الملف السياسي

ضـــرورة المصالحـــة

25 نوفمبر 2019
25 نوفمبر 2019

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

الحديث عن إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية فلسطينية هو أمر جوهري في مرحلة التشرذم الفلسطيني-الفلسطيني من خلال الخلافــــــــــــــات بين حركتي فتح وحماس، وفي ظل متغــــــــيرات وتحديات إقليمية ودولية تواجهها القضية الفلسطينية خاصة القرار الأمريكي الأخير الذي تحدث عنه وزير الخارجية الأمريكي بومبيو وهو أن وضع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية أصبح قانونيا ضاربا بعرض الحائط قرارات الشرعية الدولية، ومن هنا فإن مسألة الانتخابات هي خيار إيجابي ولكن هناك عقبات حقيقية تواجه عقد هذه الانتخابات على المستويين الفلسطيني والإسرائيلي.

المصالحة أولًا

فى ظل الانقسام الفلسطيني الحالي بين حركتي فتح وحماس فإنه يصعب إجراء أي انتخابات في ظل هذا الوضع المعقد حيث إن عدم المصالحة يجعل من إجراء تلك الانتخابات أمرا صعبا خاصة في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس منذ سنوات، ومن هنا فإن ذلك الانقسام قد خدم الجانب الإسرائيلي وأيضا قوض المشروع الوطني الفلسطيني وأنهك القضية الفلسطينية نفسها التي تواجه خلال الإدارة الأمريكية الحالية خططا واضحة لتصفيتها.

إن القـــــــرار الأمريكي الأخير بشرعية المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية هو جزء من تلك التصفية بعد قرارات أمريكية سابقة تخص وضع القدس واللاجئين والأونروا وهي ضغوط أمريكية كبيرة على الجانب الفلسطيني للقبول بصفقة القرن المشبوهة التي تنفذ بطريقة مرحلية.

وأمام هذه المخاطر التي تتعرض لها القضية الفلسطينية فإن المطلوب قبل إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية أن تجري مصالحة وطنية شاملة، حتى يمكن الانطلاق إلى إجراء تلك الانتخابات في ظل مناخ إيجابي وتلاحم رسمي وشعبي فلسطيني للتركيز على تحديات المرحلة وأن يكون المشروع الوطني الفلسطيني في إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين إلى ديارهم هو الأساس الذي ينطلق منه الجميع وبالتالي تأتي الانتخابات كمحصلة لتلك المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية.

هل تعقد الانتخابات؟

الإعلان من قبل الرئاسة الفلسطينية عن عقد انتخابات رئاسية وتشريعية بعد محاولات خلال السنوات الماضية يكتنفه الكثير من الغموض ليس فقط على الصعيد الفلسطيني ولكن على الصعيد الإسرائيلي.

فإسرائيل تحتل القدس الشرقية ومن هنا فإن الانتخابات الفلسطينية إن عقدت لابد أن تشمل جغرافيا مدينة القدس المحتلة، وإسرائيل أعلنت مرارا بأنها لن تسمح بإجراء تلك الانتخابات في مدينة القدس المحتلة. وهذه معضلة أخرى تقف أمام إجراء تلك الانتخابات. ومن هنا فإن هناك مسائل معقدة قد تخفض التوقعات بإجراء تلك الانتخابات العام القادم على الأقل.

وإسرائيل نفسها تعيش أزمة سياسية حادة من خلال عجز كلا الحزبين الليكود وأزرق وأبيض من تشكيل حكومة إسرائيلية كما أن نتانياهو يواجه اتهامات فساد من قبل المدعي العام الإسرائيلي قد تنهي مسيرته السياسية، وعلى ضوء تلك المحددات الفلسطينية والإسرائيلية فإن عقد الانتخابات في هذه المرحلة يبدو صعبا ومعقدا ومن هنا فإن السلطة الوطنية الفلسطينية أمامها عقبات داخلية أي من خلال عدم وجود المصالحة مع حماس وأيضا هناك العقبة الإسرائيلية.

صحيح أن إعلان الرئيس الفلسطيني عن عقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية قد حرك المياه الراكدة على الساحة الفلسطينية، ولكن الحراك في الداخل وحتى الحديث عن مسألة المصالحة لا ينفي وجود عقبات عديدة قد تعرقل إجراء تلك الانتخابات في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخاصة في مدينة القدس المحتلة ولاشك أن إجراء تلك الانتخابات تعد ضرورية من الناحية السياسية، فالمجلس التشريعي معطل منذ سنوات وخاصة منذ الخلاف بين الحركتين كما أن هناك جمودا سياسيا فلسطينيا وتشرذما وهذا أعطى فرصة لإسرائيل للعربدة في غزه والضفة الغربية وأيضا جعل المجتمع الدولي أقل حماسا لدعم القضية الفلسطينية بسبب ذلك التشرذم، وعلى ضوء تلك العوامل الداخلية والإقليمية فإن موضوع الانتخابات لابد أن يدرس بشكل متعمق بين حركتي فتح وحماس وعلى هذه الأخيرة أن تستجيب لموضوع المصالحة وأن يدرك الجميع أن القضية الفلسطينية تمر بأخطر مراحلها.

