55115
55115
عمان اليوم

«وثيقة الماء» :حل مشكلات المياه مبدأ ديني وأهم مقومات السلام العالمي والإقليمي في الوقت المعاصر

03 ديسمبر 2019
03 ديسمبر 2019

ندوة تطور العلوم الفقهية الـ 15 تختتم أعمالها بتوصيات مهمة -

استقطاب المخرجات الوطنية بالتخصصات الزراعية والمائية عبر توفير أراض ذات زرع قائم -

تغطية: سيف بن سالم الفضيلي و سالم بن حمدان الحسيني -

أكدت ندوة تطور العلوم الفقهية في ختام جلساتها التي رعاها سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة مساء أمس على ان الماء نعمة إلهية وهبة ربانية، قال تعالى: (وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون) وشكرها بالمحافظة عليها وعدم إهدارها، وصون مصادرها ووسائلها، وحمايتها من كل ما من شأنه الإضرار بها، والإبقاء ما أمكن على إباحتها، باعتبارها شركة إنسانية.

ودعت إلى إحياء الوظيفة الإنسانية السامية التي نبه إليها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار)، فالمياه يجب أن تكون سببا للتعاون الإنساني ودفعا إلى إقامة جسور المودة والتراحم الإنساني.

وأوضحت ان الماء هو الحياة والحاجة إليه في تصاعد مستمر، ومن مقتضى فقه المآلات والتفكير في المستقبل أن تتضافر الجهود بين العلماء والجهات المختصة وذوي الخبرة لإعمال العقل الاجتهادي لاستنباط الأحكام الشرعية التي تضمن ديمومة هذه الثروة وبقاءها والمحافظة عليها من التلوث، واستنباط ضوابط شرعية وقانونية تحفز الشراكة بين المواطن والقائمين على حفظها باعتبارها ثروة وطنية.

وأكدت على إبداع فقهاء الإباضية إبداعا بالغا في تأصيلهم لقضايا الماء؛ وعبَّدوا طرقا كانت منقطعة، مما فتح آفاقا حضارية مهمة تدعو إلى العناية بها، ومن أهمها الدراسات الرائعة لأحكام الماء في كتابات أبي سعيد الكدمي وقاموس الشريعة للسعدي، وكتاب القسمة وأصول الأراضين للفرسطائي وغيرهم، كما كان للمدارس الإسلامية الأخرى دور بارز في هذا الشأن ككتاب الخراج لأبي يوسف القاضي، مما يستدعي العناية بها واستحضارها من أجل التصدي لقضايا الماء المختلفة.

وبيّنت ان الأحكام المتعلقة بالمياه في الفقه الإسلامي كثيرة ومتفرقة في كتب التراث وتمثل ثروة فقهية يتطلب جمعها وترتيبها من خلال مشروع موسوعي يكون نواة لإعمال العقل الاجتهادي للحفاظ على هذه الثروة المهمة، والتصدي للقضايا والمشاكل المائية الكبرى التي تواجه المجتمعات الإنسانية اليوم.

ودعت الى ضرورة استثمار التراث الفقهي في صياغة الفتاوى المعاصرة التي يتحقق من خلالها تكوين وعي المجتمع بمسؤوليته الدينية في المحافظة على نعمة المياه، وتحسين الكفاءة المجتمعية في استعمال المياه، والحدّ من استنزاف الموارد المائية، والتصدي لظاهرة تلويث المياه، وتحقيق العدالة الاجتماعية في التوزيع الأمثل للمياه، وضمان حقوق الأفراد والمجتمعات فيها.

وأكدت على انه من الضروري السعي إلى تطوير التشريع القانوني لعقود الإيجار والانتفاع التي يكون موضوعها الشراكة في العمل بالأبدان والأذهان، مثل المساقاة والمزارعة والمغارسة وغيرها بين الأفراد والمؤسسات الحكومية والشركات والأوقاف، وذلك بما يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية والزراعية للمجتمعات ويلبي متطلبات الأفراد والمؤسسات ماليا ومعيشيا، ومثاله الحي: مشروع زراعة مليون نخلة الذي جاء بمباركة سامية من لدن صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه -.

