1376528
1376528
المنوعات

راعي إبل في الصحراء الغربية يدمج الأساليب التقليدية بالحداثة

21 نوفمبر 2019
21 نوفمبر 2019

الداخلة (الصحراء الغربية)، (أ ف ب) - ما زال حبيب الله الدليمي يسير على خطى أجداده ويتنقل بين شعاب الصحراء الغربية حيث يرعى قطيعا من الإبل يستغله في إنتاج الألبان وبيع اللحوم، وكذلك رياضة سباقات الجمال.

لكن مظاهر الحداثة اقتحمت حياة هذا الراعي المتحدر من قبيلة أولاد الدليم، فخلافا للأجداد، يستقر حبيب الله برفقة عائلته في مدينة الداخلة ولا يمارس الترحال إلا للرعي. ويتعقب أثر قطيعه من خلال معطيات «جي بي إس» مرتبطة بهاتفه الذكي، متنقلا في سيارة رباعية الدفع.

ويأسف حبيب الله (59 عاما) «لأن شباب اليوم يفضلون البقاء في المدن» حيث يضطر للاستعانة برعاة يعملون لحسابه غالبيتهم قادمة من الجارة موريتانيا، لكنهم أيضا «يطلبون العمل في مناطق مغطاة بشبكة الهاتف النقال».

في المقابل، تستمر قطعان الإبل في ترحالها بكل حرّية كما اعتادت منذ القدم غير آبهة بوجود تغطية شبكة هاتف أم لا.

ويضيف متحمسا «عندما تتغذى على أعشاب برية وتمضي اليوم في التجوال يكون الحليب أجود»، شارحا فوائد حليب الناقة الذي يعتبر «مصدر الحياة» بالنسبة إلى الرحل.

ووفقا للعادات والأعراف المحلية أيضا، يرفض حبيب الله ذكر تعداد قطيعه لأن ذلك «نذير شؤم»، مؤكدا أنه يعرف إبله واحدا واحدا تماما كما «يعرف الصحراء والصحراء تعرفه».

ويقول معبّرا عن عشقه هذا الحيوان إنه «يستطيع تحمل كل شيء: الشمس والرياح والرمال ندرة المياه...»، معتقدا أنه «لو كان بإمكانه النطق لرأينا أنه فعلا الأكثر ذكاء» بين الحيوانات.

ويظهر ولع حبيب الله بالإبل حتى على صفحته في «فيسبوك» التي ينشر فيها كل ما يتعلق بتقنيات تربية الإبل ومستجدات الأبحاث العلمية حول الموضوع، فضلا عن أخبار رياضة سباقات الجمال.

لكنه يأسف لأن «تربية الإبل من أجل إنتاج الألبان واللحوم تطورت في كل أنحاء العالم إلا هنا»، رغم أن استهلاك حليب الناقة «بات توجها» بالنسبة إلى عشاق المواد الغذائية الصحية وأن «لحوم الجمال رائعة».

وأجرت السلطات المغربية دراسات حول تربية الإبل التي تحظى بنجاح في بعض البلدان التي تتميز بمناخها الجاف مثل المملكة العربية السعودية، لكن هذا القطاع لا يحظى بعد بالأولوية.

وتعتبر وجهة وادي الذهب جزءا من الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.

وبينما تطالب الجبهة باستقلال المنطقة، يقترح المغرب الذي يسيطر على 80 % من مساحتها، منحها حكما ذاتيا تحت سيادته. وترعى الأمم المتحدة منذ عقود جهودا لإيجاد حل سياسي متوافق عليه ينهي هذا النزاع. واختار حبيب الله «الوفاء» للمغرب في حين فضّل آخرون من أقاربه الالتحاق بمخيمات البوليساريو في الجزائر لأنهم «يريدون الاستقلال». لكن «القبيلة تبقى فوق كل الاعتبارات تجمعنا في إطارها روابط متينة جدا»، كما يوضح.

وأسس حبيب الله جمعية ثقافية تسعى إلى «الحفاظ على الماضي من أجل المستقبل» ورعاية التقاليد الموروثة عن «زمن لم تكن فيه الحدود موجودة حيث تتنقل العائلات تبعا لحركة القطعان وجريان السحب في السماء».

وأصبح هذا النمط التقليدي جزءا من الماضي حيث استقرت الكثير من العائلات الصحراوية في المراكز الحضرية مثل مدينة الداخلة عاصمة جهة وادي الذهب التي تضاعف عدد سكانها ثلاث مرات خلال 20 سنة ليقارب حاليا 100 ألف.

وتراهن السلطات المغربية على تطوير قطاعات الصيد البحرية والسياحة والزراعة داخل الحقول المغطاة في المنطقة.

وفي موازاة هذا التطور، توسع مجال تربية الإبل بعدما كان في الماضي مجرد نشاط معيشي بقطعان صغيرة، ليشمل حاليا 600 ألف مربٍ يملكون 105 آلاف رأس من الإبل و560 ألف رأس من الأغنام والماعز، بحسب أرقام مغربية رسمية.

ويمثل امتلاك جمل في الصحراء استثمارا ثمينا وفقا للتقاليد المحلية كما يوضح حبيب الله مستشهدا بمثل شعبي يقول «من لا يملك جملا لا يملك شيئا». ويضيف ممازحا «حتى أن البعض يعتقد أن الصحراويين مجانين إذ بمجرد أن يحصلوا على أموال يشترون بها هذه الدابة».

وتعززت القيمة المادية للإبل في المنطقة كذلك بفضل رياضة سباقات الجمال التي تمثل «مصدرا للدخل فضلا عن المتعة» كما يقول الراعي الصحراوي.

ومنذ أن مولت الإمارات العربية المتحدة بناء ميدان عصري لسباقات الإبل في مدينة طانطان (نحو 900 كيلومتر شمالا)، «ارتفعت قيمة الإبل التي تمارس سباقات الجري وصارت تباع بأسعار تصل إلى 120 ألف درهم (حوالى 12 ألف دولار)» وفق حبيب الله.

وينتقي حبيب الله الإبل المرشحة لممارسة هذه الرياضة من بين المواليد الجديدة ذكورا وإناثا، بناء على مؤهلاتها البدنية.

ثم يدربها «عبر مطاردتها بسيارة رباعية الدفع في الصحراء، دون حاجة إلى إجراء أي تعديلات على جيناتها» كما يقول ممازحا.