رندة_صادق
رندة_صادق
أعمدة

عطر: أخوَت

20 نوفمبر 2019
20 نوفمبر 2019

رندة صادق -

[email protected] -

قبل أن ننطلق في رحلتنا مع هذه المقالة، يجب أن أشرح لكم هذه الكلمة «أخوَت» وهي كلمة باللهجة اللبنانية تعني «المجنون»، ولطالما وجد هذا الأخوَت في أزمنة عدة وتنقل عبر التاريخ والزمان والمكان، حتى بات لا يغيب في كل صورة ويكمل المشهد في كل حيّ أو مدينة هو الدرويش البسيط الحكيم الذي يُطبق المثل القائل: «خذ الحكمة من أفواه المجانيين».

من جهة أخرى أصرت الدراما العربية سابقا على إظهار هذه الشخصية في أعمالها السينمائية أو أعمالها التلفزيونية وحتى الإذاعية، فصورته الأضعف بين الأقوياء الذي يثير الضحك بطرافته ويترك التساؤلات تتطاير من صرخاته، وغرابة شكله لا تقل دهشة عن غرابة جمله التي كانت تشير إلى أنه يعرف أكثر من الجميع ويستشعر الخطر بطريقة عجيبة، بل ويتوقع مصير البعض من الأشرار ويحذر الأخيار من المستقبل المظلم القادم، يبتسم للحب ويساعده بالدعاء والإيحاء للمحبين، وإن سألته بأمر ما هزّ رأسه وكأن من حوله هو المجنون، فاقد الأهلية ليدرك حجم وعيه وإحساسه بالغد القريب والبعيد.

وهذا الذي تقدم جاء لأوضح أن الجنون أنتج حكمة في كثير من الأحيان، وانه ربما يجب أن نعيش هذه الحالة أحيانا لنغير من رتابة حياتنا ونبلغ مرحلة الحكمة. الحكمة هي خلاصة التجارب وقمة النضج ولا ينطق بها إلا العقلاء، ولكن من هم العقلاء؟ العقلاء لا تعني من يملك عقلا أفضل من غيره أو من يتبع فكرا منطقيا أو يحلل بطريقة علميَة، بل هو من يملك القدرة على التمييز بين الخير والشر بين الخطأ والصواب، وقد لا يكون من المتعلمين أو من المثقفين أو البارزين في مجتمعه، بل قد يكون إنسانا بسيطا يملك روحا متقدة تلتقط ما ينكشف لها من عوالمها الداخلية وتترجمها بمواقف تقترب في كثير منها من الصواب.

نحن لا نصادف بحياتنا الكثير من العقلاء الذين تمكنوا من تنقية الشوائب من المواقف ومن الكلمات ومنحونا الحكمة التي نحتاجها في حياتنا الضيقة أو العامة. قد نحتاج قليلا من الجنون لنتمكن من فهم كل المتناقضات المجنونة من حولنا ولنفهم كيف نركب جميعنا سفينة واحدة ويصر البعض منا على التجذيف بعكس المسيرة؟

من المعروف أن التناقض يولد صراعا طبيعيا يأخذنا إلى نقطتين متقابلتين تتجاذبان لتنتصر واحدة منهما، النصر ليس دائما للعقل قد ينتصر العقل المجنون ويقود السفينة إلى مكان أفضل وأكثر ملاءمة لحاجات المجتمع أو الفرد. بعضنا يصر على تحقيق أهدافه بالطرق المعقدة والنمطية والتي يصرف بها طاقاته دون أن تفضي به إلى نتيجة، وكأنه يصارع وجهه في المرآة فينشب أظافره في لحمه الحي فلا يدمي إلا نفسه.

قليل من الجنون يقتل الخوف القامع في قلوبنا ويسلخ حدودنا فنتخطى أسورانا الذاتية لننطلق في حياتنا، خاصة أننا لن نعيش إلا مرة واحدة، لذا لا مانع أن تكون أخوَتا ليوم واحد أو لعدة أسابيع أو أشهر، فقليل من الجنون لا يضر بل قد يحدث تغيرا كبيرا في حياتك ويجعلك تمارس تلك الحكمة غير الواعية التي تفرضك كشخص قوي الحضور صاعق الجرأة ناجح، لأن النجاح ليس وليد الصدفة كما يروج له دائما، بل هو حليف أولئك الذين يتمتعون بشيء من الجنون الإيجابي الذي يطلق العقل إلى أماكن ممنوع الوصول إليها، فيجد لنفسه مساحة لا ينافسه عليها أحد، وان نافسه فسيزيده قوة ليتمسك بمكانه ويطور ذاته نحو الأفضل .

وهنا لا بد أن نذكر مقولة باولو كويلو التي تقول: «ممل أن تكون عقلانيا دائما، ففي بعض الجنون حياة».