أفكار وآراء

تطلعات لتحقيق الوفاق الخليجي

19 نوفمبر 2019
19 نوفمبر 2019

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

القمة القادمة تعد هي الركيزة والتي من خلالها يتصالح الأشقاء ومن خلال انتهاء الأزمة الخليجية سوف يكون ذلك مدخل نحو إنهاء الحرب في اليمن وإيجاد مقاربات سياسية تخرج المنطقة إلي مناخ من الاستقرار والسلام والعودة إلى استكمال منظومة العمل الخليجي والتي حققت خلال الأربعة عقود الماضية مكاسب مهمة لشعوب المنطقة.

منذ تصاعد الأزمة الخليجية عام 2017 والأمور تتجه إلى الأسوأ في واحدة من أكبر التحديات التي واجهت مجلس التعاون الخليجي منذ قيامه في شهر مايو 1981 حيث حدث شرخ كبير بين عدد من أعضائه لأسباب قد يتفق عليها البعض ويختلف البعض الآخر، وقد أدى ذلك الخلاف إلى تأثير مباشر على القمم الخليجية من حيث التمثيل كما شهد المجلس غياب عدد من اجتماعاته الوزارية علاوة على الإحباط الشعبي والذي كان ينظر إلى منظومة مجلس التعاون الخليجي كمظلة للتعاون والتكامل في المجالات المختلفة.

وبنظرة فاحصة على عدد من المجموعات الإقليمية كالاتحاد الأوروبي أو الأسيان فان مجلس التعاون الخليجي ومن خلال العوامل الجغرافية والتاريخية والامتداد الاجتماعي وتشابه أنظمته السياسية كان مؤهلا لأن يكون من المجموعات أو التكتلات الاقتصادية الأكثر نجاحا في الإقليم والعالم كما أن تشابه اقتصاديات دولة وتقاربها الجغرافية كان كافيا لإيجاد منظومة نشطة تؤدي إلى التكامل والتعاون بين الدول الست.

والخلافات السياسية بين الدول هو أمر وارد وطبيعي بسبب اختلاف الاجتهادات والرؤى ولكن تلك الاختلافات يمكن حلها وفق رؤية موضوعية من خلال آليات الحوار، ومن هنا فإن مجلس التعاون ومن خلال رئاسة السلطنة هذا العام بدأ نشاطه المعتاد قبل عام 2017 حيث شهدت مسقط زخما من الاجتماعات الوزارية والهيئات المشتركة في كل مجالات التعاون الخليجي وكان ذلك مؤشرا على مناخ إيجابي سوف يقود إلى المصالحة المنشودة والتي يتطلع إليها أبناء المنطقة وحتى العالم نظرا لأهمية المنطقة اقتصاديا واستراتيجيا.

رؤية جلالة السلطان

استشعرت السلطنة ومن خلال خبرتها التراكمية دبلوماسيا بأن التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة سوف يكون له نتائج كارثية على المنطقة ومقدراتها ولعل أولى الإشارات هو تحذير السلطنة من اندلاع أي حرب لأن ذلك سوف تكون له تداعيات خطيرة وقد تدفع بالأمر إلى عسكرة المنطقة وقد حدث ما توقعته السلطنة بعد اندلاع الحرب في اليمن والتي دخلت عامها الخامس دون تحقيق حسم عسكري للمتحاربين.

إن الحرب في اليمن كانت لها تداعيات معقدة وكارثية خاصة على الصعيد الإنساني حيث يعاني الشعب اليمني الأمرين وتبذل السلطنة جهودا كبيرة لإيجاد حل لوقف هذه الحرب وكانت محادثات استوكهولم أولى الخطوات على طريق الحل علاوة على الاجتماعات غير المعلنة بين الفرقاء وكان اتفاق الرياض بين بعض الفرقاء اليمنيين خطوة إيجابية نحو حل الإشكال في جنوب اليمن بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي من خلال تقاسم السلطة وقد بدأ عدد من الوزراء في الحكومة اليمنية في الوصول إلى مدينة عدن. وتبقى الجهود في إيجاد مقاربة سياسية بين جماعة أنصار الله ودول التحالف الذي تقوده السعودية وهناك تحركات مهمة تقودها السلطنة نحو إنهاء تلك الحرب ولا شك أن لقاء جلالة السلطان المعظم مؤخرا مع الأمير خالد بن سلمان آل سعود نائب وزير الدفاع السعودي يعطي إشارات حول الجهود العمانية وفق الرؤية الثاقبة لجلالته - حفظه الله - لحفظ مقدرات شعوب المنطقة وإن الحروب ليست هي الحل لإنهاء المشكلات.

وقد تزامن هذا الحدث المهم مع مشاركة دول مجلس التعاون في دورة كأس الخليج العربية والتي سوف تقام أواخر الشهر الحالي في قطر وهذا تطور إيجابي له مردوده الشعبي حيث إن الرياضة يمكن أن تساهم في تقارب الشعوب وهناك نماذج عديدة حيث أذابت الرياضة الخلافات بين الولايات المتحدة والصين من خلالة البينج بونج.

