الملف السياسي

خطوات جادة وصادقة نحو التنمية الشاملة

18 نوفمبر 2019
18 نوفمبر 2019

فتحي مصطفى -

آن لمتابع المشهد العُماني منذ بزوغ فجر يوم 23 يوليو 1970 وحتى يومنا هذا، أن يرى صورة واضحة وجلية لجهود جبارة بذلتها السلطنة ـ عبر رجالها الأوفياء ـ خلف قائد سفينة التنمية الشاملة السلطان قابوس بن سعيد، الذي أمسك بدفتها، وقادها بجدارة على مدار 49 عاما بدأها بالعمل الجاد والدؤوب نحو مستقبل أفضل للوطن والمواطن العماني، يضع السلطنة في مصاف الدول المتقدمة، ليضمن لها مكانة مرموقة وسط أقرانها.

وأخذ على عاتقه مسؤولية ضبط الأداء على مدار الساعة داخل الوزارات والمؤسسات والهيئات وجميع الجهات الحكومية والخاصة في شتى المجالات، ليضعها في خدمة الوطن والمجتمع.

أصدر قرارات تنظيمية، وأطلق مبادرات، وأعطى توجيهات، ورصد جوائز للتحفيز على التنمية، رسخ مبدأ الثواب والعقاب من خلال قوانين عادلة تحفظ للمواطن حقوقه ولا تفرق بين صغير أو كبير، غني أو فقير، أعطى للمرأة مكانها ومكانتها التي تستحقها في مجتمع يقدر دورها الكبير، اهتم بالصحة والثقافة والرياضة والفن، السياسة والاقتصاد والعلاقات الدولية، الأمن الداخلي والخارجي، لم يترك مجالا إلا ومد له يد العون والدعم، ليضعه في صورة تليق بالسلطنة، وبذلك الحلم الذي راوده وسعى لتنفيذه وهو النهضة الحديثة لوطنه، وبعد مرور 49 عاماً على مسيرته المخلصة، وفي يوم ميلاده – حفظه الله - نعرض لبعض إنجازات جلالته ونجاحاته التي بدأها في طريق مليء بالأشواك حتى أصبح ناعماً مثل الحرير.

أثبت للعالم أنه قادر على تنمية البيئة والحفاظ عليها، بأن أصبحت السلطنة سباقة في هذا المجال على المستوى الإقليمي، من خلال عدة أمور منها إنشاء مكتب حفظ البيئة الذي يتبع ديوان البلاط السلطاني، وأنشأ وزارة البيئة والشؤون المناخية، بالإضافة إلى وضع جائزة هي: «جائزة السلطان قابوس لحماية البيئة، والتي تمنحها منظمة اليونسكو، ما يظهر مدى الاهتمام الكبير للسلطنة بالقضايا البيئية والمناخ، وسن قوانين تجرم وتعاقب كل من تسول له نفسه أن يتسبب في الإضرار بها. فضلا عن تخصيص يوم سنوي للبيئة في عمان، يتم فيه الاحتفال بالبيئة والإنجازات التي تمت في هذا الصدد، وهو يوم الثامن من يناير من كل عام كمناسبة مهمة، ولقد بدأ الاحتفال بهذا اليوم منذ عام 1997.

وجاء الاحتفال هذا العام ليرفع شعار «بيئة نظيفة ومستدامة» ليعكس مدى اهتمام القيادة والمسؤولين في السلطنة بضرورة تضافر الجهود الوطنية والإقليمية بل والدولية من أجل الحفاظ على البيئة وصون مفرداتها الطبيعية، وفي ظل التقدير الدولي الواسع لها، تم اختيار سلطنة عمان من بين 10 دول هي الأكثر اهتماما وعناية بالبيئة على الصعيد الدولي.

ولقد أولى السلطان قابوس اهتماما بالغاً بالصحة في السلطنة، فتم بناء مستشفيات ومراكز صحية وعلاجية، وأقامت السلطنة علاقات دولية وإقليمية ـ وفق موقع البوابة الإعلامية للسلطنة – بانضمامها إلى المنظمات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة أو لوكالات متخصصة أخرى مثل منظمة الصحة العالمية حيث تحضر السلطنة اجتماعاتها. وفتح مكتب خاص للمنظمة في السلطنة في أبريل 1975م من أجل التعاون في المجالات الصحية كمكافحة الملاريا، ومكافحة التراخوما، وتنمية القوى البشرية العاملة من خلال التدريب. كما انضمت السلطنة في عام 1978 إلى الاتحاد الدولي للطفولة الذي يهدف إلى تطبيق الحقوق العالمية للطفل ورفع مستوى الرعاية الصحية والاجتماعية التي تقدم للأطفال والأمهات. وانضمت أيضًا إلى عضوية مجلس وزراء الصحة العرب، ومجلس وزراء الصحة للدول العربية في الخليج . ولم يقتصر توفير الخدمات الصحية بشتى أنواعها على المؤسسات الصحية الحكومية بل أتيحت الفرصة لإنشاء مستشفيات وعيادات خاصة بعضها فروع لعيادات أو مستشفيات موجودة خارج السلطنة. كما سعت إلى وضع المجتمع المحلي كشريك في عمليات التخطيط والتنفيذ، بغية إعداد المجتمعات وتأهيلها للاعتماد على النفس لضمان عملية التنمية الصحية المستدامة.

