1387091
1387091
إشراقات

«التطوع» نهج إسلامي عنوانه «الإرادة والعزم.. الألفة والتفاهم»

05 ديسمبر 2019
05 ديسمبر 2019

أهميته في التماسك المجتمعي -

حمود بن عامر الصوافي -

((ونحن في مجتمعنا العماني الذي تربى على الأخلاق الحميدة والقيم النبيلة والرأي السديد دأبنا على التعاون وتقديم العون للآخرين، فلا ينبغي لهذا الاتجاه أن يذبل، ولا يجدر بهذه الخلال أن تنحرف ولا يليق بهذه القيم السامقة إلا أن تستمر في العطاء والخير وتقديم الأروع والأجمل لنا ولغيرنا بأسلوب حضاري ومنظم وطرق ومسالك جديدة لإدارة العمل التطوعي ليتحقق التعاون والتوازن ونصل إلى الرقي والسعادة)).

لا يمكن أن نعيش بمنأى عن الآخرين، أو أن نسير في درب دون أن نحتاج إلى بعضنا، ولا يمكن أن نقتحم لجج الحياة دون مراس وتعاون وتجانس مع غيرنا؛ لذا كان من الضرورة بمكان أن نكون يدا واحدة مع الآخرين وأن نساعد المحتاجين؛ لأننا سنحتاج لا محالة يوما إلى معاونتهم والاستفادة منهم ولا ريب أن الدنيا كما يدركها الجميع، ويعرفها العالمون قلابة؛ يوم لك ويوم عليك.

فما لم تساعد غيرك وتسعى لإسعاد الآخرين فقد ترى الدنيا كئيبة عليك ولو ملكت ما ملكت من أموال ودور وضياع وخزائن لأن سعادة الآخرين تؤثر على سعادتك سلبا وإيجابا فاسعد غيرك لتبقى سعيدا.

وكل شيء في الحياة محدود ومعرض للزوال ما عدا العمل الصالح والخير العميم، قال تعالى:« مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ، مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ».

فكم من أناس ملكوا خزائن الذهب والفضة؛ لكنهم لم يسعدوا طرفة عين بممتلكاتهم، وكم من أناس كانوا ملء السمع والبصر فإذا أحوالهم انقلبت رأسا على عقب فضاعت أموالهم ودورهم وشهرتهم فلم يبق منها إلا الهشيم ولكن في الجانب الآخر والضفة الأخرى هناك أناس وصلوا إلى ما وصلوا إليه من علم ومعرفة ورفعة وسؤدد وقدموا للآخرين الغالي والنفيس فاستمتعوا بالحياة حينما رأوا غيرهم يستمتع بها فزادتهم متعة وسعادة وحبورا وحبا لغيرهم، فأحبب غيرك وقدم له النفائس لتسعده أولا وتسعد نفسك ثانيا.

ونحن في مجتمعنا العماني الذي تربى على الأخلاق الحميدة والقيم النبيلة والرأي السديد دأبنا على التعاون وتقديم العون للآخرين فلا ينبغي لهذا الاتجاه أن يذبل، ولا يجدر بهذه الخلال أن تنحرف ولا يليق بهذه القيم السامقة إلا أن تستمر في العطاء والخير وتقديم الأروع والأجمل لنا ولغيرنا بأسلوب حضاري ومنظم وطرق ومسالك جديدة لإدارة العمل التطوعي ليتحقق التعاون والتوازن ونصل إلى الرقي والسعادة.

فليس بجميل أن نبقى على عادات قديمة وطرق عتيقة في إدارة مثل هذه الجمعيات دون تغيير في الأسلوب أو تحسين في الأداء فقد أخذت طرق العمل التطوعي ومساراته مسالك مختلفة وطرقا متباينة في مشارق الأرض ومغاربها فعلينا أن نستفيد من تجاربنا وتجارب الآخرين لنحقق أكبر قدر من النجاح.

وعلينا أن نعلي أولا من قيمة العمل التطوعي وشموليته فلا يجدر أن نقدمه بالصورة النمطية القديمة بل يكون شاملا لكل أفراد المجتمع وفي كل ما نحتاجه فنستفيد من اختلاف مشارب المجتمع وتنوع تخصصاته وثقافاته في شتى الميادين كل يدلو بدلوه ويقدم ما يراه الأنسب وفق خطط مدروسة فيها إبداع واحترافية في العمل؛ لأن هذه الأعمال التطوعية التي تعنى بجميع الفئات لا تقتصر فائدتها على الأفراد من الناحية المادية البحتة بل يطال هذا وذاك الترابط بين المجتمع فلا يشعر الفقير بفارق بينه وبينه أخيه الغني ولا يشعر صاحب المنصب المتدني بفارق بينه وبين الآخر ذي المنصب المتواضع فيعم الجميع الخير والسؤدد فيكون الفقير قد وجد من يأخذ بيده ويساعده على العمل ومثله المتكاسل والمتهاون والمتثاقل كل يحاول أن يفيد غيره من جهته، قال تعالى:« وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ».

