أفكار وآراء

هل ستصبح بريطانيا العظمى إنجلترا الصغيرة؟

23 نوفمبر 2019
23 نوفمبر 2019

نيكولاس كريستوف - نيويورك تايمز - ترجمة قاسم مكي -

على مرِّ القرون، أفرخت بريطانيا العظمى الثورة الصناعية وتعهدت بالرعاية الديمقراطية النيابية. لقد حكمت البحار وأوجدت القانون العام، كما رعت أول حركة لمحاربة الرقيق ووقفت في وجه هتلر، أما الآن فقد أصابها الجنون.

ستتجه المملكة المتحدة إلى انتخابات جديدة في 12 ديسمبر في وقت يرأس أثناءه كلا حزبيها الرئيسيين أناس يجب ألا يوثق بهم في أي موقع قريب من داوننج ستريت (الشارع الذي يطل عليه منزلا رئيس الوزراء ووزير المالية في لندن- المترجم).

وماهو أخطر من ذلك احتمال أن يتمكن رئيس الوزراء في نهاية المطاف من جرجرة وسحب بريطانيا المجهدة إلى خارج الاتحاد الأوروبي. وهو احتمال راجح.

الذي يحير أصدقاء بريطانيا أنهم يرون جونسون وهو يتقدم في استطلاعات الرأي العام فيما هو يسلك في طيش مسارا يضر ببلده بريطانيا اقتصاديا ويخاطر بتفكيكها. أما نحن أولئك المتعلقون عاطفيا بالمملكة المتحدة (بشكسبير وشاي الكريما وفرقة البيتلز وبسلسلة روايات مغامرات الأطفال «الخمسة المشهورين») فنشعر وكأننا نشاهد صديقا عزيزا يتجرع أقداحا من النبيذ المسكر ويترنح نحو حافة هاوية.

يتفق خبراء الاقتصاد إلى حد كبير على أن خروج بريطانيا من الاتحاد ستتضرر منه التجارة والناتج المحلي الإجمالي على السواء. وتقدر إحدى الدراسات أن بريطانيا ربما صارت أفقر بنسبة 3% وذلك ببساطة لأنها خططت للخروج من الاتحاد. وتقدر دراسة أخرى تدهورا في ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 3.5% في الأجل الطويل، هذا فيما ترى دراسة مختلفة هبوطا في هذا الناتج بنسبة 6% في الأجل المتوسط. وكما نوهت مجلة الإيكونومست، ستكون خطة بوريس جونسون للخروج من الاتحاد أسوأ بالنسبة لاقتصاد المملكة المتحدة من خطة رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي.

من جانب آخر، ستجعل خطة جونسون أيرلندا الشمالية أكثر تكاملا مع جمهورية أيرلندا من باقي بريطانيا. ومع تقلص أهمية الدين (سياسيا) على جانبي الحدود سيتزايد الضغط من أجل توحيد الإيرلنديين. لقد وجد استطلاع حديث أن أغلبية صغيرة في أيرلندا الشمالية تفضل ترك المملكة المتحدة والإندماج مع جمهورية أيرلندا على الرغم من أن تحفظ هذه الأخيرة من وراثة الاقتصاد الأيرلندي الشمالي الأضعف قد يعرقل ذلك.

كتب جوناثان باول الذي كان رئيس أركان رئيس الوزراء توني بلير في صحيفة الفاينانشال تايمز ما يلي «للمفارقة، ربما أن جونسون وقرار الخروج حققا لأيرلندا المتحدة أكثر مما حققه لها الجيش الجمهوري الأيرلندي على الإطلاق». وحذر باول من أن خطة جونسون قد «تشكل علامة على نهاية الاتحاد وتخلف وراءها حكومة إنجليزية صغيرة تحكم إنجلترا صغيرة.»

