1392682
1392682
عمان اليوم

اجتماع منظمة الصحة العالمية يؤكد أهمية اتخاذ إجراءات استباقية لمواجهة العبء المتزايد من الأمراض غير المعدية والصحة النفسية

10 ديسمبر 2019
10 ديسمبر 2019

دعا إلى تعاون والتزام كافة القطاعات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030 -

كتبت- عهود الجيلانية:-

أكد الاجتماع العالمي لمنظمة الصحة العالمية بشأن الأمراض غير المعدية والصحة النفسية على أهمية ما تتطلبه المرحلة الحالية من مشاركة وتعاون والتزام من مختلف القطاعات واتخاذ إجراءات استباقية لمواجهة العبء المتزايد من الأمراض غير السارية، حيث تشكل أكثر من 70% من مجموع الوفيات حول العالم. وأوضح المشاركون في الاجتماع أن التأثير المدمر لهذه الأمراض لا يقتصر على الجانب الانساني وإنما يؤثر على الجانب الاقتصادي بارتفاع تكاليف علاج الأشخاص المصابين بأمراض طويلة الأجل وفقد الإنتاجية، وضرورة الإسراع في تنفيذ تدابير وطنية للتصدي للأمراض غير السارية واعتلالات الصحة النفسية بهدف الحدّ من الوفيات المبكرة وتوسيع نطاق التدخلات من أجل بلوغ الغاية 3-4 من أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030م، مع ضرورة تبادل التجارب الناجحة للبلدان وما تواجهها من صعوبات.

جاء ذلك خلال حفل الافتتاح الرسمي لأعمال الاجتماع العالمي الذي تنظمه المنظمة بدعم من وزارة الصحة ومجلس الصحة لدول مجلس التعاون تحت رعاية صاحب السمو السيد هيثم بن طارق آل سعيد وزير التراث والثقافة وبحضور عدد من أصحاب السمو والمعالي والسعادة وممثلي الجهات الإقليمية والدولية المشاركة ذات العلاقة بالصحة وجمع غفير من المدعوين والمشاركين وذلك بمركز المؤتمرات والمعارض.

بدأ برنامج الافتتاح بكلمة مسجلة لمعالي الدكتور تيدروس ادهانوم جبريسوس مدير عام منظمة الصحة العالمية قال فيها: إن التزام عمان بصحة شعبها مثار للإعجاب فقد فرضتم ضريبة على المشروبات السكرية، وتعملون على زيادة الضريبة على التبغ، وقللتم كمية الملح المستخدمة في الخبز. أما مبادرة الجزيرة الصحية التي أعلنتموها مؤخراً، فهي دليل على التزامكم بتقديم الخدمات الصحية بطريقة متكاملة.

وأضاف : إنني فخور بما قدمته منظمة الصحة العالمية وفرقة العمل التابعة للأمم المتحدة المعنية بالأمراض غير السارية من دعمٍ لهذه الجهود البنّاءة، ونؤكد استعدادنا لمواصلة دعمكم في المرحلة التالية من مساركم الواعد. ويسرّني للغاية كذلك انضمام مسقط إلى شراكة المدن الصحية، وهي شبكة عالمية لمعالجة الإصابات والأمراض غير السارية، وأصبحت مسقط عضواً في هذه الشبكة، ونتطلع إلى دعم سلطات المدينة في مساعيها الرامية إلى حماية مواطنيها من الأمراض غير السارية.

وأوضح: في العام الماضي، أطلقت استراتيجية التعاون القُطري بين منظمة الصحة العالمية وسلطنة عُمان، وخطة العمل الوطنية للأمراض غير السارية، ولقد شهدت السلطنة شأنها في ذلك شأن العديد من البلدان، تحولا كبيرا في عبء المرض، فقد أصبحت الأمراض غير السارية اليوم السبب الرئيسي للوفاة المبكرة، ليس في عُمان فحسب، وإنما على الصعيد العالمي. ففي كل عام، يلقى 4 ملايين شخص حتفهم جراء النوبات القلبية والسكتة الدماغية والسرطان والأمراض التنفسية المزمنة ومرض السكري أو أحد الاضطرابات النفسية، وهو ما يشكّل أكثر من 70% من مجموع الوفيات حول العالم، والتأثير المدمّر لذلك لا يقتصر على الناحية الإنسانية، وإنما يمتد ليشلّ حركة الاقتصاد، سواء من حيث تكاليف علاج الأشخاص المصابين بأمراض طويلة الأجل، أو من حيث الإنتاجية المفقودة.لذلك، فإن اتخاذ إجراءات حاسمة لمكافحة الأمراض غير السارية ليس ضرورة أخلاقية فحسب، بل هو ضرورة اقتصادية أيضا.

