adil
adil
أعمدة

الـدولار

10 ديسمبر 2019
10 ديسمبر 2019

عادل محمود -

بسبب أزمة ارتفاع الدولار وسقوط الليرة السورية، فكرت، لأول مرة بفضول صبياني، بالتعرف على هذه الشخصية الورقية الخضراء -الدولار- عن أصلها وفصلها وقيمتها ثم جريمتها. وتذكرت رحلة الطائرة من قبرص إلى دمشق في إحدى سنوات الثمانينات جاء مضيف وسيم وسألني إذا أمكن أن يستبدل ورقة بمائة دولار بقطع صغيرة، عشرينات عشرات. وتبرعت وتورطت وأعطيته، وقلت مازحًا: إذا مزيفة يا ويلك؟

طبعًا كانت مزيفة جدًا.

وذات يوم دعيت إلى مهرجان الشعر العربي الفرنسي في معهد العالم العربي. وكانت لدي قطعة من مائة دولار. ذهبت متسلحًا بها، ومتمترسًا وراء فكرة: «استغن عن الشيء لا به» فأنا لن أحتاج شيئًا ما دمت ضيفًا. ولا أريد أن اشتري هدايا ولا عطورات. في العودة قررت أن من العار العودة بهذه الورقة، فصرفتها!

كل مصائب الدنيا -اكتشفت- وراءها هذه الورقة الخضراء. كل ثروات الأغنياء تقيم بالدولار. وكل فقر الدنيا يقيّم بخط الفقر حين يعيش الفرد بأقل من دولار. ولتمويل الإرهاب والحروب لابد من الدولار.

وتساءلت بيني وبين جهلي. ألا يمكن العودة باقتصاد الدول والتجارة بين الدول إلى عصر السلعة، وتبادل القيمة العينية؟ ألا يمكن التبادل بالعملات المحلية والإقليمية والدولية بعيدًا عن الدولار؟

رحت اقرأ الاتفاقية المؤسسة للخراب الكوني، وأرجو أن أكون قد فهمتها كما هي معروضة الآن، وهي اتفاقية «بريتون» التي تتعهد أمريكا بموجبها بتغطية كل الدولارات الموجودة في جيوب وبنوك العالم بالذهب. أي أن كل من يملك 35 دولارًا في جيبه يمكنه أن يستبدلها بأوقية من الذهب، من البنك المركزي الأمريكي.

ومنذ تلك اللحظة سمي الدولار «عملة صعبة» وبناء على هذا التعهد. بدأت الدول والأفراد بجمع أكبر قدر من الدولارات في الخزائن على أمل تحويلها إلى ذهب في أي وقت. واستمر الاطمئنان على هذه الحال إلى السبعينات من القرن الماضي، حيث وقف الرئيس نيكسون، وفاجأ العالم بما لا يمكن تصديقه، في كابوس حين أعلن: بأن الولايات المتحدة لن تسلم خازني الدولارات مقابلها من الذهب.

وليكتشف العالم أن الولايات المتحدة كانت تطبع ما تشاء من الدولارات بعيدًا عن الذهب المخزون لديها. وبأنها اشترت ولسنوات طويلة معظم ثروات الشعوب والدول بحفنة من الأوراق الخضراء التي أصدرتها مطابع الخزينة الأمريكية.

هذه الورطة لا تخلو من الفكاهة السوداء «لإنقاذ الدولار. لابد من الدولار». أما الذهب فلينم هانئا في البنك المركزي الأمريكي.

في فيلم «من أجل حفنة من الدولارات» يشتبك الكاوبوي البطل مع عصابة، فتصيبه رصاصة في صدره في منطقة القلب، ويرى المتفرج بوضوح، كيف صدمته الرصاصة، ثم نكتشف أن الرجل لم يصب بأذى؛ لأن الرصاصة اصطدمت بدولار فضي في جيب قميصه الأيسر، البشع في الدولار. أنه أداة لشراء الضمير.