أفكار وآراء

بين الرياضة والسياسة وآمال الشعوب

10 ديسمبر 2019
10 ديسمبر 2019

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

إن عودة مجلس التعاون لنشاطه وحركته سوف يؤدي إلى نجاح تنفيذ الرؤى الاقتصادية من خلال الحفاظ على المقدرات حيث إنهاء الحرب في اليمن والأزمة الخليجية لأن مكاسب ذلك مهمة للاقتصاديات الخليجية وهي تنطلق من خلال اعتماد الموازنات للعام الجديد الذي يهل علينا بعد أيام.

في تاريخ العلاقات الدولية هناك أزمات سياسية حاده لعبت من خلالها الرياضة دورا محوريا لإذابة جليد تلك الخلافات ولعل أشهر تلك الأزمات هي الخلاف الأيديولوجي العميق بين الولايات المتحدة والصين وكيف استطاعت مباراة بين الفرق الصينية والفرق الأمريكية في رياضة تنس الطاولة او البينج بونج أن تتغلب علي ذلك الخلاف السياسي وتمهد للزياره التاريخية للرئيس ريتشارد نيكسون للصين والانفتاح الدبلوماسي بين بكين وواشنطن.

وقبل أيام شهدت دورة كأس الخليج رقم 24 في دولة قطر مشاعر إيجابية بين جموع الرياضيين في الدوحة حيث استطاعت تلك الدورة الرياضية أن تجمع بين شعوب المنطقة من خلال المشاعر الجياشة ومن خلال التآلف والتقارب بين شعوب المنطقة مما أعطى مؤشرات على قرب إنهاء الأزمة الخليجية والدفع بمنظمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى الأمام.

إن الرياضة لها مفعول السحر وكان منظر الجماهير الخليجية في الملاعب القطرية يعطي دلالات واضحة على أن الشعوب تبقى متواصلة في ظل ما يربط شعوب المنطقة من جغرافيا واحدة وتاريخ مشترك وروابط ووشائج اجتماعية تحتم على دول المجلس أن تتعدى الخلافات وأن يكون الحوار هو الآلية والخيار والذي من خلاله تحل الخلافات بين الأشقاء.

ومع كتابة ونشر هذه السطور تكون القمه الخليجية رقم 40 قد اختتمت أعمالها في العاصمة السعودية الرياض وسط مؤشرات على قرب المصالحة بين الأشقاء وطي الخلافات حتى ينطلق مجلس التعاون لتحقيق المزيد من المكاسب الاقتصادية والاجتماعية لشعوب المنطقة.

مواجهة التحديات

تواجه منظومة مجلس التعاون تحديات عديدة في ظل منطقه حساسة وحيوية للاقتصاد والمصالح الدولية فهناك الطاقة التي تخرج من المنطقة عبر مضيق هرمز الاستراتيجي في اتجاه الدول الصناعية شرقا وغربا وهناك التوتر بين إيران والولايات المتحدة وهناك الحرب الكارثية في اليمن، ومن هنا فان مواجهة تلك التحديات الجيو-سياسية تحتاج إلى تكتل جماعي واحد ونحن هنا نتحدث عن مجلس التعاون الخليجي هذا التكتل الذي انطلق عام 1981 بقمته الأولى في أبوظبي ويعد التجمع الإقليمي الأهم في منطقة الشرق الأوسط.

وعلي ضوء تلك التحديات فان المسؤولية تحتم أن يكون هناك حوار معمق بين دول المجلس حول ضرورة تقوية المجلس والمحافظة على الكيان الخليجي لأنه يعد صمام الأمان كما أن هناك أجيالا جديدة تحتاج إلى الاستقرار والانطلاق في مجال العلوم والثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي وهذا الأمر يحتاج إلي مناخ سياسي مستقر والي فرص واعدة تمكن الجيل الجديد من تجديد الفكر وتطبيق الرؤى الجديدة لخدمة الأوطان.

فالتوتر السياسي والخلافات لا تعطي الفرصة للإبداع بل تعطل المبدعين وتعرقل الملكات العقلية من الانطلاق نحو آفاق العمل المشترك والدفع بالعمل الخليجي إلى الأمام ومن هنا فان حل الخلافات من خلال الحوار يعد المدخل الصحيح ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، وكانت كأس الخليج في الدوحة هي الشرارة التي عبرت من خلالها الشعوب الخليجية عن طموحها ومشاعرها ورفضها لأي قطيعة بين الشعوب لأن ذلك ضد قواعد التاريخ والمصير المشترك لأبناء هذه المنطقة.

ولا شك أن ذلك رسالة واضحة من شعوب المنطقة إلى القيادات السياسية في دول مجلس التعاون بان الكيان الخليجي سيبقى هو السياج الذي يحمي مصالح شعوب المنطقة وأن الخلافات بين الدول واردة ولكن القطيعة مرفوضة وان الحوار يظل هو الطريق الصحيح لحل أي إشكالات.