كما دعت الى تفعيل عقود المشاركات الزراعية بأنواعها في المصارف الإسلامية ونوافذها المختلفة من أجل النهوض بالأموال والأعيان الوقفية العامة والخاصة، والتوسع في أنشطتها ومجالاتها بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية العامة، وتراعي الأعراف المائية وغيرها ذات الشأن بهذا العقد.

والى التوسع في مفهوم حقوق الماء عن المفهوم التقليدي الذي كان موجودا في العصور السابقة، بحيث تدخل في كل حق من هذه الحقوق صور وأشكال وأنماط جديدة، مع وجوب ترتيب الأولويات، فيقدم منها ما هو ضروري على الحاجي والتحسيني، وهكذا يمضي الأمر تباعا في تقديم الأهم على المهم.

والى إحياء محاكم المياه المعمول بها في سابق الأزمان من خلال استحداث مواد قانونية، وإضفاء صفة رفع الدعوى لمنظمات المجتمع المدني حال التعدي على المصادر المائية، وتخصيص أقسام بالمحاكم لدعاوى المياه وطرق فض المنازعات في هذا المجال إلى غير ذلك.

وتفعيل صيغة الوقف لتكون طريقا سلميا لحل النزاعات الدولية على المياه، وذلك عن طريق اتفاق الأطراف الدولية على وقف المصادر المائية المتنازع عليها، على جهة مشتركة بينها من جهات النفع العام، أو إقامة مشاريع استثمارية من ريع الوقف يعود نفعها على المصالح العامة بين الجهتين المتنازعتين.

كما يجب الاهتمام بالأوقاف المائية الخاصة والعامة، من حيث إطلاق المبادرات الاجتماعية بشأن تكثيرها وتفعيلها والعناية بإدارتها؛ لتكون عامل دعم اقتصادي واجتماعي.ودعت إلى التعاون الإنساني الفعال بين بني البشر لتحقيق الكفاية المائية المحلية والدولية، وتحقيق الكفاية الغذائية، مع تطور الاقتصاد والاتصالات. والحث على مشاريع جامعية ودراسات عليا حول المياه وسبل ترشيدها، والحفاظ على مصادرها من البحار والأنهار، والعيون والمياه الجوفية، ودراسة مسالك الأوائل في استخراج مياه الأفلاج، وتطور قياساتها عبر العصور وقوانينها، وسبل التقاضي فيها وتراثها الفكري من أجل تلبية حاجات الإنسان، وتطوير استثمار الماء وتفعيل زيادة الثروات الناجمة عنه.

والعمل على دراسة القضايا المائية المعاصرة المتعلقة بتوزيع حصص الدول من الأنهار، والحفاظ على مياه البحار، ومعالجة مياه الصرف الصحي، ودور الشركات الصناعية في التقليل من الآثار السلبية لغازات المصانع، والمحافظة على المخزون المائي، وقضايا الاستمطار الصناعي، وغيرها من قضايا العصر التي تثار في المجتمع الإنساني اليوم. والتأكيد على السياسات المائية الناجعة، والاستفادة من خبرات الآخرين في ذلك، تجنباً للأزمات والكوارث المائية، والمحافظة على المكتسبات الاقتصادية المختلفة.

وطالبت بالحفاظ على إرْث الأفلاج الحضاري والعناية به ماديا ومعنويا، وتوعية الأجيال بمنهج الأوائل في تقسيم مياهها وقياساتها وطرق بنائها وشق قنواتها وسبل ديمومتها، والثقافة القانونية حولها، وغرس ذلك كله في المقررات الدراسية حتى يرتبط الجيل الصاعد بدينه، وتتوثق عراه بأرضه وتراثه الحضاري في مجال المياه.

