أفكار وآراء

التكنولوجيا المالية والاقتصاد الحقيقي

20 نوفمبر 2019
20 نوفمبر 2019

مصباح قطب -

[email protected] -

أعلنت مجموعة «سيتي» المصرفية العالمية منذ أيام عن أسماء الفائزين في ما سمي «تحدي سيتي في مجال تقنيات التكنولوجيا المالية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» ، حيث فازت شركتان مصريتان في هذا التحدي مع فائزين آخرين، من تركيا وبيرو والمملكة المتحدة.

كان التحدي قد أتاح لكيانات التقنيات المالية في المنطقة الفرصة لبلورة أفكارهم واختبارها على الأرض والتوصل إلى حلول مبتكرة تدور حول أربعة مجالات حاسمة في العمليات المالية تم تحديدها مسبقا وهي : رقمنة التحصيلات النقدية ، والدفعات المضمونة ، وإتاحة إنجاز المعاملات بين الشركات وبين الشركات والأفراد ، ورقمنة العمليات التجارية.

وقال محمد عبد القادر، الرئيس التنفيذي لسيتي بنك في مصر في منتدى صحفي شاركت فيه ، إن مستوى جودة التطبيقات والحلول المقترحة حاز تقديرا كبيرا وإن هناك تناميا واضحا جدا لوتيرة الابتكار والتطور المتسارع في مجال التقنيات المالية في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

أصل القصة أنه في إطار الاستعداد ليوم التقنيات المالية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كان سيتي بنك قد وجه دعوة لأكثر من 1000 شركة متخصصة في مجال حلول التقنيات المالية في المنطقة لتقديم حلول لمعالجة واحدة أو أكثر من المجالات الأربعة المحددة في إطار التحدي بعدها تم وضع قائمة أولية تضم 60 من المتقدمين الذين تم دعوتهم لتقديم مشاركاتهم إلى لجان التحكيم التابعة لسيتي بنك، وذلك خلال حلقات عمل عقدت في مختلف أنحاء المنطقة عبر خمس مدن هي دبي (الإمارات العربية المتحدة) وكراتشي (باكستان) والقاهرة (مصر) وعمان (الأردن) وإسطنبول (تركيا)، وذلك قبيل مرحلة اختيار الفرق الثمانية النهائية (فريقان لكل مجال مشكلاتي). وتم تخصيص موجه من سيتي لكل فريق لتحسين مستوى الحلول التي يقدمها قبل الوصول إلى «يوم التقنيات المالية» في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي إطار «يوم التقنيات هذا قام كل فريق بتقديم عرض توضيحي لحلوله قبل عرضها على لجنة تحكيم سيتي. لفت نظري ككاتب أمور كثيرة خلال اللقاء الصحفي والذي تم فيه أولا عرض جهد البنك في مجال المسؤولية المجتمعية ثم إعلان الفائزين المشار اليهم، وأخيرا عرض رؤية البنك للاقتصاد المصري في ظل الأوضاع بالمنطقة والعالم . أول الأمور كان منهج سيتى في مصر فالبنك كان قد باع نشاط التجزئة المصرفية منذ 2015 وتفرغ تماما لنشاط أعمال الخزينة والتجارة الخارجية وتمويل الشركات والمؤسسات وتقديم الدعم الفني للزبائن وأعمال المقاصة والتسوية والحفظ ، وبعدد أفراد نحو 125 ومن خلال ثلاثة فروع فقط حقق للشركة الأم ( سيتى جروب ) أكثر من 100 مليون دولار أرباح ( متوقعة ) في 2019 وينتظر نمو الأرباح بنحو 7 إلى 8 % في 2020 ويثير ذلك العديد من القضايا الجادة فصحيح أنه من حق كل بنك أن يحدد المجالات التي يرى أن له فيها ميزة تنافسية عالية إلا أن من حق الرقيب أو الجمهور أن يتساءل حول قدرة البنك على الوفاء بتعليمات المركزي بتخصيص نسبة معينة من التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة باعتبارها محرك النمو والوظائف في كل البلاد الآن وفى القلب منها أمريكا ذاتها . ويقوم البنك بحوار فني وموضوعي حاليا مع المركزي في هذا الصدد حول أساليب حساب هذا النصيب من التمويل مع بنك اختار طريقا خاصا للعمل في مصر وفي بلاد أخرى كثيرة ولا يوجد ما يمنعه قانونا، ومن المصادفات أن التكنولوجيا التي رعاها البنك واختار من خلالها فائزين ستقدم له دعما جديدا في حواره مع الرقيب المصرفي فإحدى الشركتين المصريتين الفائزتين ستقدم حلولا مهمة للغاية للمحال الصغيرة والموردين الصغار في علاقتهم بالمولات التجارية الكبيرة والمستهلكين والثانية ستقدم حلولا مبتكرة أيضا لتسوية مدفوعات الصيدليات لشركات إنتاج الدواء وتبسيطها وتسريع دورتها وبالتالي يعتبر البنك انه بتطبيقه لتلك الحلول سيخدم عشرات الألوف من المنشآت الصغيرة أي يحقق في المجمل هدف المركزي من شرط تخصيص تمويل محدد لها . ويبقى في نهاية هذا الجانب التعليقي أن أشير إلى أن المنطقة والعالم كله فيه نشاط محموم لتطوير التكنولوجيا المالية وهذا أمر لا غبار عليه بيد أنه يجب أن يخدم تطوير الاقتصاد الحقيقي والمستهلكين جنبا إلى جنب مع خدمته البنوك ومعدلات تنافسيتها وأرباحها مع ملاحظة أن وتيرة التطور في «فين تك» أسرع من أي تطور في زيادة إنتاج الغذاء والكساء والدواء والسكن للبشرية.

