صحافة

الأيام :ثمة ما يستدعي مواقف وقرارات حاسمة

22 نوفمبر 2019
22 نوفمبر 2019

في زاوية آراء كتب طلال عوكل مقالاً بعنوان: ثمة ما يستدعي مواقف وقرارات حاسمة، جاء فيه:

كثيرون هم الذين أخطؤوا في قراءة مآلات «صفقة القرن»، وأكثرهم خطأ من يعتقدون، أن تلك الصفقة المشؤومة، قد فشلت واصطدمت بجدار الموقف الفلسطيني الصلب، ومواقف الدول العربية.

في الحقيقة، فإن الاستقالة التي عاد عنها سريعاً غرينبلات، لم تكن إلاّ مؤشراً كاذباً عن إمكانية توقف أو تراجع الإدارة الأمريكية، ولم يكن، أيضاً، تخفيف التركيز الإعلامي في الفترة الأخيرة، مؤشراً على ذلك.

ربما راهنت الإدارة الأمريكية على إمكانية أن تكون الصفقة، صفقة حقيقية بين أطرافها، لو أن الفلسطينيين استقبلوها بإيجابية، ولو أن بعض العرب المعنيين، نجحوا في إضفاء البعد الإقليمي عليها، والانخراط في تبادلية مصالح ومنافع تمنحها صفة الصفقة، غير أن غياب هذا البعد عنها، لا يعني دفنها وإلقاء التراب عليها.

منذ البداية، أشرنا مع آخرين، إلى أن الموضوع ليس موضوع صفقة وإنما هو موضوع سياسة استراتيجية يسعى الحلف الأمريكي الإسرائيلي إلى فرضها عبر اتخاذ العديد من المواقف التي يجري تكريسها على أرض الواقع. هذه السياسة، تتطابق تماماً وكلياً مع المخطط الصهيوني الأساسي الذي تنفذه السياسة الرسمية الإسرائيلية، ويوافق عليها أو يتواطأ معها معظم، إن لم يكن كل الأحزاب الصهيونية بغض النظر عن مسمياتها. لم يبق في المشهد السياسي الإسرائيلي ما يميز اليمين عن الوسط أو اليسار، فالكل يختار العربة التي يستقلها في القطار الذي يقوده اليمين الصهيوني المتطرف.

المخطط الاستراتيجي الأمريكي الإسرائيلي لا يزال يمتلك دافعية وآليات التنفيذ دون الالتفات ولو للحظة، لكل ما يصدر عن الفلسطينيين أو العرب أو حتى عن المجتمع الدولي كهيئات جماعية ودول منفردة.

الإعلان الذي صدر عن وزير الخارجية الأمريكية بومبيو، بشأن عدم اعتبار المستوطنات، مخالفة للقانون الدولي، وبالتالي فإنها شرعية، يشكل الحلقة الأخرى من حلقات المخطط الأمريكي الإسرائيلي الذي بدأ بالقدس ثم اللاجئين، ثم إغلاق مكتب منظمة التحرير وقطع المساعدات، إلى إعطاء الضوء الأخضر لإسرائيل لإعلان سيادتها على الجولان المحتل. نتانياهو الذي استقبل بالترحيب الإعلان الأمريكي، اعتبره تصحيحا لخطأ تاريخي، ووعد بأن يعلن السيادة على الأغوار، التي ستحدد الحدود الشرقية لإسرائيل.

القرار الأمريكي جاء في توقيت مدروس، لمساعدة بنيامين نتانياهو على فرض منطقه على الآخرين فيما يتعلق بتشكيل الحكومة، وتجاوز الاستعصاء القائم، وقبل يوم واحد فقط من انتهاء المهلة القانونية التي منحها الرئيس الإسرائيلي لبني غانتس لتشكيل حكومة.

في صباح اليوم التالي أي يوم الأربعاء، كانت الطائرات الإسرائيلية تقصف أهدافاً عديدة في دمشق ومحيطها، ما أدى إلى مقتل أحد عشر عنصراً قالت إسرائيل إنهم من الإيرانيين و(حزب الله) والحكومة السورية.

وأراد نتانياهو استثمار ذلك، ليؤكد للإسرائيليين أنه رائد الإنجازات التاريخية الاستراتيجية، ورائد الردع، وتوفير الأمن للإسرائيليين، فإن نجح ذلك في إقناع منافسه بتشكيل حكومة تضمن له مستقبله السياسي، وإن لم تحقق ذلك فإنها ستؤدي إلى تحسين شعبيته في الانتخابات القادمة.

والآن أراهن، أن الإدارة الأمريكية، ستعلن بعد وقت أنها تؤيد إقامة دولة فلسطينية بين ما تبقى من الضفة وغزة، وهو ما يرفضه الإسرائيليون، لكنها أي أمريكا ستدّعي أنها تراعي مصالح الفلسطينيين وحاجتهم لكيان خاص بهم، وبالتالي فإنها لا تتصرف من موقع الانحياز الكامل والأعمى لإسرائيل.

في هذه الحالة سيرفض الفلسطينيون، لكن ذلك الرفض سيمنح إسرائيل ذريعة، لمواصلة تنفيذ مخططاتها التوسعية فيما تدعي أنها «يهودا والسامرة». إزاء ذلك لم يكن ثمة شك في أن إجماعاً دولياً، سيتشكل في اتجاه رفض الإعلان الأمريكي، ونحو التأكيد على الموقف الذي يتطابق مع الشرعية والقانون الدولي الذي يعتبر الاستيطان مخالفاً وغير شرعي.

غير أن السؤال هو ما الذي يمكن أن يفعله المجتمع الدولي للضغط على الولايات المتحدة، أو على إسرائيل للتصرف على نحو مختلف؟.

أمامنا نموذج يتعلق بمدى تأثير المجتمع الدولي على الموقف الأمريكي الإسرائيلي من الوكالة الدولية لغوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا».

صحيح أن مئة وسبعين دولة صوتت لصالح تمديد التفويض الممنوح للوكالة الدولية، ولكن هذا الإجماع لم ينجح في أن يفرض التراجع على الولايات المتحدة، ولم ينجح، أيضاً، في معالجة الأزمات المالية التي تعاني منها هذه الوكالة التي بالكاد تستطيع القيام بالحد الأدنى من واجباتها، الأمر الذي سيضطرها إلى تقليص تلك الخدمات إلى ما هو أقل من الحد الأدنى.

يجتمع مجلس الأمن، ويناقش، في محاولة للتأكيد على قرارات الأمم المتحدة وآخرها قرار 2334، لكن الفيتو الأمريكي موجود، وسيمنع صدور أي قرار أو بيان مخالف للسياسة الأمريكية.

مع ذلك ثمة ما يمكن وينبغي عمله، على مستوى الأمم المتحدة ومؤسساتها، وربما على مستوى المحاكم الدولية، وهذا عمل سياسي ودبلوماسي وحقوقي سيقوم به الفلسطينيون. ولكن خطورة السياسة الأمريكية الإسرائيلية باتت تستدعي تجاوز بيانات الاستنكار، والتوصيف، والتحذير من التداعيات، إلى اتخاذ المواقف العملية. إن خطورة السياسة الأمريكية باتت تستدعي من القيادة الفلسطينية، الإعلان عن أن الولايات المتحدة هي العدو الأول للشعب الفلسطيني، وهي تاريخياً لم تكن غير ذلك، ويستتبع هذا الإعلان قرار بالإعلان عن إلغاء كل الاتفاقيات التي أبرمتها السلطة مع الولايات المتحدة، وهذه فاتحة عمل لجملة من السياسات والمواقف.