1389801
1389801
المنوعات

«كاري في مولينز» يكتب: لماذا ينبغي على الأمريكيين جميعا أن يقرأوا سيدات القمر؟

08 ديسمبر 2019
08 ديسمبر 2019

ترجمة: أحمد شافعي -

فازت رواية «سيدات القمر» لجوخة الحارثي بجائزة مانبوكر الدولية للعام الحالي بسبب جمال تصويرها تاريخا متشابكا لأسرة في قرية العوافي في عُمان. كانت الرواية أول عمل مترجم من العربية يفوز بالجائزة، والأكثر إدهاشا أنها أول رواية لامرأة من عُمان تترجم إلى اللغة الإنجليزية على الإطلاق. ويلخص إنجاز ثلاثي الأسباب التي تجعل قراءة «سيدات القمر» ضرورة للأمريكيين: هي رواية رائعة فريدة، وهي كذلك توفر لنا فرصة متزايدة الندرة للاشتباك مع عمل محتفى به بدون أن يكون عن الأمريكيين بأي حال وبدون أن يكون موجها إليهم، فليست غاية هذا العمل محاباة الأمريكيين أو ازدرائهم، بل هو غير معني بهم بالمرة.

لجوخة الحارثي ثلاثة كتب قصصية وثلاث روايات. وهي عمانية، كانت تعيش في إدنبره لنيل درجة الدكتوراه واستشعرت شوقا إلى الوطن، «فما كان مني» ـ كما قالت لجارديان ـ «إلا أن جلست أفكر، لا في عمان على وجه التحديد، بل في حياة مختلفة، ولغة مختلفة. ولأنني أحب لغتي كثيرا، شعرت بالحاجة إلى الكتابة بلغتي». تتواثب «سيدات القمر» إلى الوراء وإلى الأمام بين وجهات النظر والزمن، راسمة نسيجا معقدا لقرية العوافي في ريف عمان على مدار نصف القرن الماضي. نسمع الكثير من عبد الله، ابن التاجر الثري التعيس في زواجه بامرأة لا تبادله حبا بحب. لكن برغم أن عبد الله هو مركز شبكة القصة، فهو ليس ببطل الرواية، لأنه ما من بطل في الرواية. بل إننا نسمع من القرية كلها، من الجميع، سواء زوجة عبدالله وابنته (اسمها لندن، واختيار هذا الاسم يستدعي السخرية من أفراد العائلة الأميل إلى المحافظة) إلى شحاذ القرية و»السرية» التي كانت والدة بديلة لعبد الله.

هذه تجربة حاسمة في وقت يقصر الأمريكيون أنفسهم فيه «بصورة فائقة للمعتاد» على ما يعكس رؤاهم من الفن والإعلام. وسواء من خلال شبكات الأخبار الحزبية أو المتأمرك من الكتب والأفلام والمسلسلات، يفقد كثير من الأمريكيين القدرة على الإحساس بالارتياح في ما ليس مصمما من أجلهم من العوالم. والأمريكيون من شتى الأطياف ـ لا سيما البيض منهم ـ بحاجة إلى قراءة أمثال «سيدات القمر» من الكتب التي تقدم ثقافة أخرى بشروطها فتتيح لنا أن نكون الآخر.

من بين آثار هذه اللوحة الهائلة من الشخصيات أن «سيدات القمر» تصبح صورة لبلد سريع التغير بقدر ما هي صورة أسرة بعينها. لقد تعرضت عمان لتغير هائل على مدار نصف القرن الماضي في ظل حكم السلطان قابوس الذي حكم عُمان سنة 1970 وبدأ إصلاح بلده، محيلا المجتمع التقليدي إلى بلد احتل مكانه وسط دول الخليج الحديثة. تبين جوخة الحارثي أن آثار هذا التحديث تمتد إلى كل جيل، لا سيما الشباب الممزقين بين تقاليدهم العائلية ورغباتهم الخاصة. وذلك في سيناريو تقليدي كالذي نراه حينما يصير على عبد الله حديث الزواج أن يختار بين أبيه الذي يريد بقاءه في العوافي ليدير المنزل الذي جمع فيه التاجر الثري أهله ومملوكيه، وبين زوجته التي تريد الانتقال إلى مسقط التي تتوافد عليها الأسر الشابة لتقيم بيوتها وتستوطنها.

