومن أهم مؤلفاته باللغة العربية: عصمة الأنبياء والوحدة الإسلامية والاتباع والابتداع ورياض الطالبين وإظهار الفرح والسرور بميلاد النبي المبرور والسياسة الإسلامية والمولد الروي وتعظيم الأكابر واحترام الشعائر وفيضان المسلسلات في بيان الإجازة المتداولة والطريقة والتصوف والإسلام والقاديانية.

أما مؤلفاته باللغة المحلية (مليالم) فهي: مقدمة لدراسة الإسلام وصلاة المرأة ودراسة عن أهل السنة والتعايش السلمي وأفكار مسلمي العالم والدعاء بعد الصلوات.

وقد انتخب أبوبكر عام 1974م إلى مجلس الشورى لجمعية علماء ولاية كيرالا ثم ارتقى إلى أمانتها العامة تقديرًا لخدماته، وفي عام 1975م عين الأمين العام لجمعية الشبان المسلمين بولاية كيريلا ثم ارتفع إلى درجة الرئيس للجمعية نفسها في عام 1995م. وتم تعيينه كقاضٍ لمقاطعة كاليكوت في عام 1993م ولويناد في عام 1995م، وهو الآن مفتي الديار الهندية ويتولى منصب الأمين العام لجمعية علماء الهند ورئيس جامعة مركز الثقافة السنية.