أفكار وآراء

كوكب في خطر

11 ديسمبر 2019
11 ديسمبر 2019

حسن عبدالله -

إن تلوث الهواء المرتبط بتغير المناخ يقتل كل عام سبعة ملايين شخص. ولأن السنوات الخمس الماضية كانت الأكثر سخونة على الإطلاق، فإن مستويات ارتفاع مياه البحر هي الأعلى في تاريخ البشرية، فيما يتساقط الجليد ويذوب بسرعة غير مسبوقة، وتصبح المحيطات أكثر حمضية بكل ما يترتب على ذلك من تدمير للبيئة البحرية.

باعتباره آخر الجهود البشرية لإنقاذ كوكب الأرض، يطمح مؤتمر مدريد للمناخ المنعقد حاليًا في إسبانيا إلى التنبيه والتحذير الشديدين من التغيرات المناخية التي تؤثر بقوة في حياة الناس بأرجاء المعمورة، سواء كان ذلك بسبب زيادة نسبة التلوث في الهواء أو انتشار حرائق الغابات أو الفيضانات والجفاف أو الارتفاع الشديد في درجة الحرارة.

الأمين العام للأمم المتحدة البرتغالي أنطونيو جوتيريش شدد في كلمة له في بداية المؤتمر على أهمية توفير ما لا يقل عن 100 مليار دولار سنويا، للدول النامية لتخفيف أزماتها والأخذ في الاعتبار توقعاتها المشروعة للحصول على الموارد اللازمة للصمود والاستجابة للكوارث والتعافي منها.

وعلى ما يبدو فإن دعوة جوتيريش لم تلق الاهتمام الكافي خصوصًا من جانب الدول الصناعية الكبرى التي تعتبر الملوث الأكبر للمناخ في العالم.

الولايات المتحدة الأمريكية استمرت بالسير في إجراءات انسحابها من اتفاقية باريس للمناخ التي وقّع عليها الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، رغم أن واشنطن تأتي على رأس الدول التي تسببت في حدوث هذه الظاهرة، فمنذ انطلاق الثورة الصناعية في منتصف القرن الـ18 وحتى الآن، لا تزال الولايات المتحدة المنتج الأكبر للغازات السامة المتراكمة داخل الغلاف الجوي للكرة الأرضية، وبحسب دراسة أممية فإن ما أنتجته واشنطن من ملوثات تجاوز 400 مليون طن، وهو ما يعادل ضعف ما أنتجته الصين التي صعدت إلى المرتبة الأولى لتصبح الملوث الأكبر في العالم.

والحقيقة أن الولايات المتحدة خفضت انبعاثاتها الكربونية في المرحلة الأخيرة لتهبط إلى المرتبة الثانية بعد الصين، لكن واشنطن تظل مسئولة عن نحو 14% من انبعاث الغازات السامة في العالم الآن.

الولايات المتحدة كانت تسير قدما في تطبيق المعاهدة وأوفت بجزء من تعهداتها ودفعت مليار دولار من حصتها التي حددتها اتفاقية باريس والمقدرة بـ3 مليارات دولار، فلماذا أعلن الرئيس الأمريكي انسحابه من المعاهدة الآن؟

الإجابة ببساطة كما حددها الخبراء تتجلى في عدة أمور، أهمها أن الاتفاقية التي تهدف إلى خفض وتثبيت درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة ستكلف الاقتصاد الأمريكي فقدان ستة ملايين ونصف المليون وظيفة صناعية، وخسارة جزء من الناتج القومي يقدر بنحو 3 تريليونات دولار، بالإضافة إلى حصة الولايات المتحدة في صندوق الطقس الأخضر الذي تنص عليه اتفاقية باريس، ويذهب معظمها إلى دول العالم الثالث.

ولذلك استجاب الرئيس الأمريكي الذي سيخوض الانتخابات الرئاسية العام القادم، لضغوط قاعدته الانتخابية، خصوصا أصحاب الشركات الصناعية الكبرى التي تعتبر الأكثر تلويثا للمناخ في العالم، وأعلن انسحابه من اتفاقية باريس؛ لأنها -حسب زعمه- تمثل خسارة كبيرة له وللمواطن الأمريكي وللشركات الكبرى في سيليكون فالي وغيرها.

