1372293
1372293
العرب والعالم

الأزمة السياسية اللبنانية تراوح مكانها ولا بوادر لحل قريب

17 نوفمبر 2019
17 نوفمبر 2019

تأخر الاستشارات النيابية تثير غضب المحتجين -

بيروت- عمان -حسين عبدالله - (أ ف ب):

مع إتمام التظاهرات المطالبة برحيل الطبقة السياسية شهرها الأول، تراوح الأزمة السياسية مكانها في لبنان من دون أي بوادر لحل قريب خصوصًا بعد سحب اسم وزير سابق من التداول لتشكيل حكومة جديدة تحت ضغط الشارع.

ويشهد لبنان منذ 17 أكتوبر تظاهرات شعبية غير مسبوقة بدأت على خلفية مطالب معيشية، في حراك بدا عابرًا للطوائف والمناطق، ومتمسكًا بمطلب رحيل الطبقة السياسية بلا استثناء، في وقت تعيش البلاد أزمة اقتصادية ومالية خانقة فاقمها إقفال المصارف أبوابها لأسابيع.

وبهدف ممارسة المزيد من الضغط، خرج اللبنانيون مجددًا إلى الشارع تحت عنوان «أحد الشهداء»، تكريمًا لمتظاهرين قتلا منذ بدء الاحتجاجات، آخرهما الثلاثاء برصاص عسكري خلال مشاركته في قطع طريق حيوي جنوب بيروت، ما أثار غضبًا شعبيًا واسعًا.

في مدينة طرابلس (شمال) التي شكلت مركزًا رئيسيًا للتظاهر منذ شهر، قال خالد صباغ (26 عامًا)، لوكالة فرانس برس أمس: «بعد مرور شهر كامل على الانتفاضة الشعبية وفشل كل مساعي السلطة للالتفاف على مطالب المتظاهرين، نحن اليوم أمام مرحلة جديدة من التحديات، والوضع بحاجة إلى حنكة وحذر شديدين من الثوار».

وأضاف: «علينا قطع الطريق أمام مشاريع السلطة لتفريق صفوفنا وتأكيد إصرارنا على مطالبنا وعدم التراجع عنها مهما ارتفع منسوب الضغط، إلى حين تحقيق الشعب لانتصاره كاملاً على هذه السلطة».

وتحت ضغط الشارع، استقال رئيس الحكومة سعد الحريري في 29 أكتوبر، لكن التأخر في بدء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس جديد للحكومة يثير غضب المحتجين.

وتفاقمت النقمة الشعبية بعد تسريبات وتصريحات قبل أيام أكدت توافق القوى السياسية الرئيسية في البلاد على تكليف الوزير السابق محمد الصفدي (75 عامًا) لتشكيل الحكومة، قبل بدء الاستشارات بموجب الدستور.

وتجمع متظاهرون غاضبون أمام منزله في طرابلس وكذلك في بيروت تعبيرًا عن رفضهم له واصفين إيَّاه بـ«الفاسد». كما اتهموا السلطة بالسعي إلى الالتفاف على مطلبهم بتشكيل حكومة تضم اختصاصيين بعيدًا عن الوجوه السياسية التقليدية.

وفي بيان الليلة قبل الماضية، طلب الصفدي الذي يعدّ من أبرز رجال الأعمال والأثرياء في لبنان، سحب اسمه من التداول كأحد الأسماء المرشحة لرئاسة الحكومة.

وقال: «ارتأيتُ أنّه من الصّعب تشكيل حكومة متجانسة ومدعومة من جميع الفرقاء السياسيّين تُمكنّها من اتخاذ إجراءات إنقاذية فورية تضع حدًا للتدهور الاقتصادي والمالي وتستجيب لتطلّعات الناس في الشارع».