في إسكتلندا كذلك، يظهر استطلاع آراء وجود أكثرية الآن تفضل الاستقلال. وهناك دعوات لإجراء استفتاء جديد حول الاستقلال.

وترى نيكولا ستيرجان الوزيرة الأولى في إسكتلندا أن أفضل مستقبل لها هو أن تكون بلدا أوروبيا نِدَّا (للبلدان الأوروبية الأخرى) ومستقلا. وتقول «ذلك خيار أنا عازمة على ضمان منحه لشعب اسكتلندا.»

لكن البراجماتية قد تكبح الإسكتلنديين في النهاية لأن من المفترض حينها أن اسكتلندا ستكون خارج الاتحاد الأوروبي وستجد أنها قد اصطنعت لها حدودا مع إنجلترا كذلك. وليس من الواضح إلى حد بعيد أن الاتحاد الأوروبي سيرحب بعودة اسكتلندا خشية تشجيع الانفصاليين في مناطق مثل كاتالونيا.

بل حتى ويلز يبدو أنها أصابها الضجر، فقد وجد مسح أن 41% من الويلزيين سيفضلون الانفصال إذا أمكنهم البقاء في الاتحاد الأوروبي.

حين تتشظى بريطانيا العظمى لن تعود «عظمى» وفي النهاية ربما أن «إنجلترا» هي ما سيتبقى منها. وسيتفرق «شذر مذر» اتحادها الجبار الذي دام لمئات السنين وامتد من أرخبيل أوركني إلى كورنوا ومن بلفاست إلى ليانفير بولجوينجيل بسبب ديماجوجية (تهريج) الساسة الذين لا يستطيعون إدارة أمور حياتهم الخاصة ناهيك عن إدارة بلد.

تشهد لندن على نظرية الرجل العظيم في التاريخ بتماثيلها وأسماء شوارعها وصروحها التي تؤكد على الكيفية التي يغير بها الزعماء التاريخ. نعم إنهم يفعلون ذلك. وإذا تفتتت المملكة المتحدة واستمر اقتصاد بريطانيا في تدهوره سيكون سبب ذلك الحملة الطائشة وغير الصادقة التي يشنها جونسون ومضللوه. وربما سيتذكره الناس باعتباره نسخة لجاي فوكس في قرننا الحالي (جاي فوكس كاثوليكي حاول في عام 1606 تفجير مبنى البرلمان الإنجليزي بالبارود بالتواطؤ مع مجموعة متمردة- المترجم.)

تعكس الانتخابات القادمة حسابات قبيحة، فجونسون يأمل في أن يتمكن من الفوز بأغلبية والحزب القومي الإسكتلندي يريد أن ينتهي الاقتراع قبل أن تشوه سمعته محاكمة اعتداء غير لائقة في العام القادم تتعلق بزعيمه السابق. وإذا لم يفز أي حزب بالأغلبية من الممكن أن نعود مرة أخرى إلى حيث بدأنا أو أن يؤلف حزب العمال حكومة مع الديمقراطيين الليبراليين ثم يجري استفتاء آخر حول خروج بريطانيا من الاتحاد، آمل أن يكون ذلك كذلك.

رالف ذا ريكر «رالف محطم السفن» هو أحد أسلافي البريطانيين، إنه قرصان من قرية هونمانبي بمقاطعة يوركشير. أشعل رالف حرائق على الساحل بقصد خداع السفن كي تصطدم بالصخور، لكنه أعتقل في النهاية وحكم عليه بالشنق. وأثناء وقوفه تحت المشنقة وبعد أن تدلى الحبل جاء رسول مندفعا على حصانه وهو يحمل معه قرارا بالعفو عنه، ولولا ذلك (العفو) ربما لم أكن موجودا هنا.

لذلك أنا أعلم أن البريطانيين قادرون على تغيير أحكامهم ونأمل نحن أصدقاء بريطانيا في «تغيير آخر» حتى يمكن لبريطانيا أن تظل عظمى.