وقال مدير عام المنظمة مواصلا حديثه: جميعنا تأثر بالأمراض غير السارية بشكل أو بآخر، فالكثيرون من بيننا إما من الناجين من أحد هذه الأمراض أو من المكافحين للنجاة منها، ولعلنا جميعًا فقدنا عزيزاً علينا بسبب أحد هذه الأمراض، وفي عام 2015، اجتمع قادة العالم ليعلنوا التزامهم بالحد من الوفيات المبكرة الناجمة عن الأمراض غير السارية بمقدار الثلث بحلول عام 2030. وأمامنا اليوم عشر سنوات فقط للوفاء بهذا الالتزام. فكيف هو أداؤنا؟ الجواب: ليس جيدًا. فوفقًا للاتجاهات الحالية، 40 دولة فقط ستتمكن من بلوغ هذا الهدف.والمأساة هي أن الكثير من هذه المعاناة يمكن الوقاية منها بالكامل، ونعلم جيداً ما هي الحلول وهي: وقف تعاطي التبغ، الحد من تناول ملح الطعام، تقليل استهلاك السكر، زيادة النشاط البدني، التخلص من الدهون المتحوّلة المنتجة صناعياً، معالجة المزيد من الأشخاص المصابين بارتفاع ضغط الدم، وكل هذه التدخلات هي جزء من مجموعة «أفضل الخيارات» لمنظمة الصحة العالمية - وهي مجموعة تضمّ 16 طريقة من الطرق الأكثر فعالية لإنقاذ الأرواح، وكذلك أيضًا لتوفير المال.

تغطية شاملة

واكد مدير عام منظمة الصحة العالمية: إن التغطية الصحية الشاملة هي الأولوية العليا لمنظمة الصحة العالمية، فرؤية المنظمة تتلخص في عالم يتلقى فيه جميع الناس الخدمات الصحية التي يحتاجونها، دون تكبّد أي مشقة مالية في سبيل ذلك. إن التغطية الصحية الشاملة هي السبيل الأفضل لضمان حصول الناس على الخدمات التي يحتاجونها للوقاية من الأمراض غير السارية - بل جميع الأمراض - وتشخيصها وعلاجها. وأشار إلى أن قادة العالم من جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، البالغ عددها 193 دولة عضوا، اجمعوا خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة التي انعقدت سبتمبر الماضي على اعتماد الإعلان السياسي بشأن التغطية الصحية الشاملة وأمامنا اليوم فرصة ذهبية لإحداث تحوّل حقيقي في حياة مليارات الأشخاص، ليس من الجيل الحاضر فحسب، بل لأجيال المستقبل أيضا، ولكي يتحقق ذلك، تلزمنا القيادة السياسية والدعوة المثابرة والتنفيذ الصارم. ولكن التغلب على الأمراض غير السارية ليس وظيفة القطاع الصحي وحده، وإنما يقتضي جهوداً منسقة من طرف جميع القطاعات الحكومية، فضلاً عن القطاع الخاص والمجتمع المدني، لكلٍ منا دوره في تحقيق هذا الهدف، ابتداء من صنع القرارات السياسية الكبرى من الحكومات وصولاً إلى القرارات اليومية الأصغر حول ما نأكل ومقدار الرياضة التي نزاولها. نواجه اليوم تحدياً جسيماً لوقف المدّ الجارف للأمراض غير السارية، ولكن لا يجوز لنا أن نرضخ لهذا التحدي، يمكننا جميعاً أن نصنع الفرق، ما زال أمامنا ما يكفي من الوقت لبلوغ أهدافنا بحلول عام 2030، ولكن يجب أن نتحرك سريعاً وأن نتحرك معاً، وستكون الجائزة الكبرى عالماً أوفر صحةً وأكثر أمناً وإنصافاً للجميع.

مشاركة والتزام الجهات

وتضمن برنامج افتتاح الاجتماع العالمي عرض كلمة مسجلة لمعالي الدكتور أحمد بن محمد بن عبيد السعيدي وزير الصحة أكد في بدايتها على أن الاجتماع فرصة مناسبة لمراجعة واستعراض التقدم المحرز في المرامي المرتبطة بالأمراض غير المعدية والصحة العقلية.

