Ahmed
Ahmed
أعمدة

نوافذ: أتصورها.. مغالطة في الفهم

19 نوفمبر 2019
19 نوفمبر 2019

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

مما يشاع مقولة: «أنت كما تريد» ومن فرط التفاؤل نحو تحقيق «أنت كما تريد» ألفت برامج، ومقولات، وألقيت محاضرات، وألبس الفهم العام عند كثير من الناس بحتمية تحقيق هذه الصورة، فقط عليك أن تغمض عينيك عندما تأوي إلى النوم؛ كما يقول أحدهم، وتتخيل ما تريده، وإذا بغدك الجديد، تجد ما أغمضت عينيك عليه؛ وقد تحقق على أرض الواقع؛ وأنت سليم معافى، دون أن تبذل جهدا، أو تسهر ليلا، أو تقرأ كتابا، أن تسافر بلدا، أو تعيش مخاطرة ما.

إنها صورة «تعويمية» لحقيقة الواقع، بل أنها هروب مما يلزمك هذا الواقع من بذل، وجهد، وتضحية، وبالتالي متى صادف هذا الحلم المغالي في تقديره، وفي تجاوز واقعه، شيئا مما أغمضت عليه عينيك قبل منامك، وتخيلته واقعا، فإن ذلك سوف ينقلك مباشرة وفق مفهوم «أنت كما تريد» وقد يشعرك ذلك بالاطمئنان بقدرتك على تحقيق كل ما تريده، بمجرد أن تغمضك عينيك وتتخيل ما تريد، وبالتالي تنتقل مباشر إلى ما تشير إليه مقولة: « إذا كان النجاح يجعلك متكبرا فأنت لم تنجح حقا» ولن يدور في خلدك إطلاقا إلى ما تشير إليه المقولة ذاتها في الجزء الثاني منها: «وإذا كان الفشل يجعلك أكثر تصميما فأنت لم تفشل حقا».

وهذه من الإشكاليات المفاهيمية المغلوطة، حقا، في ما يجب أن يشعر به الإنسان مع نفسه، وما يقنع به مع ذاته، ولو كانت الصورة بهذه البساطة لما عاش على وجه هذه الأرض، فقيرا، أو معدوما، أو أميا، أو مظلوما، أو مسكينا، أو يتيما، أو مستضعفا، أو محروما، أو مهزوما، فكل هؤلاء يحلمون في اليوم عشرات المرات، لأن تتبدل أحوالهم من حالة العسر؛ إلى حالة اليسر، ومن حالة الضيق، إلى حالة الاتساع، ومن حالة الهزيمة؛ إلى حالة النصر، ومن حالة الظلم، إلى حالة العدالة، ومن حالة الفقر؛ إلى حالة الغنى، ومن حالة الضعف؛ إلى حالة القوة، وبالتالي فإشاعة هذا النوع من المفاهيم في المجتمع، ينتقل الحالمون من حالة القلق المفضي إلى ضرورة اعتناق الجد والاجتهاد، إلى حالة الاطمئنان أنه يمكن تحقيق أي شيء تلمحه الذاكرة، حتى ولو على غير سبيل القصد، وهذه أكبر مصيبة في حقيقة الوعي بالواقع من ناحية، وفي حقيقة الأشياء بأسبابها ومسبباتها من ناحية ثانية، وفي الاستسهال بالأخذ بالأسباب لتحقيق الآمال والطموحات؛ من ناحية ثالثة، والمحصلة أناس خاملون، ضعفاء، اتكاليون، لا تعنيهم كثيرا مسألة: «ومن لا يحب صعود الجبال؛ يعش أبد الدهر بين الحفر» كما هي رائعة أبي القاسم الشابي - رحمه الله -.

يقال: «إذا قست عليك الحياة فأعلم أن هناك درسا لم تتعلمه بعد» ووفق هذه المقولة، فتجربة الحياة ليست كأس ماء بارد تعبه في لحظة عطش، وقد ذهب العطش، فلا بد أن تكتوي بمناخات هذه التجربة، وما أقساها في لحظة المعايشة، وما أمر طعمها في لحظة امتصاص رحيقها عن غير إرادة، ومع ذلك فكثير ممن عاش تجربة حياة قاسية، لم يجن ما كان يحلم به، ولم يرتق خطوات السلم التي تعقب الخطوة الأولى، حيث أقعدته الحياة في مربعه الأول، فمنهم من رضي وصبر، ورأى في قول القائل: «الأشياء الجميلة بداخلنا ليست في الأحداث، فعندما نمتلك عينا جميلة نرى كل شيء جميلا وعندما نمتلك نفسا راضية سنرضى ولو بالقليل» شيئا من الوجاهة، وجبر الخاطر، ومنهم من تململ، واضطرب، ولعن الظروف «جهلا بالحقيقة» ونسي في لحظة الانفعال، أن هناك مدبرا للكون ومن فيه (وما بكم من نعمة فمن الله، ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون) النحل (53).