الملف السياسي

قمة الرياض والبيت الخليجي

02 ديسمبر 2019
02 ديسمبر 2019

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

تكتسب القمة الخليجية القادمة في المملكة العربية السعودية الشقيقة الأسبوع القادم، أهمية كبيرة في ظل الظروف المعقدة التي تعيشها المنطقة حيث لا تزال الأزمة الخليجية دون حل وهناك الحرب المتواصلة في اليمن والتوتر الكبير في المنطقة بين الولايات المتحدة وإيران.

ولعل القمة التي تحمل الرقم 40 في سلسلة اجتماعات المجلس الأعلى لقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ قيام المجلس في مايو 1981 تأتي في ظل مناخ سياسي معقد وتكتنفه الكثير من الصعوبات منذ اندلاع الأزمة الخليجية عام 2017م.

وهناك تساؤل كبير حول المصالحة المرتقبة في قمة الرياض بهدف إنهاء الأزمة الخليجية والتطلع إلى تلاحم البيت الخليجي المتصدع والرجوع إلى آفاق الأهداف الكبرى التي قامت عليها المنظومة الخليجية لتحقيق آمال وتطلعات شعوب المنطقة.

تفاؤل حذر

تفاؤل مشوب بالحذر حول إمكانية حدوث اختراق لملف الأزمة الخليجية، ورغم المشاركة الإيجابية لمنتخبات دول المجلس في بطولة كأس الخليج العربية لكرة القدم التي تجري أحداثها حاليا في دولة قطر إلا أن مسالة المصالحة بين قطر وعدد من دول المجلس تحتاج إلى إرادة سياسية وإلى استشعار الخطر الداهم على الأمن والاستقرار في المنطقة، ومن هنا فإن قمة الرياض الخليجية التي سوف تدور أحداثها يوم الثلاثاء القادم سوف تكون محل ترقب أبناء المنطقة والعالم نظرا لحساسية منطقة الخليج وما تمثله من أهمية استراتيجية واقتصادية للعالم حيث وجود مضيق هرمز الاستراتيجي شريان التجارة والطاقة العابرة إلى مختلف دول العالم.

ولعل السؤال الأساسي هنا: هل الظروف الموضوعية والاتصالات غير المعلنة والمعلنة التي شهدتها الساحة الخليجية قد أثمرت عن اختراق حتى لو كان جزئيا أم أن الأمور لا تزال معقدة وهناك طرف أو أطراف لا تزال غير متحمسة للتعجيل بالمصالحة الخليجية؟.

المؤشر الأول الذي قد يوحي بحلحلة الأزمة هو وجود القيادات الخليجية في الرياض بمعنى أن يكون التمثيل السياسي على مستوى القيادات، وثانيا أن تبدأ المصافحات العلنية بين دول الأزمة بشكل صريح وأن يحدث نوع من كسر الحاجز بين عدد من قيادات دول المجلس، ومن هنا فإن هذه المؤشرات قد تعطي مؤشرات بأن الأزمة دخلت مرحلة الحل التوافقي من خلال حوار معمق ينتهي بإعلان عودة العلاقات الدبلوماسية من خلال القمة.

هذا التفاؤل الحذر ينطلق من خلال الآثار السلبية التي أحدثها الإعلام بشكل لم يسبق له مثيل في أي أزمة إقليمية، حيث الانحدار الأخلاقي والإنساني وهي سمات لا تتماشى والترابط الاجتماعي بين شعوب المنطقة ومن هنا فإن القمة الخليجية لابد أن تصدر أحد القرارات الأساسية وهو وقف الحملات الإعلامية بشكل كامل سواء من خلال الإعلام التقليدي أو من خلال شبكات التواصل الاجتماعي.

وعلى ضوء وقف تلك الحملات السلبية فإن المصالحة وعودة المياه إلى مجاريها بين الدول الشقيقة سوف يحدث لا محالة لأن هناك معطيات وتحديات تواجه دول مجلس التعاون الخليجي على صعيد الأمن وحرية الملاحة وأيضا استكمال مشروعات المنظومة الخليجية خاصة السوق الخليجية المشتركة والنقل البري والتشريعات الموحدة والكثير من العمل الذي تجمد بسبب نشوب الأزمة الخليجية.

رئاسة السلطنة

من الأسباب الجوهرية التي جعلت آمال المصالحة الخليجية تتزايد هو ما شهده المجلس من اجتماعات متواصلة ومكثفة على مستوى اللجان الوزارية وهيئات المجلس في كل القطاعات حتى شعر الرأي العام في المنطقة بأن هناك نشاطا ملحوظا من خلال جهود رئاسة السلطنة لقمة المجلس هذا العام التي سوف تنتهي بتسليم الرئاسة للمملكة العربية السعودية خلال الجلسة الافتتاحية للقمة.