الدبلوماسية العمانية تطرح دوما خيار السلام لحل النزاعات وتقريب وجهات النظر ولها دور كبير ونشط على المستويين الإقليمي والدولي وهذا يعود إلى المصداقية والاحترام الذي تتمتع به السياسة الخارجية للسلطنة ممثلة في رؤية جلالة السلطان المعظم رجل السلام والحريص على استقرار المنطقة والدفع بالمعايير الإنسانية والأخلاقية في السلوك السياسي إلى الأمام ولعل إطلاق مشروع جلالته حول مؤتلف القيم الإنسانية الذي تم الإعلان عنه في العاصمة الإندونيسية جاكرتا دليل على تلك الرؤية الحضارية والإنسانية.

نحو الحل

هناك إشارات تتحدث عن المصالحة الخليجية وخاصة بين قطر والسعودية والتي تمثل مفتاح الحل مع بقية دول المجلس وهي مملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة حيث إن السعودية تمثل الثقل الاقتصادي والديني في المنطقة ولعل من مصلحة المنطقة وفي ظل التحديات الأمنية التي تواجه المنطقة هو وجود الكتلة الخليجية موحدة.

ولعل حديث جلالته - حفظه الله - خلال ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء الموقر مؤخرا حول أن هناك تفاؤلا نحو استقرار المنطقة وحل الخلافات بين الأشقاء يعطي مؤشرا بأن السلطنة ومع دولة الكويت الشقيقة تسعيان إلى إيجاد مقاربة سياسية لإنهاء ملف الأزمة الخليجية. كما أن الحرب اليمنية لابد أن تتوقف من خلال حوار بين الفرقاء في اليمن ودول التحالف ويبدو أن هناك قناعات مشتركة بأن الحسم العسكري وبعد مضي أكثر من أربع سنوات أصبح أقرب إلى المستحيل.

وعلى ضوء ذلك فإن فتح باب الحوار يظل هو الآلية التي من خلالها تنتهي الأزمات ولا شك أن الحوار العلني بين الفرقاء قد حدث هنا وهناك وهذا شيء إيجابي حدث خلال محادثات الملف النووي الإيراني مع القوى الكبرى والذي كان للدبلوماسية العمانية دور كبير ومقدر وتم إنهاء التوتر في المنطقة والتي كانت على وشك اندلاع حرب بين إيران والولايات المتحدة وبتحريض من الكيان الإسرائيلي. كما أن التوتر الذي حدث بعد انسحاب إدارة الرئيس ترامب من الاتفاق النووي الإيراني وتفجيرات السفن وضرب المنشآت النفطية لشركة أرامكو في السعودية كاد أن يتسبب في حرب كارثية تدمر من خلالها مقدرات المنطقة والتي تحققت خلال نصف قرن ومرة أخرى كان للجهود العمانية البعيدة عن الأضواء الإعلامية دور مهم في إطفاء حرائق المنطقة. إذن الحوار المباشر حتى لو كان غير علني هي مسألة مهمة لإنهاء ملفي الأزمة الخليجية وحرب اليمن كما أن اليمن الشقيق يحتاج إلى احتواء خليجي من خلال مشاريع التنمية لأن استقرار اليمن وتنمية شعبه هو خيار استراتيجي وفي صالح دول المنطقة وبالتحديد دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

قمة المصالحة

وعلى ضوء تلك التطورات الإيجابية في الأزمة الخليجية ومن خلال اتفاق الرياض والحوار غير العلني بين الفرقاء في الأزمة اليمنية ومشاركة دول مجلس التعاون في كأس الخليج في الدوحة فإن القمة الخليجية المرتقبة في شهر ديسمبر ينتظرها الجميع نحو إعلان المصالحة والاتفاق على كلمة سواء وهذا الأمر سوف يكون انعكاسه الإيجابي كبيرا على شعوب المنطقة وعلى عودة اللحمة الخليجية حيث النسيج الاجتماعي الواحد والمصالح المشتركة. القمة القادمة تعد هي الركيزة والتي من خلالها يتصالح الأشقاء ومن خلال انتهاء الأزمة الخليجية سوف يكون ذلك مدخل نحو إنهاء الحرب في اليمن وإيجاد مقاربات سياسية تخرج المنطقة إلى مناخ من الاستقرار والسلام والعودة إلى استكمال منظومة العمل الخليجي والتي حققت خلال الأربعة عقود الماضية مكاسب مهمة لشعوب المنطقة.

والتكتلات الاقتصادية الإقليمية أصبحت تعمل على رفاهية الشعوب والانطلاق نحو نهضة مزدهرة كما هو الحال مع منظمة الأسيان وهي دول تختلف في عدد من الرؤى والعداء التاريخي نتيجة الحروب ومع ذلك أصبحت تلك المنظمة تعمل وبشكل متواصل للنهوض بشعوبها وحققت خلال نصف قرن تطور مذهل في كل المجالات، ودول مجلس التعاون لديها الإمكانات الكبيرة ووحدة الهدف والتي تستطيع تحقيق رؤية دول المجلس نحو نقلة نوعية من التكامل الاقتصادي والاجتماعي والعلمي والثقافي لتصبح المنطقة مكان جذب في كل المجالات ويتطلع مواطنو المنطقة كما القادة إلى انتهاء تلك الأزمة والانطلاق بروح الفريق الواحد لتحقيق آمال الشعوب. ولعل من الخطوات الأساسية أن يلعب الإعلام الخليجي دورا إيجابيا وتنتهي أي مهاترات لا تصب في خدمة قضايا المنطقة لتبقى المنطقة واحة للسلام والتجارة والتواصل الحضاري كما كانت في العقود السابقة.