بمرور السنين، نشأ جدال بين عمان والتأثير الغربي، تعترف به جوخة الحارثي عبر تفاصيل تحكيها من قبيل ميل الشخصية الثرية إلى العطور والسيارات الغربية. ولكن «سيدات القمر» لا تصور تطور عمان مطلقا باعتباره تطورا نحو القيم الغربية بصفة خاصة، بل باعتباره تقدما لثقافة محلية تبقى جذورها عميقة الغور في الماضي ضاربة في قلب المجتمع. وانظروا على سبيل المثال إلى وصف جوخة الحارثي لمنزل مسعودة وهي من أفقر أهل القرية: «تصطف على جدرانها نسخ ورقية مهترئة من صور المسجد الحرام والمسجد النبوي وصورة ملونة مثبتة بخلفية خشبية للبراق ... تتكئ منامات من القماش الرخيص محشوة بالإسفنج على الجدار مع بعض الأدوات البلاستيكية: سلال بأحجام وألوان مختلفة، ومغارف كبيرة وأوعية بأغطية بيضاء». برغم أن بيت مسعودة يعكس ركام الحياة الحديثة، توضح جوخة الحارثي ما له الصدارة، سواء في وصفها أم في حياة مسعودة: إيمان المرأة. حتى عبدالله، رجل الأعمال الناجح الذي يروي قصته وهو على متن طائرة متجهة إلى فرانكفورت، فإنه يقضي رحلته كاملة يفكر في العوافي بدلا من أن يفكر في وجهته. في أمريكا غالبا ما يُفهم التحديث باعتباره تحولا إلى القيم والممارسات الغربية، ونحن نقدِّر تقدم ثقافة من خلال مقارنتها بثقافتنا. جوخة الحارثي تقترح سيناريو آخر وتطلب منا أن ننظر في أمر الثقافات الأخرى بوصفها ثقافات مستقلة عن المعايير الأمريكية.

تقدم جوخة الحارثي استقلال عمان الثقافي بعدم استرضائها جمهورا أمريكيا. فكتابها مثقل بتفاصيل ثقافة عمان وتاريخها، لكنها نادرا ما تشرحها لنا أو تطرحها طرحا سياقيا. فمثلا، عندما تقرأ أسماء المغرمة بالكتب نصوصها الكثيرة، لا تكون ثمة إشارة تتيح لنا أن نعرف من أي عمل تاريخي أو ديني تأخذها أو ما الذي تعنيه. وحينما يزور عزان، رجل الأعمال، بدوين، لا نجد شرحا لتاريخ بدوين البدوي المعقد في عمان، ليس إلا الانجذاب الذي يستشعره نحو نجية المرأة الجميلة، صاحبة العزيمة والشجاعة، المرأة التي تحمل اسم القمر نفسه.

لم ينقض وقت يذكر على شروعي في قراءة «سيدات القمر» حتى بدأت بعض القراءات عن تاريخ عمان لأزداد فهما للقوى السياسية والاجتماعية التي تصوغ الكتاب. وهذا ليس ضروريا بشكل مطلق، فلستم بحاجة إلى أي معرفة مسبقة لتستمتعوا بقراءة «سيدات القمر» بوصفها قصة حب وفقد مقنعة مليئة بتفاصيل عمان الحية. لكنني ممتن للأدب أن يكشف لي نقص معرفتي، لا بوصفه تحديا بل بوصفه فرصة لمزيد من التعلم. لأنه في حين لا يحتاج الأمريكيون جميعا إلى من يسترضيهم، فإننا نعيش في بلد غالبا ما يأتيه الفن محمولا على ثقافة. وتأملوا إصرارنا على تحويل المسلسلات التليفزيونية والأفلام إلى نسخ «متأمركة»، أو كيف نهيئ كتب هاري بوتر للقراء الأمريكيين مغيرين التعبيرات البريطانية إلى نظائرها الأمريكية وكأن القراء الصغار لن يفهموها. إن مغزى أمركة الفن هو جعله أكثر راحة وإمتاعا وأعلى ربحا. والمشكلة أنكم حينما تعتادون على الاشتباك مع فن لا يعكس إلا رؤيتكم للعالم، فإنكم تتلقون كذلك رسالة مفادها أنه لا قيمة لتفاعلكم مع الثقافات الأخرى.

إن قراءة الكتب المترجمة طريقة مهمة لغمس أنفسنا في الثقافات الأخرى، لكن أمريكا لسوء الحظ لا تكاد تقرأ كتبا مترجمة، فليس بين ما يطبع من سرد وشعر في هذا البلد في العام من الترجمات إلا 0.7%، وهو أقل كثيرا من أعراف البلاد الأخرى. بدلا من ذلك نقرأ كتبا مكتوبة بالإنجليزية وهي بطبيعتها أيسر على الفهم. إن الأمريكيين بحاجة إلى أن يفكروا تفكيرا نقديا في نوعية الكتب التي نقرأها وما يوجد لنا في أفق عالم النشر. ولد بدأ أخيرا حوار حول تزايد التنوع في النشر، وأرجو أن ننظر أيضا في مسألة التنوع الثقافي.

لأن نشر كتب مثل «سيدات القمر» وشراءها وقراءتها تقطع بأننا نكن تقديرا للثقافات غير الغربية. وبرغم طول التجاهل يبقى على القدر نفسه من الأهمية أن هذه الكتب تعطينا تجربة أن نكون الآخر، وهي فرصة ليست سلبية طيلة الوقت.