مؤكدة ان العناية بالبيئة مشروع وطني، ومنها حماية المياه ومصادرها من التلوث وترشيد استخدامها وغرس ذلك في عقول الأجيال بمختلف مراحل التعليم، ويمكن في ذلك استحداث مادة «بيئات الماء» ضمن المناهج التعليمية.

وضرورة بث الوعي حول الثقافة المائية للمحافظة على هذه الثروة في الإعلام والحقول العلمية بمختلف مراحلها، وإنجاز بحوث مبسطة للقراء توضح أهمية الماء في الإسلام وأبعاده الحضارية، للعناية به وترشيد استهلاكه، وإصدار كتب تعريفية لأنظمة الماء في التراث الإسلامي بمختلف بيئاتها وتجاربها المختلفة.

والدعوة إلى احتضان واستقطاب المخرجات الوطنية ذات الكفاءات والمؤهلات الجامعية من خريجي الكليات والجامعات ذات التخصصات الزراعية والمائية عبر توفير أراض زراعية ذات زرع قائم أو مستهدف لتكون محضنا لهم لتفريغ خبراتهم وترجمة علمهم النظري إلى تنزيل تطبيقي واقعي بعقود مساقاة ومزارعة ومغارسة ومفاسلة ونظائرها.

من المهم متابعة النتائج العلمية لهذه الندوة المباركة في المعاهد والجامعات العلمية الإسلامية، وتوسيع نطاق الدراسات المتعلقة بالمياه في إطار ثلاثة فروع أساسية، وهي: إشكاليات الماء وأخلاقيات الماء وفقه الماء.

الجدير ذكره ان الندوة بدأت أعمالها في الأول من الشهر الجاري واستمرت لثلاثة أيام وناقشت أكثر من 50 بحثا في 14 جلسة.

 

المشاركون: الندوة تشجع المشتغلين بالفقه الإسلامي لشحذ وسائلهم الاجتهادية لمواجهة تحديات العصر - 

جاء في كلمة المشاركين التي ألقاها الشيخ الدكتور ادريس الفاسي الفهري انه مما لا يخفى على موفور علمكم، أن من واجب المشتغلين بالفقه الإسلامي اليوم أن يشحذوا وسائلهم الاجتهادية، ومناهجهم الدراسية، لمواجهة تحديات عصرهم.وذلك ابتداء بترتيب البيت الفقهي، ونفض الغبار عن كنوزه، وضبط معطيات موارده ومصادره.

والتفتح على ما جد من الدراسات الفلسفية والتاريخية، وما يظهر باستمرار من معطيات العلوم الإنسانية والاجتماعية التي تعرف نهضة غير مسبوقة.

وقد بلغ اليوم تطور محركات البحث، ووسائل التواصل، أنها تضع بيد الباحث المعاصر ما كان إلى وقت قريب من قبيل الخوارق، فبإمكانك اليوم أن توثق المعلومة قبل أن تقوم من مقامك، ويمكنك أن توصل المعلومة قبل أن يرتد إليك طرفك. وأما ما يرتقب من التطورات التي يعد بها البحث في الذكاء الصناعي، وما تجدد في مختلف العلوم التي ليست هذه إلا وسائلها؛ وما يتحدى الفقيه من جرائها فإنه أعجب من ذلك.

كما لا يخفى على أحد اليوم أن الدراسات الفقهية وغيرها، تُلقى وتُتداول في عالم مفتوح ثقافيا، لا يمكن لأحد أن يختص فيه بركن قاصرٍ على من يشاركه قناعاته العقدية، وخلفياته الفكرية. فإن عولمة المعارف هي واقع لا يمكن الانفكاك عنه.

وقد ورد في الوصية النبوية «... فرب حامل فقه ليس بفقيه»، وهو ما ينطبق اليوم انطباق الكفين على ما أتاحته وأباحته الرقمنة والحوسبة اليوم.

وإن الفقه كلّ الفقه، في تنزيل الفقه على الواقع، مع اعتبارِ المتوقَّع فيه، والفهمِ الدَّقيقِ لسيّاقِه، والمخاطَب به، وظهورِ وانضباطِ ومناسبةِ ما يُناطُ به، كظهورِ وانضباطِ ومناسبةِ ما يُعلَّل به.