وفي إطار اهتمام السلطنة بدور المرأة المهم في الحياة العملية باعتبارها شريكا أساسيا في النهضة المباركة، حملت كلمة السلطان قابوس التي ألقاها 17 أكتوبر الماضي أثناء الاحتفال بيوم المرأة العمانية، الذي حدده جلالته، توجها ونظرة مستقبلية وانفتاحاً وتوجيها بضرورة المرأة في جميع مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحضارية والتنموية، كما دعا إلى الاستفادة من كل الفرص الممنوحة لها لتثبت جدارتها وقدرتها في التصدي إلى كل ما يعترض طريقها من عقبات.

وتعد السلطنة من أوائل الدول الخليجية التي أعطت المرأة الحق في الترشح والانتخاب، وهو ما كان جليا خلال فترة انتخابات مجلس الشورى في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، حيث شهدت الصناديق إقبالا كبيرا من المرأة العمانية. وتجسد ذلك أيضا في الانتخابات التي أجريت أكتوبر الماضي، ما يعكس الاهتمام الكبير الذي توليه السلطنة للمرأة متمثلا في الاستمتاع بالحق في المشاركة السياسية وتوليها للمناصب القيادية، وهو ما جسده التمثيل الدولي في المحافل والمناسبات الخارجية لها، إذ تولت المرأة مناصب مهمة، كسفيرات في عدد من الدول، وموظفات في سفارات السلطنة، ومشاركتها في جميع الهيئات الحكومية والوزارات والوفود التي تمثل السلطنة وغيرها سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي.

وفي اليوم الذي يوافق تولي جلالة السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم في سلطنة عمان، تقام الاحتفالات التي تعكس مشاركة الجميع وفرحتهم بهذا الحدث الوطني، من فعاليات وطنية وثقافية وفنية الخ.. ومنها ما يكون خارج البلاد، مثل المعرض الفني التشكيلي العماني في فيينا عاصمة النمسا الذي يتزامن مع احتفالات السلطنة، وتعكس هذه الاحتفالات مدى النجاح والقدرة على إحراز تقدم ملحوظ يشهد له الآخرين، والاهتمام الكبير بالنهضة الثقافية داخل السلطنة.

لم تكن اهتمامات السلطان قابوس بعيدة عن الساحة الرياضية، بل أرخت بظلالها عليها، لنرى بريقا شديدا يأتي عبر نجاحات وبطولات اعتاد أبناء السلطة على تحقيقها، ليس على المستوى المحلي فقط، بل على المستويات العربية والخليجية، أو على مستوى القارة، بفضل دعم كبير من الأب الروحي وراعي النهضة الرياضية، بالإضافة إلى الدعم الشعبي من أبناء الوطن في ظل اهتمام جماهيري كبير لا يخفى على أي متابع.

فلقد حصلت السلطنة على عدد من المناصب الخارجية، داخل الاتحادات العربية والخليجية والقارية والدولية. وعلى مدار التسعة وأربعون عاماً، سطرت الرياضة العمانية أمجادا وبطولات تزينت بالميداليات بشتى أنواعها والكؤوس على مستوى جميع الألعاب. وقد أرست السلطنة عددا من المنشآت الرياضية المتميزة ذات جودة عالية أهلتها لاستضافة مناسبات رياضية كبيرة سواء على مستوى القارة أو على المستوى العالمي.

وفي ضوء اهتمامات السلطان قابوس بالمجال الفني حتى يقوم بدوره المنشود وبمهامه ووظائفه المتعددة في إطار مسيرة النهضة العمانية الحديثة والتعبير عنها، رصد جلالته جائزة للثقافة والفنون والآداب، وهي جائزة سنوية، يتم منحها بالتناوب دوريا كل سنتين؛ بحيث تكون محلية في عام يتنافس فيها العمانيون فقط، وتقديرية في عام آخر؛ يتنافس فيها العرب عموماً، ولقد فاز هذا الشهر في فرعي الطرب العربي وأدب الرحلات.. الفنان علي إبراهيم علي الحجار من مصر وباسم محمد فرات من العراق بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في مجال الطرب العربي عن فرع الفنون، ومجال أدب الرحلات عن فرع الآداب، على التوالي.

وتظل سلطنة عمان منارة للتقدم والازدهار، تأتي كل عام في ذكرى مولد النهضة المباركة لتسطر ما دار خلال العام من إنجازات ونجاحات، كونها تعيش مرحلة جديدة تهدف من ورائها للدخول إلى الرؤية المستقبلية 2040 واستكمال مسيرة التنمية المستدامة في إطار من التعاون المثمر والبناء من أبناء الوطن المخلصين.