أفكار وآراء

تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص

23 نوفمبر 2019
23 نوفمبر 2019

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

تعتبر السلطنة من أوائل الدول التي استخدمت سياسة (الشراكة) بين الحكومة والقطاع الخاص منذ بداية النهضة المباركة عام 1970 في مشروعات الإسكان. وازدادت هذه العلاقة لاحقا في تأسيس العديد من المشروعات الاقتصادية والاجتماعية في مجالات الصحة والتعليم والخدمات، وكما هو معروف فإن الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP) هي عبارة عن تعاون بين هذين القطاعين في تأسيس مشروعات لها أهمية مستقبلية للمواطنين، وذات طبيعة طويلة الأجل، فمن ناحية المؤسسات الأهلية تستخدم الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مشروعات توفير البنية الأساسية مثل تأسيس وبناء وتجهيز وإدارة المدارس والمستشفيات وأنظمة النقل وأنظمة المياه والصرف الصحي وغيرها من المشروعات الأخرى.

ومؤخرا عقدت السلطنة منتدى عمان للشراكة بين القطاعين العام الخاص 2019 بمركز عمان للمؤتمرات والمعارض لتسليط مزيد من الضوء على البرامج التي يمكن تعزيزها في هذا الجانب وأدوات التمويل المتاحة والعوائد التي يمكن أن تجنيها الدولة من الاستثمار في مشروعات الشراكة بين القطاعين، والتوجه نحو الخصخصة والكفاءة، وتقاسم المخاطر وتطوير الابتكار، كما تم التأكيد على هذه المبادئ من قبل الجهات المعنية المشاركة في أعمال المنتدى بمشاركة خبراء من أمريكا وبريطانيا وهولندا وكندا وبعض دول مجلس التعاون الخليجي بجانب بعض مسؤولي الشركات العمانية التي قدمت هذه التجارب من خلال أعمالها ومشروعاتها المحلية.

الكل على دراية بأن هناك اليوم صعوبات وتحديات تواجه اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي ومنها السلطنة بسبب الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل القومي، ولكن يمكن من خلال اتباع سياسة الشراكة أن تكون بديلة في عملية التمويل للمشروعات التي لا تتمكن الحكومات من تمويلها في مثل هذه الظروف.

للسلطنة، فإنه من المتوقع أن تصل قيمة المشروعات المرتبطة ببرامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص إلى نحو 2.5 مليار ريال عماني (6.5 مليار دولار) مع نهاية الخطة الخمسية التاسعة العام المقبل، فيما تقوم الهيئة العامة للتخصيص والشراكة حاليًا بدراسة مبادرات أخرى لمشروعات الشراكة تمهيدًا لطرحها على القطاع الخاص خلال المرحلة المقبلة.

وهذه المشروعات التشاركية تؤكد اهتمام الحكومة بالعمل مع القطاع الخاص، وثقتها الكاملة بقدرات هذا القطاع على الأخذ بزمام المبادرة لقيادة جهود التنويع الاقتصادي لتحقيق الزيادة في النمو الاقتصادي، وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد العماني.

لقد أبدت السلطنة ومنذ منتصف السبعينات من القرن الماضي اهتمامًا كبيرًا للقطاعات غير النفطية، وقد ارتفعت مساهمة الأنشطة غير النفطية للسلطنة في نهاية عام 2018م إلى نحو 70% من الناتج المحلي، حيث كان للقطاع الخاص دور كبير في تعزيز المساهمة وتحقيق العوائد المالية للبلاد، في الوقت الذي تستمر فيه الدولة بتبني رؤيتها المستقبلية (عُمان 2040) على مفهوم الشراكة بين القطاعين العام والخاص كأحد أهم المحاور التي ترتكز عليها الرؤية، من خلال استخدام الأدوات نفسه التي تتبعها دول العالم في إنشاء وتمويل وتشغيل المشروعات التنموية وبهدف تقديم الخدمات العامة للمواطنين.

ويتوقع بأن تسفر برامج الشراكة بين القطاعين العام والخاص عن تحقيق أهداف التنمية المستدامة في عمان من خلال تشجيع استثمارات القطاع الخاص، والاستفادة من خبراته وقدراته المتخصصة في إنشاء وتمويل وتشغيل المشروعات، وتحسين نوعية الخدمات التي تقدم للمواطنين والمقيمين، بجانب إيجاد فرص عمل جديدة في السوق العماني للباحثين عن العمل، والذين يتزايد عددهم سنويا نتيجة للمستخرجات السنوية للجامعات الأهلية والأجنبية.

لقد أصدرت السلطنة خلال الفترة الماضية عدة تشريعات جديدة هدفها تنظيم وتحفيز البيئة الاستثمارية، منها إصدار قانون استثمار رأس المال الأجنبي، وقانون الشركات التجارية، وقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وقانون الإفلاس، إضافة إلى قانون التخصيص بجانب إنشاء الهيئة العامة للتخصيص والشراكة للإشراف على تنفيذ سياسات الحكومة في مجال الشراكة بما يحقق أولويات التنمية الاقتصادية في البلاد.