ولا شك أنه سينشأ من جراء ذلك رضا الفقير على الغني ودعاؤه له بالخير والبعد عن حسده أو محاولة النيل منه أو تنقصه أو نعته بالبخل والشح وكذلك الغني سيأمن من سوء تذمر الفقير ومحاولة سلب ماله أو الاعتداء على حاله أو حسده بل سيدعو له بالزيادة والبركة وكذلك بالنسبة للعالم والعامل البسيط كل منهما يخدم الآخر ويقدم الخير والمساعدة لغيره فهذا يقدم علمه تطوعا، وذاك جهده بيده وبدنه والآخر بخبرته وذاك بشهادته كل يخدم الآخر وكذلك الطلاب سيجدون قسطا من المساعدة فكل مدرس في الحارة أو أستاذ يقدم ما يتقنه من دروس للطلاب، والطلاب أيضا يتعاونون مع المجتمع في عمل معسكرات تعنى بالنظافة وأخرى بتثقيف المجتمع وتطبيق ما فهموه وتعلموه من مدرسيهم فيتكامل المجتمع ويكتب له الأمن والاستقرار والرقي.

فالمجتمع عبارة عن أفراد وأسر تشد بعضها بعضا وتؤثر على بعضها فكلما حاولنا أن نصلح من حالنا وحال من حوالينا استطعنا أن نعلي من شأننا وشأن الآخرين لأن اللبنة إن كانت قوية متينة لا ريب أنها ستزهو وتثمر ثمارا يانعة عظيمة تكون قادرة على مواجهة الرياح العاتية والمصائب المتتابعة بل سنصنع من تلك الوحدة سدا منيعا لا يمكن زحزحته أو تحريكه من مكانه فلتكن اليد قوية وليكن الاستعداد قويا ولتكن العزيمة قوية لخلق مجتمع ناضج قادر على مواجهة المخاطر، قال تعالى:« أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ، يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ». صدق الله العظيم.

 

الحاجة إلى دعم وتنظيم -

زهرة سليمان أوشن -

((وفي رحلة الإنسان الطويلة تنوعت طرق ووسائل العمل الخيري وتعددت أوجهه وتنوعت أساليب تطبيقه باختلاف الزمان والمكان حتى صار العمل التطوعي عملا مؤسساتيا منظما له أدواره الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والثقافية المميزة ذات الأثر الواضح في عديد المجتمعات))

عرف العمل التطوعي عدة تعريفات، منها (العمل التطوعي هو الجهد الذي يبذله أي إنسان بلا مقابل رغبة منه في عمل الخير وتقديم الدعم أو المساعدة للآخرين).

وهنا لا بد أن أقف على نقاط مهمة حول هذا التعريف، أولا: أن المسلم عندما يقوم بالتطوع فإنه وإن كان لا يأخذ الأجرة على عمله فإنه يبتغي الأجر والإحسان من الله سبحانه وتعالى.

ثانيا: وهو في تطوعه ترافقه قيم الإسلام وأخلاقه التي تقوم على البر والإحسان، والتعاون والإتقان فيقدم المعونة والمساعدة للمسلم وغير المسلم بكل ود ومحبة وهو يبتغي مرضاة الله عز وجل ،، قال تعالى : (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا).

ثالثا: وأنه وهو ينفق من ماله وجهده ووقته يرقب الله في عطائه ويرجو الإخلاص في عمله ولا يبغي شهرة أو دعاية ويسعى لتنقية عمله من العجب والرياء، وهو في كل ذلك على يقين أنه لا حول له ولا قوة إلا بربه مولاه وأن المال ماله والفضل فضله وما هو إلا وسيلة وسبب سخره الله لإيصال الخير إلى عباده، محققا الاستجابة لقوله تعالى : (امنوا بالله ورسوله وانفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) وفي الأثر : (خير الناس أنفعهم للناس).

ولا شك أن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه وأن الناس يحتاج بعضهم بعضا والإنسان منذ مجيئه إلى الأرض قد أدرك أهمية التعاون والبذل والعطاء.

ثم إن بذور الخير المزروعة في أعماق الإنسان تخرج على شكل سلوك طيب فيه عطاء وبذل، مساندة ومساعدة، لا يبتغي وراءها الشخص أجرا ماديا مباشرا وإنما هو يغدي الجانب الإنساني فيه، فالبشر في النهاية إخوة في الإنسانية بغض النظر عن أعراقهم وألوانهم وأجناسهم، وإن كان للمسلم بعد أعمق وأبعد في تطوعه أشرت إليه في بداية مقالي هذا .

وفي رحلة الإنسان الطويلة تنوعت طرق ووسائل العمل الخيري وتعددت أوجهه وتنوعت أساليب تطبيقه باختلاف الزمان، والمكان حتى صار العمل التطوعي عملا مؤسساتيا منظما له أدواره الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والثقافية المميزة ذات الأثر الواضح في عديد المجتمعات.

