الملف السياسي

الدولة العصرية والاستقرار السياسي

18 نوفمبر 2019
18 نوفمبر 2019

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

مع الاحتفالات الوطنية بمناسبة العيد الوطني التاسع والأربعين نعيش هذا الزخم الكبير من المشاعر التي تعبر عن فرحتنا بميلاد القائد جلالة السلطان المعظم وأيضا بميلاد أمة وشعب، من خلال الدولة العصرية والتي تحدث عنها جلالته - حفظه الله - في اليوم الأول من بزوغ النهضة المباركة والتي أصبحت حقيقة يراها كل إنسان رأي العين.

ان الدولة العصرية بكل مكوناتها لا تنحصر في الجانب المادي وهو مهم ولكن من خلال بناء الإنسان العماني والذي يعد محور التنمية من خلال المعايير الإنسانية والأخلاقية، ومن خلال إيجاد منظومة مجتمعية تعتمد على العلم والمعرفة والسلوك القويم انطلاقا من موروث حضاري وتاريخي يمتد لآلاف السنين، ومن هنا فإن أركان الدولة العصرية ونحن نقترب من نصف قرن قد تحققت من خلال فكر مستنير لجلالة السلطان المعظم انطلاقا من ثوابت التاريخ والجغرافيا والمدنية الحديثة.

ان سمة التوازن الحضاري هي من السمات الأساسية لنهضة عمان الحديثة ومن خلال الدولة العصرية فالسلطنة أخذت بأسباب المدنية الحديثة، وأيضا الحفاظ على تراثها وقيمها الأصيلة المستمدة من دينها الإسلامي الحنيف ومن التراث الأصيل والقيم الأساسية والتي ميزت الإنسان العماني طوال قرون عديدة، ومن هنا فإن هذا المزج الحضاري أعطى السلطنة وشعبها تفردا يمكن رصده طوال سنوات النهضة المباركة.

ولعل التفاعل الخارجي من الدول الشقيقة والصديقة والأفراد يعطي مؤشرا على ما تتمتع به السلطنة من احترام وتقدير ومحبه بين الشعوب تجسيدا لتلك الخصال الحميدة ولمنهجية السلطنة الموضوعية في سياستها الخارجية القائمة على التعاون والاحترام والحوار وأيضا التسامح كقيمة إنسانية.

دولة السلام

تصنف السلطنة بأنها دولة السلام من خلال ما تحمله من مبادئ راسخة ومن خلال تلك السياسة الواقعية، ومن خلال التلاحم الوطني الداخلي الذي أكد عليه قائد النهضة العمانية الحديثة في كلماته وخطبه مما جعل المجتمع العماني يعيش حالة من التصالح وقبول الآخر والاحترام المتبادل مع بقية المجتمعات، كما ان السلطنة وبفضل السياسة الحكيمة لجلالته - حفظه الله - ابتعدت بشكل كلي عن الانغماس في قضايا الإرهاب والعنف والتعصب حيث صنفت السلطنة الأولى عالميا لعدم مشاركة احد من أبنائها في العنف او الإرهاب، كما أنها من الدول المتقدمة في مجال الاستقرار والأمن وممارسة الأعمال، ومن هنا فإن شعوب العالم تتحدث بإعجاب عن السلطنة وسلطانها وشعبها بكل الاحترام والمودة والإعجاب؛ بهذه الدولة العصرية والتي تميزت بمفردات حضارية تمزج بين الحديث والتمسك بالقيم الأصيلة.

والدولة العصرية والتي نحن بصدد الحديث عنها لم تأت جزافا بل كانت هناك تحديات حقيقية، خاصة خلال السنوات الخمس وانطلاق التنمية الشاملة بشكل منتظم، ومن خلال الخطط الخمسية المتواصلة تم ترسيخ تلك الدولة العصرية بالاعتماد على الجوانب المادية للدولة الحديثة وايضا من خلال ترسيخ مفهوم المواطنة الحقة وايضا الوحدة الوطنية والتي تعد من الإنجازات الكبيرة في هذا العهد المبارك.

فالصراعات التي نشهدها الآن في اكثر من منطقة هي نتيجة الضعف في المواطنة والخلافات بين المكونات المجتمعية وهذا ما نتج عنه حروب أهلية عرقية كان أساسها التعصب وغياب التماسك الاجتماعي والتدخلات الخارجية، التي مزقت الأوطان وأدخلتها في مشكلات معقدة، ومن هنا جاء هذا التقدير العالمي للسلطنة في مؤشرات السلام والأمن والاستقرار واحترام الأديان والاعتماد على لغة الخطاب الموضوعي والوسطي بعيدا عن أي تعصب أو منهج فكري متطرف وهذه القيم العمانية تتماشى مع روح الإسلام الذي يدعو الى التسامح والحوار مع الآخر ونبذ العنف والتركيز على ما ينفع الناس.