فالإدارة الأمريكية لم تعد تهتم بالقانون الدولي وهناك سباق انتخابي رئاسي العام القادم في الولايات المتحدة وسوف يكون هناك استقطاب للكتل الانتخابية من قبل ترامب بشكل خاص مما يجعله اكثر اندفاعا لخمة الاستيطان الإسرائيلي بل وتصفية القضية الفلسطينية وهناك إشارات واضحة في هذا المجال.

مسار جديد

الولايات المتحدة تعيش مناخا سياسيا ملتهبا من خلال الجلسات العلنية التي جرت في مجلس النواب وسوف تتواصل بهدف إدانة ترامب وعزله وهناك حرب إعلامية شرسة خاصة بين شبكة سي إن إن التي تتبنى موقف الديمقراطيين لعزل ترامب في إطار ما يعرف الآن بفضيحة أوكرانيا-جيت على غرار ووترجيت التي أطاحت بالرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون عام 1972 وبين قناة فوكس الإخبارية والتي تقف مع الرئيس ترامب.

ومن خلال هذه الحرب الإعلامية فإن الاهتمام يقل تدريجيا بالشؤون الخارجية ومنها القضية الفلسطينية حيث إن قرار واشنطن بشرعنة المستوطنات الإسرائيلية لم يلق الصدى الإعلامي المناسب، ومن هنا فإن المسار الجديد الذي ينبغي على السلطة الوطنية الفلسطينية هي أن تجد حلا توفيقيا مع حركة حماس أي أن تجمع الشمل الفلسطيني ليس بهدف إجراء الانتخابات المحتملة ولكن حتى يظل المشروع الوطني حيا في النفوس لأن الشعب الفلسطيني هو الرهان الأهم لإفشال كل تلك المخططات الأمريكية بشكل خاص.

ومن دون ذلك المسار فإن الأوضاع تتدهور بشكل كبير وعندها تفقد القضية الفلسطينية بريقها وهذا أمر غير مقبول فالحديث الآن يدور حول ضرورة الاعتراف من قبل دول الاتحاد الأوروبي بالدولة الفلسطينية، كما دعت إلى ذلك دولة لكسمبورج ردا على القرار الأمريكي المجحف وغير القانوني بشرعنة المستوطنات داخل الضفة الغربية المحتلة وهذه الدعوة الإيجابية من لكسمبورج لابد من استثمارها فلسطينيا وعربيا والترويج لها إعلاميا لمواجهة المخطط الأمريكي والإسرائيلي.

مع الإقرار بأهمية الانتخابات الرئاسية والتشريعية لكن لابد من تهيئة الأرضية السياسية وخاصة إقرار المصالحة والالتقاء على كلمة سواء هذا هو التوجه الصحيح ومن دون ذلك يصبح موضوع الانتخابات غير واقعي وحتى يصعب تنفيذه ليس في قطاع غزة ولكن في مدينة القدس المحتلة.

إذن لإجراء الانتخابات أهمية كبيرة في ظل الجمود التشريعي بشكل خاص ولكن لابد من قراءة المشهد السياسي الفلسطيني والإسرائيلي والأمريكي والدولي بعمق وأيضا في ظل خلافات عربية لا يمكن أن يكون للعرب تأثير محتمل وهذه معضلة أخرى في إطار العمل العربي المشترك الذي يوجه منذ سنوات تحديات وصراعات وحتى حروب لا يزال بعضها مشتعلا في سوريا واليمن وليبيا وفي ظل اشتعال احتجاجات صاخبة في العراق ولبنان وقد تمتد إلى دول أخرى لأسباب اقتصادية وانتشار مظاهر الفساد.

وأمام هذا المشهد المعقد فإن هناك شكوكا بمسألة عقد تلك الانتخابات في ظل الوضع الحالي فلسطينيا وهو الأهم ومع ذلك فإن هناك جهودا تبذل لإقناع حماس بالمصالحة أولا والموافقة على إجراء الانتخابات وبعد ذلك يمكن التحرك في هذا الاتجاه ومع ذلك فإن الأمور معقدة إلى حد كبير.

التطورات القادمة سوف تفرز مسار إجراء تلك الانتخابات وهي ليست المرة الأولى فقد تمت الدعوة إلى الانتخابات قبل عدة سنوات ومع ذلك لم تعقد لوجود تلك المشكلات ومنها صعوبة المصالحة بين حركتي فتح وحماس وأيضا عرقلة إسرائيل لإجراء تلك الانتخابات في مدينة القدس المحتلة وكل تلك الظروف لا تزال موجودة بل وأكثر تعقيدا مع تكرار الدعوة إلى إجراء تلك الانتخابات التي تحوم حولها الشكوك.