hamda
hamda
أعمدة

براتا و كرك يامحمد

24 نوفمبر 2019
24 نوفمبر 2019

حمدة بنت سعيد الشامسية -

[email protected] -

على مدى ما يقارب الثلاثين عاما، جعل محمد - الطباخ الهندي - العائلة تستيقظ على رائحة البراتا والشاي الكرك، كبر الصغار وتغيرت الأمزجة، ترك الأسرة من ترك مستقلا في بيته، ولم تتغير عند محمد طقوس الفطور، التي على مر السنين استعاض بها الصغار بالكورن فلكس والصمون بالجبن، لكن محمد لم يتوقف عن إعدادها.

طوال شهر رمضان المبارك، تعبر رائحة (شوربة الهريس) و (الباكورا) و (اللولاه بالدنجو) سكيك الحارة ثلاثين يوما متصلة لم تنقطع طوال فترة عمله.

كبر محمد، وفتك بجسمه السكر والضغط ولم يعد قادرا على ممارسة عمله، لكن زوجي العزيز استمر متمسكا به رغم أنف أفراد الأسرة، فهو ببساطة لن يستطيع أن يلفظ بالكلمة المؤلمة التي يعرف أنها ستقتل محمد، بانتظار أن يقرر هو الرحيل، لكن محمد يرفض الرحيل، ويزداد تمسكا بالعائلة.

بعيد انتهاء عيد الأضحى المبارك، استأذن محمد للعودة لبلاده طلبا للعلاج فهو لم يكن يشعر بأنه على ما يرام، وما عرفناه أنه كان يعاني منذ أشهر لكنه لم يستطع ترك العائلة بلا طباخ في شهر رمضان المبارك، رحل بهدوء، على وعد بالعودة خلال أسابيع، وصل هاتفا منه بعد وصوله بأنه سيضطر للبقاء لمدة أربعة اشهر فقد نصحة الأطباء بإجراء عملية لفتح شرايين قلبه التي أنهكتها الغربة، والبعد عن الأهل والأحباب طوال تلك العقود الثلاثة.

جاء هاتفه يعلن موعد وصوله إلى مسقط الخير بتاريخ 15 ديسمبر، حيث كان قد حجز رحلة العودة، آخر رسالة صوتية منه أرسلها للصغير (تركي) ذي السنوات الأربع قال له فيها: أنا أحبك جدا يا تركي، اطلب ما تشاء من هنا وسأحضره لك عند عودتي، كررها عدة مرات، ثم أرسل سلاما ومحبة لكل فرد في العائلة، ساردا الأسماء اسما اسما، وفقا للمساحة التي يحتلونها في قلبه على ما يبدو.

الخميس الماضي جاء الخبر الذي أنهى فترة الانتظار، برحيل محمد إلى خالقه، وانتهت ثلاثون عاما، انقطعت بها رائحة البراتا والشاي كل صباح، وبرياني السمك الذي لا يشببه برياني، ثلاثون عاما كفيلة بأن تعيد تشكيل العلاقات، فيصبح فيها العامل فردا من الأسرة، تحزن عليه كما تحزن على أي فرد من العائلة..وداعا محمد كوتي، وداعا لابتسامة لن نراها مجددا.