ومن خلال الاحتفالات بالعيد الوطني التاسع والأربعين هذه الأيام تبرز ظواهر إيجابية من خلال المشاعر الجميلة والتي عبر عنها المقيمون على أرض الوطن ومدى سعادتهم بهذه المناسبة الوطنية المشهودة وهذا يعطي دلالة على ما يكنه الآخر من حب لعمان وقائدها وشعبها وهذه مفردات أصبحت راسخة في دولة المؤسسات والقانون وهي أساس الدولة العصرية، ومن خلال ما شهده العالم من صراعات وعنف تبرز القيم والمعايير التي تمثلها السلطنة وتقوم بتوجيهها للعالم من خلال رسالة الإسلام والتي تجوب عشرات المدن في العالم ولعل مشروع السلطان قابوس حول المؤتلف الإنساني والذي تم الإعلان عنه في العاصمة الأندونيسية جاكرتا احتفالا باليوم العالمي للتسامح يعطي دلالة على فكر جلالته المتقدم والذي ينشد السلام للبشرية جمعاء من خلال المشتركات بين الناس والتعايش السلمي بين الأديان والحضارات من خلال التعارف والحوار وقيمه الحضارية الراقية التي تؤدي الى انتهاء الصراعات والعنف وعدم قبول الآخر والاتهامات المتبادلة.

إذن السلطنة تنشد السلام والاستقرار للإنسانية حتى تتفرغ هذه الأخيرة للعلوم والمعرفة والانشغال بالبحوث التي تفيد نتائجها المجتمعات والقضاء على الفقر والجهل، وهذه منطلقات عمانية تستهدف خير المجتمعات من خلال الفكر الراقي والمستنير لقائد المسيرة العمانية الحديثة وهي تدخل نصف قرن من التعايش السلمي والمناخ الإيجابي بين أفراد المجتمع ورسم صوره ذهنيه راقية للسلطنة خارجيا وداخليا.

الأجيال الجديدة

الدولة العصرية بكل مكوناتها المادية هي إنجاز للوطن وللشعب، حيث إن جلالة السلطان المعظم عمل على إيجاد تلك الدولة العصرية لينعم شعبه بالأمن والاستقرار وكانت هناك تحديات كبيرة ولم تأت تلك الدولة العصرية بشكل سهل، ومن هنا فان المحافظة على المكتسبات الوطنية هو أمر حيوي وان الأجيال الجديدة عليها مسؤولية المستقبل من خلال مواصلة العلم وهناك نماذج مشرفة من أبناء الوطن والذين حازوا على إنجازات علمية من أرقى الجامعات الغربية والعربية، وهنا أيضا في السلطنة من خلال أبحاثهم العلمية في جامعة السلطان قابوس والتي أصبحت من الجامعات الرائدة حسب التصنيف العالمي للجامعات ومن هنا فإن الأجيال الجديدة هي مستقبل عمان من خلال تسلحها بالأدوات العلمية والمعايير الأخلاقية امتدادا لآبائهم وأجدادهم ومن خلال الرؤية الحديثة للدولة العصرية.

الإنسان هو محور كل التقدم والتنمية المستدامة ومن خلال المتابعة فإن أبناء عمان يستلهمون المسؤولية من خلال إدراكهم الوطني بأن رحلة التنمية والإنجاز متواصلة ولا تقف عند حد، كما ان حماسهم الكبير من خلال احتفالات العيد الوطني في الكليات والجامعات داخليا وخارجيا يعطي مؤشرا إيجابيا على قدرتهم على بناء الوطن من خلال العلم والمعرفة في ظل التقدم التكنولوجي والثورة الصناعية الرابعة والذكاء الاصطناعي.

ولقد شهدنا في مهرجان عمان للعلوم نماذج مشرفة في مجال الابتكار والبحوث والمشاريع العلمية، وبالتالي فإن ذلك يدعو للفخر بالجيل الجديد والذي سوف تقع على عاتقه المزيد من الإنجاز الوطني في ظل ما يعيشه العالم من تطورات علمية مذهلة.

والأعياد الوطنية هي محطات للتأمل ثم مواصلة العمل، لهذا فإن الدولة العصرية التي تحققت خلال خمسة عقود هي فترة زمنية ليست بالطويلة في تاريخ الشعوب قياسا على التحديات الداخلية التي واجهت السلطنة وتجاوزتها بسلام من خلال الوحدة الوطنية وتلاحم العمانيين على قيادتهم الحكيمة لينطلق قطار التنمية في كل محافظات وولايات السلطنة.

ومن خلال المناسبة الوطنية وهي العيد الوطني المجيد التاسع والأربعين نسأل الله سبحانه وتعالى أن يديم نعمة الأمن والاستقرار للوطن وان يديم نعمة الصحة والعافية على قائد الوطن المفدى وعلى الشعب العماني الأصيل بمزيد من التقدم والرفعة.