كان مما دار في ذهني في حالة الشركة الثانية الفائزة هو الفائدة التي ستعود على الصيدليات من تطبيق مثل تلك الحلول والتي ستوفر على شركات الدواء جهدا وأموالا ومرتبات أفراد كانت تهدر لأجل تحصيل النقدية ونقلها إلى حسابات المنتج للدواء، وجاء الرد انه يتم فعلا دراسة إيجاد حوافز للصيادلة وعليه كان سؤالي الثاني لممثلي الشركتين الفائزتين هو: لماذا يحدث كثيرا ورغم الوفورات التي تتم جراء رقمنة الخدمات أن ترتفع أسعار الخدمات المرقمنة؟ وجاء الرد بأن هناك نهجا شائعا قصير النظر في الشركات والحكومات بالمنطقة يريد تحصيل تكاليف البنية التحتية التي وفرت الحل الرقمي بسرعة ودون النظر إلى الوفورات التي ستتحقق بشكل بعيد المدى ومستديم لهم ولهذا يحملون المستهلك تلك التكلفة وعليه لابد من نهج مختلف في التفكير بما يجعل الجمهور شريكا في جني المنافع مرتين الأولى بتسهيل وتسريع أداء الخدمة والثانية بتقليل تكلفتها أو رفعها بمقدار بسيط . كانت القضية الأخيرة التي دار حولها جدل بالمنتدى الصحفي غير تكنولوجية وهي أن البنوك بصفة عامة تحقق أرباحا كبيرة من الاستثمار في أدوات الدين الحكومية فكيف ستواجه اللحظة التي تتراجع فيها الاستدانة الحكومية على خلفية انخفاض عجز الموازنة والذي يقل معه سعر الفائدة ؟. تنوعت الردود لكن مجملها هو أن التحدي الحقيقي أمام المصارف هو زيادة تمويل المشاريع ، والأنشطة الجيدة ، والعمل كمحفزات بتأسيس شركات مدروسة وفتح المجال للأفراد والشركاء فيها، ثم التخارج منها ، وتكرار الأمر وهكذا فهذا هو السبيل الوحيد لتعظيم الأصول الإنتاجية والخدمية للبلاد وضمان أرباح مستدامة للبنوك.