فليس بالفقيه من لا يبْني الفقه على أصوله؛ ومن لا يعتبر النَّظير فيه بنظيره؛ ومن لا يُفرِّق المشتبِه منه عما اشتبَه به، ولا يعلم مَوْرد اشتباههِ وأساس اختلافِه...

ولا من لا يفهم المنصوص فيه ضمن سياقِه، وتاريخِه، وملابِساته...

ولا من لا يعلم ما بقي منه على عمومه، وما هو مخصوصٌ أو مقيدٌ عقلاً، أو وضعاً، أو طبعاً، أو شرعاً...

ولا من لا يُدْرك المقصود والغاية منه، ويراجع على أساسها رأيه واستنباطه...

وقد تطورت في واقع الناس اليوم بعض المفاهيم حتى صار مفهومها معكوسا، واختلفت أوضاع مفاهيم أخرى حتى صار الوضع فيها منكوسا، لاختلاف الأسباب، أو ارتفاع الموانع، أو توقف العلة، أو انتقال مناسبتها.

وعلى هذا الأساس قامت ندوة تطور العلوم الفقهية، وتوالت دوراتها. بمبادرة ودعوة كريمة من صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، حفظه الله ورعاه، وأقر عينه برعيته.

وقال الفاسي: من المنصوص في القرآن العظيم أن الماء مع التراب أصل الخلقة، وأن بالماء والتراب استمرار الحياة، وأن بالماء ثم التراب تحصل الطهارة المادية والحكمية، العادية والتعبدية.

فالماء نعمة تزداد بالحمد والشكر، وتذهب بالجحود والكفر، قال الله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ).

وقد كان الماء لذلك ركن الحضارة الإسلامية الركين، ومظهرا مستمرا لأثر هذا الدين، في تاريخ الحضارة الإنسانية عموما.

وقد ظل الماء على الدوام أداة حيوية في تكوين الحضارات وانتشارها وازدهارها، كما كان نقص الماء سببا جوهريا في انتكاس حضارات أخرى واضمحلالها.

ويستأثر الماء في حاضر الإنسانية كذلك بأهمية بالغة، بل لقد أصبح هم البيئة في عمق هموم العالم الكبرى، وتوالت التحذيرات التي يطلقها الباحثون والخبراء، والمهتمون بمجال البيئة عموما، بشأن المياه خصوصا.

وعلى هذا الأساس فقد انكبت الدورة الحالية على مجال فقه الماء، وانصبت في اتجاهات ثلاثة: الأحكام الشرعية، والآفاق الحضارية، والقضايا المعاصرة.

وعسى أن تكون هذه الندوة إثارة لاستمرار البحث في موضوعها، وعسى أن لا ينتهي الاهتمام بما أثير من هذه الشؤون والشجون بانتهاء أشغالها...

وفي ختام كلمته توجه بالدعاء الى الله تعالى بأن يُبقي أرض عمان متمتعة بالأمن والأمان، والسخاء والنماء، ولأهلها مكارمهم، ومحاسن أخلاقهم، وجميل آدابهم، وأن يمتع بفضله جميع بلاد المسلمين بالهناء والرخاء، وأن يرفع بقدرته ما نزل بساحتهم من الضر والحرب والبلاء. وأن يلهم جنس الإنسان مراشدهم، وأن يعجل بهدايته لخليقته، ويجعلنا أهلا لواسع رحمته.