إذًا لعبت السلطنة كعادتها دورا مميزا من خلال استعادة نشاط المجلس وهذا بدوره أوجد تواصلا بين المسؤولين الخليجيين وهذا شيء مهم للحوار ومناقشة قضايا تهم شعوب المنطقة.

إن الدبلوماسية العمانية تهدف إلى تقريب وجهات النظر بين الأشقاء على صعيد دول مجلس التعاون أو على الصعيد العربي والإسلامي والدولي وأصبحت تلك الدبلوماسية تلعب دورا محوريا ومطلوبا من الأسرة الدولية على صعيد العديد من القضايا الإقليمية، وفي مقدمتها ضرورة الحوار بين إيران والولايات المتحدة وضرورة إنهاء الحرب الكارثية في اليمن ونزع فتيل التوتر في المنطقة، ومن هنا فإن تواصل نشاط المجلس خلال رئاسة السلطنة لأعمال القمة هذا العام جعل الاجتماعات في مسقط تتواصل بشكل مكثف وأعطى انطباعا إيجابيا بأن مجلس التعاون الخليجي لا يزال متماسكا بعد أن كادت الأزمة الخليجية تعصف به.

ملفات مهمة

قمة الرياض الخليجية مهمة وتعد منعطفا في مسيرة هذه المنظومة الخليجية حيث إن هذه الأخيرة سوف تكون محط الأنظار، فالمصالحة إن حدثت -وهو الأمل الذي ينشده الجميع- فإن منظومة المجلس سوف تتواصل لتحقيق أهدافها، وإذا تعثرت المصالحة فإن ذلك سوف يشكل منعطفا كبيرا وسلبيا في مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

الإرادة السياسية للقيادات الخليجية سوف تظهر من خلال قمة الرياض ولعل المصلحة تقتضي إنهاء الأزمة على قاعدة لا ضرر ولا ضرار، وإذا كان هناك بعض الخلافات فإن طاولة الحوار هي المكان الطبيعي للنقاش للوصول إلى حلول توفيقية.

إن الملف الأساسي المهم في قمة الرياض هو إنهاء الأزمة الخليجية، من دون ذلك سوف تتعرض المنظومة الخليجية إلى تدهور قد يفضي إلى تآكلها مع الوقت وتشعر شعوب المنطقة بأن آمالها قد تبخرت في قدرة دول المجلس على تجاوز خلافاتها.

فالخلافات بين الدول أمر يحدث، فدول الاتحاد الأوروبي بينها خلافات عميقة، ولكن من خلال الحوار يتم التوصل إلى حلول واقعية، بحيث لا تتأثر المنظومة الأوروبية بتلك الخلافات وكذلك منظومة الآسيان.

هناك ملفات أخرى مهمة سياسية واقتصادية، وفي مجال القضايا الأمنية، ومع ذلك فإن الملف الأهم يظل الأزمة الخليجية التي تحتاج إلى قرار شجاع يعود بمجلس التعاون إلى سابق عهده والتفرغ لمجابهة التحديات الحقيقية، فالكيان الخليجي حتى يواجه التحديات الكبرى لابد أن يكون متماسكا وقويا والعكس صحيح.

قمة الرياض في نظري هي من أهم القمم الخليجية، وسوف تشكل منعطفا استراتيجيا لمستقبل مجلس التعاون في المرحلة القادمة ولا شك أن المملكة العربية السعودية الشقيقة التي تستضيف القمة، تدرك هذه الحقائق، ومن هنا فإن قمة الرياض يعول عليها الكثير لانتشال المنظومة الخليجية من وضعها الراهن وإلى الانطلاق نحو التكامل الخليجي الذي يتطلع إليه كل أبناء الخليج.

تلك التطلعات لشعوب المنطقة ورغبتها في تحقيق الآمال الكبيرة ينبغي أن تنسجم مع قرارات القمة الخليجية في الرياض الأسبوع القادم، وهي قمة مفصلية سوف يكون لها نتائج حاسمة في مسيرة مجلس التعاون الخليجي وهو المنظومة العربية الأكثر فاعلية خلال العقود الأربعة الأخيرة.

كل الآمال بنجاح القمة وانتهاء الأزمة الخليجية خلال الإعلان عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين دول الأزمة، حيث يفتح ذلك الباب نحو حوار معمق وصريح بين الأشقاء حتى تعود المياه إلى مجاريها، أما مناقشة الملفات الأخرى دون حدوث المصالحة الخليجية، فإن ذلك سوف يشكل مزيدا من التعقيد وربما مرحلة اختفاء هذه المنظومة.

كل التوفيق لقمة الرياض وللقيادة السعودية في إنهاء الخلافات والاجتماع على كلمة سواء بين الأشقاء؛ ليتواصل العمل الخليجي الموحد بما يعزز التكامل والتطور والنماء لكل شعوب المنطقة التي يجمعها الإسلام الحنيف والتاريخ المشترك والروابط الاجتماعية الوثيقة.