زعيم الديمقراطيين في لجنة الشئون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، روبرت مينينديز، انتقد الموقف الأمريكي من المعاهدة قائلا: «إن إدارة ترامب استهزأت مرة جديدة بحلفائنا، وصرفت النظر عن الوقائع وزادت من تسييس أكبر تحدٍ بيئي يواجهه العالم»، فيما تجاهل ترامب جميع الاعتراضات ورضخ للضغوط التي يمارسها كبار رجال الأعمال والصناعة، وفتح الباب واسعًا أمام التنقيب عن الغاز والبترول الصخري، فيما يأمل الرئيس الأمريكي في التوصل إلى اتفاقية بشروط أفضل تلبي احتياجات الشركات والمواطنين الذين يدعمونه.

وعلى صعيد آخر.. يبدو أن الصراع الانتخابي انعكس على مواقف ترامب وجعلها تتغاضى عن الخسائر الفادحة الناتجة عن الانبعاث الكربوني، فقد أثبتت دراسة أعدها باحثون بجامعة «كاليفورنيا سان دييجو» الأمريكية، وبدأ العمل عليها منذ عام 2015 أن ما يقرب من خمسة مليارات طن متري من ثاني أكسيد الكربون الذي تصدره الولايات المتحدة كل عام يكلف الاقتصاد الأمريكي حوالي 250 مليار دولار.

في الوقت ذاته مازال الكثير من الدول مترددة في الدخول في نطاق اتفاقية باريس الطوعية والاختيارية، فمن بين 197 دولة صدقت على الاتفاقية أو انضمت إليها لم تلتزم بشروطها وبنودها سوى 16 دولة، ليس من بينها أي دولة أوروبية سوى مونتينجرو والنرويج، وبقية الدول التي تأتي على رأس قائمة الأكثر تلويثا للمناخ، كألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة ما زالت متوجسة شرًا من الاتفاقية.

وهو ما يطرح سؤالًا مهمًا:

ما الذي يمنع هذه الدول من الالتزام باتفاقية باريس التي تهدف إلى حماية كوكبنا من التلوث والدمار؟

الإجابة كما يحددها المتخصصون والخبراء تعود إلى أن الطاقة النظيفة التي تدعو إليها اتفاقية باريس، مازالت في طور الدراسات والأفكار والتجارب، وتكلفتها ما زالت مرتفعةً جدًا بحيث لا يمكنها تعويض الطاقة الناتجة عن الوقود الأحفوري كالنفط والخام والغاز.

وحتى الآن لم يستطع قادة الرأي في البيئة إقناع أصحاب الأعمال والاقتصاديين بجدوى الاستثمار في الطاقة النظيفة والمناخ، بل إن صحيفة الإيكونوميست البريطانية حذرت في تقرير حديث لها من أن اتفاقية باريس للمناخ قد تؤدي إلى خسارة كبيرة للاقتصاد العادي الذي لم يستعد بعد لاستيعاب بنود تلك الاتفاقية، وحددت الصحيفة الخسارة بـ40 ألف مليار دولار!

وبالتالي فنحن بحاجة لإيجاد حلول علمية بديلة تقنع أصحاب الشركات بجدوى التحول إلى الطاقة النظيفة، بعد أن أصبحت الكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ أكثر فتكًا وتدميرًا، بحسب وصف الأمين العام للأمم المتحدة، فالجفاف ينتشر في أنحاء كثيرة من العالم بمعدلات تعرض الأمن الغذائي البشري للخطر.

وبحسب تقارير أممية فإن تلوث الهواء المرتبط بتغير المناخ يقتل كل عام سبعة ملايين شخص. ولأن السنوات الخمس الماضية كانت الأكثر سخونة على الإطلاق، فإن مستويات ارتفاع مياه البحر هي الأعلى في تاريخ البشرية، فيما يتساقط الجليد، ويذوب بسرعة غير مسبوقة، وتصبح المحيطات أكثر حمضية بكل ما يترتب على ذلك من تدمير للبيئة البحرية.

لذلك لا بد من التوصل إلى صيغة مناخية تعيد لعالمنا وحدته في مواجهة الخطر الداهم على كوكب الأرض، والهجوم الكاسح على البيئة، نحتاج إلى رسالة أمل تعيد الطمأنينة لسكان كوكب الأرض الذين باتوا على أعتاب غضبة طبيعية نجني ثمارها المرة الآن وستدفع ثمنها الأجيال القادمة.