شريفة_التوبية
شريفة_التوبية
أعمدة

وتر: ستعلّمك التجربة

11 ديسمبر 2019
11 ديسمبر 2019

شريفة بنت علي التوبية -

وما انكسرت إلا لأنك انحنيت كثيرًا حتى الانكسار، وما انهزمت إلا لأن الذي انتصرت به كان يفتقد الشجاعة، ولأن الجدار الذي استندت إليه كان مهزوزًا، وما خُذلت إلا لأنك آمنت بمن لا إيمان له بك، وما تألمت إلا لأنك صدّقت كاذبا لم يصدق حتى مع نفسه، وما ضللت الطريق إلا لأنك كنت تتبع من ضل فضللت معه، وما بكيت ندمًا سوى لأنك ضحّيت من أجل من لا يستحق، ومع الألم ستعرف أن كل ما مررت به لم يكن سوى تجربة، وليس منا من لم يخض التجربة فيختبر نفسه في اجتيازها، وكما أن لكل حصان كبوة فلكل إنسان هفوة، وقدر أن تعيش التجربة لتتعلم وتعرف البشر، الصادق والكاذب، الحبيب والعدو، القبيح والجميل، النقي والمخادع، الشفّاف والمتلون، العابر وفق المصلحة والحريص على البقاء بالقرب منك، الماسك على يدك، يخوض معك عباب الحياة، وستكشف لك التجربة عن ثلاثة وجوه: صديق المصلحة الذي يتخلى عنك حينما تنتهي مصالحه معك، وصديق الواجب الذي يفعل ما يمليه عليه الواجب في السؤال عنك، وصديق العمر الحاضر في كل لحظات حياتك خصوصًا في لحظاتك الصعبة التي لا تجد غيره فيها معك.

ستعلّمك التجربة أنه لا شيء يتغير حتى تتغير أنت، وأن أي تغيير يبدأ بك ومنك، وستعلم أنه حينما يقال إن المرء بأصله فلا يعني ذلك حسبه ونسبه، إنما أخلاقه، فالأصل في الإنسان خُلقه، وأن كل إنسان سيعاملك وفق أخلاقه وتربيته، وليس وفق ما تعامله، فالضفدع لن يتحول إلى أمير بأثر قُبلة، كما تحكي الخرافة، فاحذر أولئك الباحثين عن ثغرة يزرعون فيها الألم في قلبك، وابحث عن نفسك قبل بحثك عن الآخر، حتى تشعر بالسلام وقد سكنت روحك وعاطفتك، لأن أغلى ما لديك روحك، فاحفظها وأضعف ما لديك عاطفتك فارأف بها، وستتعلم ألا تعتذر لخاذلك لأنه سيتكّبر، وسيجد في ذلك بابا يلج منه إلى روحك ليشعل فيها فتيلا لن ينطفئ سوى بانطفائك. احذر ومع الحذر ستعلم أن لكل وجه قناعا، ستعاني، لكنك ستنضج، وستكبر وستتغير، وستسقط الأقنعة أمام عينيك، ولن يبق معك سوى المخلصين الصادقين المحبين لك في ضعفك وقوتك وفرحك وحزنك، وهم قلّة، وستعلم أنه لا بد من التجربة وإن كانت خاطئة ولا بد من الكسر وإن كان مؤلمًا، ولكنك ستخرج من التجربة شخصًا آخر لا يشبه ذلك الذي كان معك قبل خوض اليمّ واجتياز العاصفة.