وأمام تلك التحديات الأمنية والاستراتيجية تبقى منطقة الخليج بحاجة إلى السلام منذ عام 1976 من خلال اجتماع وزراء خارجية دول المنطقة دول المجلس وإيران والعراق في مسقط ولا تزال مبادئ إعلان مسقط صالحة لإيجاد منظومة أمنية وعلاقات أخوية بين دول الإقليم بعيدا عن التوتر والمهاترات الإعلامية ومن خلال دور الرياضة فهناك آمال كبيرة في فتح صفحة جديدة والالتقاء علي كلمة سواء من خلال قرارات قمة الرياض التي صدرت بالأمس ومن خلال تواصل الجهود العمانية والكويتية لإنهاء تلك الأزمة وأيضا إنهاء الحرب في اليمن.

البينج بونج الخليجي

رغم الفوارق الموضوعية بين الحالة الصينية-الأمريكية ودور رياضة البينج بونج في عودة العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وبكين إلا أن المبدا يظل واحدا وهو دور الرياضة في التقريب بين الشعوب ولا شك أن كأس الخليج وما جري من خلال أحداثها أعطت مؤشرا على التلاحم بين الشعوب واستذكر الجميع دور رياضة البينج بونج في إذابة الخلافات بين الدول.

كانت أحاديث الجماهير الخليجية في الدوحة معبرة عن عمق المشاعر والمحبة بين الشعوب وهذا يعطي إشارة قوية للقيادات بأن مصير المنطقة واحد وأن ما يجمع بين الشعوب هو أكبر بكثير من خلاف سياسي عابر ومن هنا فانه يمكن البناء علي ما تحقق في دورة كأس الخليج في الدوحة وان تكون الرسالة الجماهيرية قد وصلت حيث إن استمرار الخلاف لا يخدم المنطقة وشعوبها.

لقد فتحت دورة كأس الخليج الأبواب نحو تلاحم خليجي ونحو استمرار الوشائج الاجتماعية القوية التي تربط شعوب المنطقة على ضفاف الخليج وهذا ما عبرت عنه الجماهير الخليجية عبر شاشات التلفزيون ومنصات التواصل الاجتماعي والاتصالات الهاتفية التي تم رصدها علاوة على الحفاوة التي قدمتها دولة قطر الشقيقة لتلك الجماهير التي جاءت من دول مجلس التعاون لتشجيع منتخباتها وقد تجلت تلك المشاعر في الفرحة الخليجية بفوز المنتخب البحريني الشقيق بكأس الخليج وتلك المشاعر المتدفقة التي عبرت عنها الجماهير مما يعطي أملا كبيرا في عودة المياه إلى مجاريها.

لقد أثبتت الرياضة أنها تتسامي فوق أي خلاف وسادت الروح الرياضية بين اللاعبين والجماهير علي الملاعب القطرية ومن هنا فان رسالة الشعوب هي أقوى صوتا وتعبيرا على ضرورة توحيد أهداف المنطقة وأن المحافظة على كيان مجلس التعاون هي مسألة حيوية تدخل في إطار المحافظة على الأمن القومي للمنطقة في ظل النظرة الاستراتيجية الأوسع.

التطلعات الإيجابية

العالم يشهد منافسة اقتصادية كبيرة من خلال التكتلات الإقليمية في أوروبا حيث وجود الاتحاد الأوروبي وأيضا في آسيا حيث وجود منظمة الآسيان وفي أفريقيا حيث وجود الاتحاد الأفريقي وأيضا في أمريكا اللاتينية وحتى أمريكا الشمالية من خلال اتفاقية التجارة بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.

كما أن المفاوضات متواصلة لإبرام اتفاق تجاري كبير بين الولايات المتحدة والصين وأمام هذه التجمعات الإقليمية والاتفاقيات التجارية لابد لمجلس التعاون من خلال دوله الست دور كبير في مجال السوق الخليجية المشترك والنقل الموحد والتشريعات والقوانين التي تخدم قضايا التنمية والاستثمار المشترك.

كما أن عودة مجلس التعاون لنشاطه وحركته سوف يؤدي إلى نجاح تنفيذ الرؤى الاقتصادية من خلال الحفاظ علي المقدرات حيث إنهاء الحرب في اليمن والأزمة الخليجية لأن مكاسب ذلك مهمة للاقتصاديات الخليجية وهي تنطلق من خلال اعتماد الموازنات للعام الجديد الذي يهل علينا بعد أيام.

إذن هناك تطلعات شعبيه نحو احتواء الأزمات والخلافات وان يكون عام 2020 عام انطلاقه العمل الخليجي المشترك ووصولا للتكامل الاقتصادي والدفع بدور المجلس للأمام وهذا بدوره سوف يفتح آمالا كبيرة لتطوير التعليم كمدخل أساسي للنهوض بالسياسات التنموية والوصول إلى مؤشرات عالمية إيجابية في كل القطاعات.

وفي المحصلة النهائية أثبتت الرياضة دورها الكبير في حلحلة الأزمات من خلال الدور الجماهيري ولقاء الأشقاء علي أي ارض خليجية متطلعين إلى أجواء إيجابية كما هي أجواء الشتاء الجميلة في منطقة الخليج هذه الأيام.