ولعلي أقف عند أنواع من الأعمال التطوعية المشهورة في ماضينا وحاضرنا؛ التبرع بالمال بين فترة وأخرى خاصة في المناسبات الدينية أو الاجتماعية.

وتخصيص مبلغ أسبوعي أو شهري يتبرع به الشخص بنسبة من أمواله أو راتبه وهو هنا تبرع مبرمج ومنظم ومستمر، عملا بالحديث الشريف: (خير الأعمال أدومها وإن قل).

والمساهمة في تبرعات عينية أو مالية أو القيام بأعمال تطوعية عبر الانضمام لمؤسسة تطوعية تخدم في مجال إغاثي أو فكري أو اجتماعي أو ثقافي أو توعوي، وهذه لها أهميتها خاصة في هذا العصر الذي تعددت وتشابكت فيه الاحتياجات، ولا شك أن هذه الطرق المنظمة في تقديم العون والمساعدات بكافة أنواعها أجدى وأفضل وأعمق أثرا ولها مردود إيجابي جدا على الرفع من مستوى الفرد والجماعة .

والتبرع عبر تخصيص يوم للعمل أو ساعات للعمل التطوعي حسب وقت وظروف الإنسان ويكون ذلك من خلال فرق أو مجموعات وأن يكون هناك هدف محدد من هذا التطوع مثل غراسة الأشجار أو تقديم خدمات للمحتاجين أو الانضمام لحملات طبية أو دعوية أو توعوية من قبل المختصين .

وتخصيص عقار أو أموال أو حفر آبار أو إقامة مشاريع وقفا لله تعالى وهو من أعظم الأعمال ذات الأجر الممتد الذي يبقي بعد وفاة صاحبه صدقة جارية.

والحقيقية أن طرق العمل الخيري وأساليبه أكثر من أن تحصى ويستطيع الإنسان أن يساهم فيها بما يملك من مال أو جهد أو وقت أو علم، المهم أن يحرص على المسارعة في الخيرات والمنافسة في أعمال الخير متذكرا قوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، وقوله تعالى: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم).

وللعمل التطوعي آثاره الكثيرة والكبيرة على الفرد والمجتمع لعلي أذكر منها .. غرس قيم الأثرة والتضحية والعطاء في الإنسان وتدريبه على البذل والصبر وحب الآخرين ونزع الأنانية والشك من نفسه.

وإكساب الفرد مهارات كثيرة من خلال العمل التطوعي خاصة لما يكون في فريق ومنها النظام وترتيب الأولويات والقدرة على التجاوب مع المستجدات وتقسيم الأعمال والإتقان وإذكاء روح التنافس والمبادرة.

والمساهمة في سد الاحتياجات لأفراد المجتمع ودعم جهود الدولة في الكثير من المجالات، فقط أصبح العمل التطوعي المنظم رافدا اقتصاديا كبيرا يوفر فرص عمل ويدر دخلا ويدعم المسيرة النهضوية للمجتمعات.

ويخلق أجواء طيبة بين أبناء المجتمع، حيث يعزز الروابط بينهم ويساهم في دعم النسيج الاجتماعي وتقويته، إذ يشعر كل فرد فيه أن له أهمية في هذا المجتمع وأنه متى يكون بحاجة سيجد من يساعده ويدعمه وهو أيضا لا يقصر عندما يستطيع أن يسد ثغرة أو يقدم دعما وبهذا يتكون مجتمعا راقيا متعاونا يسد الفجوات ويقيل العثرات ويتسابق إلى الخيرات.

والمجتمع الذي تنتشر فيه الأعمال التطوعية هو مجتمع واع يسعى لمستقبل مشرق ويقدم القدوة لأبنائه فيزرع الآباء في الأبناء هذه القيم الجليلة فتنتقل عبر الأجيال وتشكل نمطا إيجابيا من العادات والأعراف الممتدة عبر الأجيال.

وتتجاوز الأعمال التطوعية الجغرافيا والحدود وتخرج إلى فضاءات دولية ليعم خيرها عبر مؤسسات فاعلة في دول العالم فتنتقل المساعدات والإغاثات إلى المنكوبين والمعوزين وتقام المشاريع الخيرية والتوعوية للمحتاجين، ولا شك أن المسلمين اليوم في حاجة كبيرة إلى دعم بعضهم بعضا ودعم الإنسان في كل مكان لأن دينهم دين يدعو للبذل والعطاء ، ويحرضهم على الإنفاق ويذكرهم دائما بالأجر الجزيل لمن يبسط كفيه ويبذل جهده لمساعدة الآخرين.

واليوم وكثير من دول العالم الإسلامي وغيرها تمر بعديد الأزمات وفي دولنا الكثير من الاحتياجات والتحديات،، نحن بحاجة أكثر مما مضى إلى دعم وتنظيم العمل التطوعي ليكون مردوده أكبر وليعم نفعه ويحقق أهدافه ويساهم بطريقة أعمق في حل المشكلات والرقي بمجتمعاتنا.