وقال معاليه : شهدت سلطنة عمان تحولاً من الأمراض المعدية إلى الأمراض المزمنة كالسكري وأمراض القلب والجهاز الدوري والسرطان وأمراض جهاز التنفس المزمنة، وهذه الأمراض هي المسبب لحوالي 71% من الوفيات في الفئة العمرية من 30 - 70 عام، وقد سجلت مؤسسات الرعاية الصحية الأولية حوالي 6700 مريضاً جديداً من مرضى السكري خلال عام 2018 مقابل 5500 في عام 2010 و 1615 مريض سرطان مقابل 1050، وتؤدي هذه الأمراض إلى حوالي 100 وفاة لكل ألف من السكان في الفئة العمرية 30 إلى 70 سنة.

وأضاف: يكمن جوهر السيطرة على هذه الأمراض في التحكم في عوامل الخطورة لها والتي يمكن تحديدها في أربعة عوامل خطورة أساسية هي التدخين وتناول الكحول والغذاء غير الصحي وقلة ممارسة النشاط البدني، وهذا يلزمه تعاون قطاعات مختلفة، بالإضافة إلى قطاع صحي يرتكز على الرعاية الصحية الأولية ذات المردود العالي بالنسبة للتكلفة ويحقق التغطية الصحية الشاملة للمجتمع، وإدراكاً منا لذلك فقد عملنا في سلطنة عمان على تقوية الرعاية الصحية الأولية على مدى السنوات، كما قمنا بدمج الوقاية منه والتحكم في الأمراض غير المعدية كأحد مكونات الرعاية الصحية الأولية، وتكوين لجان صحية من ممثلين من قطاعات مختلفة.

وأكد معالي وزير الصحة على أن النجاح في التصدي للأمراض غير المعدية وتعزيز الصحة العقلية يتطلب مشاركة وتعاون والتزام أصحاب العلاقة من مختلف القطاعات، وليس فقط قطاع الصحة، وبناءً على النحو المبين في الاجتماع الرفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2011 ، فقد أنشأت سلطنة عمان في عام 2012 اللجنة الوطنية للوقاية من الأمراض المزمنة غير المعدية ومكافحتها، والتي تضم ممثلين من مختلف القطاعات، وتعتبر منصة متعددة القطاعات للجهود الجماعية لوضع سياسات واستراتيجيات وخطط للحد من عبء الأمراض غير المعدية.

وذكر معاليه: تماشياً مع خطة العمل العالمية للوقاية من الأمراض غير المعدية ومكافحتها، قامت السلطنة تحت إشراف اللجنة التوجيهية الوطنية متعددة القطاعات بوضع وتطبيق خطة العمل الوطنية المتعددة القطاعات 2016 - 2025 بهدف تحقيق الأهداف العالمية الطوعية التسعة، بما في ذلك خفض الوفيات الإجمالية الناجمة عن أمراض القلب والجهاز الدوري والسرطان ومرض السكري وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة بنسبة 25%.

واستطرد معاليه مخاطبا الحضور: يواجه العديد منكم تحديات مماثلة في بلدانكم، لذا يتعين علينا الجمع بين معارفنا وخبراتنا ومواردنا واتخاذ إجراءات استباقية لمواجهة العبء المتزايد الذي لا مفر منه للأمراض غير المعدية ونحن في عمان مستعدون لتبادل خبرتنا في هذا الصدد والتعلم من خبراتكم ونشجع التعاون الإقليمي والدولي والاستفادة من منظمة الصحة العالمية وتجارب وخبرات الدول الأعضاء في أماكن أخرى من العالم لتقديم أفضل الممارسات لخدمة المواطنين والمقيمين في بلدان منطقتنا. وعلاوة على ذلك، فإن التكاليف المتزايدة للأمراض غير المعدية تتطلب منا مراجعة خيارات التمويل الصحي الموجودة داخل هياكل النظم الصحية، وقد يستلزم ذلك إجراء إصلاحات مؤسسية من أجل زيادة الاستفادة من الموارد إلى الحد الأقصى وضمان تقديم خدمات عالية الجودة لجميع الفئات السكانية.