 

«وثيقــــة المــــــاء» - 

بسم الله الرحمن الرحيم

صدر عن ندوة تطور العلوم الفقهية الخامسة عشرة: (فقه الماء: أحكامه الشرعية وآفاقه الحضارية وقضاياه المعاصرة) ما يسمى بـ «وثيقة الماء» وهي كالتالي:

مقدمة الوثيقة:

هذه الوثيقة انبثقت من توجيهات ومباركة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - لندوة تطور العلوم الفقهية: فقه الماء وأحكامه الشرعية، وهي من نوع خاص، تتجلى فيها علاقة الشريعة بالحياة، وتُقرأ فيها الأحكام الفقهية قراءة تاريخية، وتقرأ فيها النصوص قراءة حضارية اجتماعية، ترسم خريطة متكاملة، وتتفاعل فيها علاقة الطبيعة بالإنسان، والدين بالعمران، والنظر بالعمل في سياق جدلية حاكمة لحضارة نابعة من دين، تربط نصوصه بين الماء والإنسان من عالم الشهادة إلى عالم الغيب.

يقول تعالى في سورة الفرقان:«وأنزلنا من السماء ماء طهورا، لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا».

ويقول تعالى في سورة الأنبياء:«وجعلنا من الماء كل شيء حي».

ويقول الرسول صلوات الله وسلامه عليه: «المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار».

والقارئ المتأمل في القرآن، وفي أحكامه عبادات ومعاملات، وفي تفاسيره على تنوعها، وفي تراثنا الفقهي بنوازله ووثائقه يجد إجابات على أسئلة ما يزال الإنسان المعاصر حائرًا أمام فك رموزها، والاستفادة من فهم كنوزها.

وتنطلق ندوة العلوم الفقهية خلال سلسلتها الخامسة عشرة من مسألة أولية وجوهرية، تستوعب العلائق بين الماء والإنسان أحكاما وآفاقا وقضايا وهي: (لا حياة بغير ماء)، كما ذكرت الآية الكريمة.

وتأتي هذه الندوة في موعدها زمانا ومكانا:

أما الزمان فهو حياتنا المعاصرة التي تنبئُ بصراع حول الماء، لم تعد مخاطرة خافية على أحد، إننا على مشارف عصر حروب الماء إذا لم نكن قد دخلناها بالفعل، وأما المكان فهو سلطنة عمان، حيث علاقتها بالماء متجذرة في أفلاجها وبراعة هندستها ودقة أحكامها، فمنه ارتوت حضارتها عبر التاريخ، وامتدت علاقاتها مع الشعوب والأمم الأخرى فيما وراء البحار.

آفاق الوثيقة

لقد رسمت المقدمة معالم العلاقة بين فقه الماء وحياة الإنسان، فهي علاقة ضرورية وعلاقة وجود.

إن الحياة الإنسانية- وقد أصبح واضحا ارتباطها الوجودي «بالماء» الذي لا حياة بدونه، ولا وجود بغيره، بل ولا سلام بدون توافق على قواعد التعامل معه – لا تستقيم إلا من خلال المبادئ والموضوعات الآتية التي يوصي العلماء وأهل الاختصاص بتبنيها ودراستها دراسة متعمقة ومقارنة:

أولا: إن الماء نعمة ربانية وضرورة حياتية، فلا ينبغي النظر إليه باعتباره ملكية مشتركة فحسب، بل إنه حق من حقوق الإنسان، لذلك أكدت المواثيق الدولية المعاصرة على الحق في الماء.

ثانيا: إن الصراع حول الماء هو صراع وجود وبقاء، فعلى الدول إصدار مدونة تشريعية عالمية، تضع الضوابط والأحكام الملزمة لحل مشكلات أي صراع مائي بما يتفق مع الشرع الشريف.

ويحكم البحار حاليا اتفاقية الأمم المتحدة لسنة 1982م لقانون البحار، ويتحدث الجزء الثاني عشر منها عن حماية البيئة والحفاظ عليها، كذلك تتحدث الاتفاقية عن أهم استخدامات البحار، خصوصا في الملاحة، واستخراج ثرواتها الطبيعية واستغلالها، وقد حلت هذه الاتفاقية محل اتفاقات جنيف الأربعة لعام 1985م الخاصة بالبحار.

ثالثا: تفعيل معاهدات منع الاعتداء حول مصادر المياه، وتجريم تلويثها محليا وإقليميا وعالميا.