وجاء المنتدى الأخير ليسلّط الضوء على تجارب وخبرات الدول التي سبقتها في تلك المجالات من خلال عرض النماذج المختلفة لمشروعات الشراكة في تلك الدول، وكذلك معرفة الفرص المتاحة أمام القطاع الخاص للاستثمار في المشروعات التي سيتم طرحها في إطار هذه السياسة الجديدة.

ومن المؤكد أن تشهد المرحلة المقبلة مزيدا من التعاون والمشاركة الفعالة وطويلة المدى بين القطاعين العام والخاص من خلال قيام الحكومة بطرح مشروعات جديدة، حيث تتم حاليا دراسة 38 مشروعًا في قطاعات متعددة منها الصحة والتعليم والنقل وغيرها من القطاعات الأخرى، حيث تتبع هذه المشروعات 11 جهة حكومية تقدّم خدماتها للعمانيين والوافدين. وهذه المشروعات بلا شك تفتح أبوابا جديدة أمام المستثمرين داخل السلطنة وخارجها، وتوجد في الوقت نفسه بيئة أعمال استثمارية جاذبة تتيح فرصًا للمؤسسات التمويلية بالمساهمة في تعزيز الاستثمارات المحلية والأجنبية في البلاد.

فالكثير من دول العالم تعتمد اليوم على أنشطة القطاع الخاص في التنمية باعتباره محورا رئيسيا في التنمية، حيث يعمل على الارتقاء بمستوى الخدمات، وفي توفير فرص العمل للكوادر التي تدخل إلى سوق العمل.

وتجربة السلطنة مع القطاع الخاص ليست وليدة اليوم وإنما تعود إلى فجر النهضة المباركة في السبعينيات من القرن الماضي، في الوقت الذي دعمت فيه الحكومة خلال السنوات الماضية مشروعات إنتاج الكهرباء والمياه وإدارة الموانئ والاتصالات ومشروعات السكن وغيرها، وتم تنفيذها من خلال المؤسسات التابعة للقطاع الخاص. واليوم تأتي مشاركة القطاع الخاص لتعزيز القدرة التنافسية له والتكامل معه في المشروعات.

فالشراكة تعني الثقة والتعاون والتكامل بين كافة الأطراف، وتمثّل مسؤولية مشتركة لخدمة أهداف المجتمع، بجانب أن هذا الأداء بين القطاعين يوجد نوعا من المنافسة.

وفي إطار القوانين الجديدة فإن المرحلة المقبلة ستشهد مزيدا من فرص المشاركة من خلال تفعيل هذه القوانين ومجابهة التحديات وتقييم المخاطر.

ونظرًا إلى أن المجتمع العماني صغير فإن لدينا فرصا عديدة لتعزيز المشاركة بين الحكومة والقطاع الخاص من خلال مشروعات الشراكة سواء مع المؤسسات الكبيرة أو الصغيرة، الأمر الذي يتطلب بناء الثقة ومتابعة الأخطاء للوقوف على المشاكل أولًا بأول.

ولو تمعنا في تجارب بعض الدول التي دخلت في مشروعات المشاركة نجد أن حكومة الهند، على سبيل المثال، تعرّف الشراكة بأنها شراكة بين القطاعين، هما كيان القطاع العام باعتباره السلطة الراعية، وكيان القطاع الخاص باعتباره كيان قانوني يكون فيه النسبة بواقع 51٪ أو أكثر من الأسهم مع الشريك /‏‏ الشركاء الخاصين) لإنشاء و/‏‏ أو إدارة البنية الأساسية للأغراض العامة لفترة محددة من الزمن، وهي الفترة التي تسمى بفترة الامتياز. كما هناك شروطا تجارية لضرورة العمل في هذه المشروعات بكل شفافية وإفصاح.

إن السلطنة تدعو اليوم إلى مزيد من التكامل في مشروعات الشراكة، والعمل بأفضل الممارسات الدولية في هذا الشأن بجانب تبني الإطار المناسب للشراكة لتقييم المخاطر ومتابعة المشروعات أولًا بأول، الأمر الذي يساعد على القدرة التنافسية للبلاد. فالهدف من ذلك في نهاية المطاف هو توفير فرص العمل وتعزيز التنمية بمختلف صورها، وهذا ينسحب أيضا على بعض المشروعات للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والطلبة لتمكينهم من إنشاء مشروعاتهم مثلما هو حاصل في عدة دول أجنبية. ولقد أثبتت التجارب الأجنبية بأن مشروعات الشراكة في العالم أدت إلى زيادة فرص العمل، وعززّت من تأسيس المشروعات، وتمكنت من القضاء على التحديات في بعض القطاعات الاقتصادية، كما نتج عنها حصول الناس على الخدمات بسرعة أكبر وبالتالي تم تغيير الواقع الذي ساد عن مشروعات الحكومات. وهذا لا يعني أن جميع مشروعات الشراكة كانت ناجحة، ولكن من خلال تعزيز الفرص والمشاركة بين القطاعين العام والخاص وبناء الثقة والمتابعة والقضاء على الأخطاء والمحاسبة يمكن تحقيق مزيد من التنمية في الدول.