واختتم السعيدي كلمته قائلا : نظراً لكون سلطنة عمان جزءا من منطقة إقليم شرق المتوسط، التي تعاني من تحديات وكوارث من صنع الإنسان بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية، ونحن في حاجة ماسة إلى السلام لتحقيق التنمية المستدامة عموماً والمتعلقة بالصحة خصوصاً، لذا فقد نظمت سلطنة عمان بالتعاون مع حكومة سويسرا مشاورات متبادلة الشهر الماضي في جنيف لإطلاق مبادرة الصحة من أجل السلام، وأود أن أغتنم الفرصة لأدعو ممثلي دولكم إلى الحدث الجانبي المزمع عقده في جمعية الصحة العالمية 2020 لتقديم هذا المفهوم والحصول على دعمكم لهذه المبادرة آخذين في الاعتبار أن الأمراض غير المعدية واضطرابات الصحة العقلية لا تزال تشكل العبء الرئيسي للوفيات والمراضة الناجمة عن انهيار النظم الصحي في مناطق النزاعات والكوارث.

التنمية المستدامة

وخلال الجلسة الافتتاحية قدم سعادة الدكتور أحمد بن سالم المنظري المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط كلمة اكد فيها على أهمية معالجة الأمراض غير السارية والصحة النفسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالصحة بحلول عام 2030.

وقال : لم يعد أمامنا سوى وقت قصير جدًا لنحقق غاياتنا، فنحن نعيش في عالم متنوع وديناميكي مليء بالتحديات الجسيمة، وهناك أمثلة عديدة على ذلك في إقليم شرق المتوسط؛ فبينما تتمتع بعض بلدان الإقليم بأحدث التكنولوجيات، تفتقر بلدان أخرى إلى المياه وخدمات الإصحاح والكهرباء. ومن المحزن أن شعوبنا تعاني من حالات طوارئ على نطاق غير مسبوق، ونشاهد من حولنا في كل مكان مظاهر للفقر والصراعات وأنماط الحياة غير الصحية والتدهور البيئي، ما يسبب المرض والإعاقة والموت.

واستطرد قائلا: وبرغم ذلك، فإنني على يقين أننا قادرون على تحقيق تقدم جذري إذا تعاونا معًا. فلدى المنظمة رؤية لهذا الإقليم وهي: الصحة للجميع وبالجميع. وتجسد هذه الرؤية اقتناعي الراسخ بالأهمية الكبرى للصحة التي لا تقتصر المسؤولية عنها على العاملين الصحيين فقط. فنحن نحتاج إلى مشاركة الجميع وتمكينهم حتى يصبح العالم مكانًا أفضل لكل البشر في كل مكان ولضمان عدم تخلف أحد عن الركب.وهذه، بطبيعة الحال، هي المبادئ التوجيهية للتنمية المستدامة ولبرامج العمل الإنسانية.

وفيما أوضح بأن الطرق التقليدية في العمل لن تكفي لتحقيق الأهداف الإنمائية بحلول عام 2030 ، أكد سعادته بأنه يمكن إحداث نقلة نوعية في مجال الصحة العامة بالتعاون والعمل معًا، وبحشد الموارد الدولية والمحلية، والاستفادة منها بكفاءة، وبالتركيز على تقديم رعاية تركز على الناس عبر سلسلة متصلة وكاملة لتعزيز الصحة والوقاية والعلاج والتأهيل والشفاء.

وشدد المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط في ختام كلمته قائلا : علينا واجب يهدف إلى تخفيف المعاناة البشرية والمالية، ولا بد أن يتضمن هذا الواجب توفير الرعاية لأكثر الحالات المرضية في تاريخ البشرية إضعافا وإنهاكا مثل السرطان، والسكري، والأمراض القلبية الوعائية وأمراض الرئة، والاكتئاب، والذهان، والإدمان، والسلوك الانتحاري. ويجب علينا أيضًا أن نعالج عوامل الخطر التي تسبب تلك الأمراض مثل تعاطي التبغ والمواد، والنظم الغذائية غير الصحية، والخمول البدني، وتلوث الهواء. وبالقيام بذلك، لن نحسن فقط صحة الأفراد والمجتمعات ورفاهيتهم، بل سنجني أيضًا أرباحا مالية وإنمائية ملموسة.

وأضاف: إن الناس يعتمدون علينا، وقد وعد قادة العالم شعوبهم بتحقيق الصحة والرفاهية للجميع في كل الفئات العمرية، من دون أن يتخلف أحد عن الركب. ومن ثم، نحن مسؤولون عن إحداث التغيير وتحسين حياة المليارات من البشر. إننا ندرك عوامل النجاح. وهناك حلول ناجعة جرى تجربتها واختبارها من قبل. والآن علينا أن نتعاون معًا لتطبيقها - للتقدم بجرأة وفي توافق تام صوب تحقيق رؤية الصحة للجميع وبالجميع.