رابعا: الاستفادة من التجربة الإسلامية في التعامل مع قضايا الماء ملكية ومعاوضة ووقفا واحتكارا، وذلك بالرجوع إلى قواعد كتب الفقه والنوازل المتصلة بقضايا الماء.

خامسا: العمل على إصدار تشريعات وطنية، تجرم الاعتداء على الماء بأية صورة من الصور.

سادسا: وضع ضوابط تشريعية للمقاسمة في المياه، تقوم على مبادئ عادلة في توزيع الأنصبة والأعباء على حد سواء.

سابعا: توجيه المؤسسات الإعلامية، ومراكز صنع الرأي العام على إيجاد ثقافة إيجابية في التعامل مع الماء الذي قد تزيد قطراته في الأهمية على قطرات الدماء.

ثامنا: توجيه المؤسسات التعليمية للعمل على تكوين بنية ثقافية تحمي الماء في مختلف مراحلها، وتعدّه القضية الأساسية في بقاء الحضارة الإنسانية، وربما كان مهما أن تفكر الجامعات العربية والإسلامية في اعتماد الفقه الحضاري للمياه مقررا دراسيا.

تاسعا: تعميم ثقافة ترشيد المياه على كل إنسان سواء في إقامة عباداته، أو الالتزام بعاداته، أو محاولته التي لا تتوقف من أجل الاستفادة من المياه في مجالات الزراعة والري وفقه البيئة والنظافة والطهارة، وما تقتضيه الحياة المنزلية والدينية، ومجالات الرياضة المائية بكل صورها، وكذلك الفنون المائية بكل أشكالها.

ويمكن - في هذا الصدد- الاستعانة بالإعلام في هذا الترشيد عن طريق البرامج الجاذبة، والكتيبات المؤثرة التي تستلهم من تاريخ المياه ما يدعم رسالتها.

عاشرا: إن فقه الماء باعتباره فقه الحياة يقتضي إقامة دورات وبرامج للوعاظ والمرشدين والدعاة والعاملين في مجال الفتوى والإعلام للعمل على تعميم هذه الثقافة ونشرها.

حادي عشر: إنشاء أقسام في كليات الهندسة والعلوم والآداب والحقوق والأكاديميات البحرية لدراسة قضايا الماء، فكليات الهندسة تعمل على تطوير آلات الاستفادة من المياه، وطرق مقاسمة المياه، ودور المياه في نشأة المدن و إعمارها.

وكليات العلوم تدرس الأحياء المائية وما يتصل بها من معارف وعلوم بحرية أما كليات الآداب فتدرس تاريخ المياه وما دار حوله من حروب وصراعات ومعاهدات، عبر العلاقات بين الشرق والغرب.

وأما الأكاديميات البحرية، فمن خلال مناهجها التي تستوعب علوم البحار وقواعد تسيير السفن وآداب السفر عبر البحار، والفنون البحرية.

وأما كليات الحقوق، فتقدم دراسة موضوعية حول قوانين الماء وتشريعاته، والمعاهدات والوثائق الدولية المتعلقة بها، خصوصا القواعد القانونية المتعلقة بقضايا البحار في الحرب والسلام، إضافة إلى مقرراتها المعتادة في المعاملات التجارية والنقل البحري.

إن مما يتطلبه تفعيل هذه الوثيقة ما يلي:

1- تخصيص مجال في الجامعات والمراكز والمعاهد المعنية لأبحاث قضايا الماء لاستيعاب الأحكام الفقهية والنواحي الاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بالمياه وآثارها الدولية.

2- الدعوة إلى معاهدة دولية عادلة تشمل جميع دول العالم حول القضايا المعاصرة عن الماء، تحوي آليات لحل النزاع، ووضع خطط التنمية ورسم خرائط التعاون بين العالمين العربي والإسلامي، وتبادل المعلومات والخبرات المتعلقة بها.

وفي كلمة ختامية نؤكد على أنَّ حلّ مشكلات المياه وصراعاته مبدأ ديني، وهي أهم مقومات السلام العالمي والإقليمي في الوقت المعاصر.