وأوضح المكتب الإعلامي لرئيس ​حكومة​ ​تصريف الأعمال​ ​سعد الحريري​ أنه «منذ ان طلب الوزير السابق ​محمد الصفدي​ سحب اسمه كمرشح لتشكيل الحكومة الجديدة، يمعن ​التيار الوطني الحر​، تارة عبر تصريحات نواب ومسؤولين فيه وطورا عبر تسريبات إعلامية، في تحميل رئيس حكومة تصريف الأعمال مسؤولية هذا الانسحاب، بحجة تراجعه عن وعود مقطوعة للوزير الصفدي وبتهمة أن هذا الترشيح لم يكن إلا مناورة مزعومة لحصر إمكانية تشكيل الحكومة بشخص الرئيس الحريري»، مؤكدًا أن «مراجعة بيان الانسحاب للوزير الصفدي كافية لتظهر أنه كان متيقنًا من دعم الرئيس الحريري له وعلى أفضل علاقة معه، وتمنى أن يتم تكليف الحريري من جديد، وهو ما يتناقض مع رواية التيار الوطني الحر جملة وتفصيلا. كما يتضح من مراجعة البيان نفسه أن الوزير الصفدي كان صادقًا وشفافًا بإعلان أنه رأى صعوبة في «تشكيل حكومة متجانسة ومدعومة من جميع الفرقاء السياسيين تمكنها من اتخاذ إجراءات إنقاذية فورية تضع حدًا للتدهور الاقتصادي والمالي وتستجيب لتطلعات الناس في الشارع»، وهو ما يكذب كليًا مزاعم التيار الوطني الحر ومسؤوليه».

وتعتبر المصادر أن حزب الله وتيار رئيس البرلمان نبيه بري يريدان الحريري وفق شروطهما، في حين أن الحريري يريد العودة لكن وفق شروطه هو. واعتبر عضو المجلس المركزي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق، خلال احتفال تأبيني في بلدة الصوانة الجنوبية، أنّ «الناس في الشارع تتظاهر وتعتصم من أجل إنقاذ البلد والمطالبة بحقوقها المعيشية». وأضاف: «لكن الذين دخلوا على الحراك الشعبي من قوى حزبية أو من تدخلات أمريكية، لا يريدون إنقاذ البلد، إنما إغراقه من أجل تحقيق مكاسب سياسية. من جهته، توجه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى المسؤولين اللبنانيين بألا يزدروا انتفاضة الشباب محملاً إيَّاهم مسؤولية ما وصلت إليه البلاد.

من ناحية ثانية، نوّه قائد الجيش ​العماد جوزاف عون​ بالجهود التي يقوم بها العسكريون خلال هذه الظروف الاستثنائية والوعي الذي أظهروه في تعاطيهم مع هذه الأحداث، مما فوّت الفرصة على من يريد الاصطياد في الماء العكر، مشدّدًا على أن الجيش يعمل ويتصرّف وفقا لما يراه مناسبًا. وأثنى على مستوى الاحتراف والانضباطية والمناقبية العالية والجرأة التي أظهرها الجيش في تنفيذ كل المهمّات الموكلة إليه بكل شرف وتضحية ووفاء في مواجهة التحدّيات مهما كانت الأثمان. ووجّه تحية إلى عائلات العسكريين الذين يضحّون ويساندون أبناءهم في هذه المرحلة.

وأوضح أن الجيش، كما كل الجيوش تتلقّى تدريباتها لمواجهة الأعداء والأخطار، فيما الجيش اللبناني ينفّذ حاليًا مهمّة حفظ أمن في الداخل أمام شعبه وأهله، مشيرًا إلى أنّه مسؤول عن أمن المتظاهرين وباقي المواطنين، مجددًا التأكيد أن إقفال الطريق أمر غير مسموح به وأن حرية التنقّل مقدّسة في المواثيق الدولية. وأكد قائد الجيش أن التوقيفات التي حصلت مؤخّرًا شملت عناصر عملت على إحداث شغبٍ وواجهت الجيش وحاولت منعه من تنفيذ مهمّته وتعرّضت له.

وتترافق الأزمة السياسية مع وضع اقتصادي مترد للغاية وأزمة مالية، تجاوز معها سعر صرف الليرة مقابل الدولار في السوق السوداء 1800 ليرة، بعدما كان مثبتًا منذ عقود على 1507.

وبعد إغلاق أسبوعين على وقع الاحتجاجات التي لم تسلم منها، فتحت المصارف أبوابها بداية الشهر الحالي لأسبوع واحد فقط، فرضت خلاله إجراءات أكثر تشددًا على بيع الدولار، ثم أغلقت ليومين بحجة عطلة رسمية.

وينفذ موظفوها منذ الثلاثاء إضرابًا مفتوحًا احتجاجًا على إشكالات مع مواطنين راغبين بسحب مبالغ من ودائعهم. ولم يعد بإمكان المواطنين الحصول على الدولار من الصراف الآلي. كما تفرض المصارف رسمًا إضافيًا على عمليات سحب الدولار المحدودة جدًا مباشرة منها.

والجمعة، خفضت وكالة التصنيف الدولية «ستاندرد آند بورز» تصنيف لبنان إلى «سي سي سي» من «بي سلبي»، مع نظرة مستقبلية سلبية. وحذرت من أن «إغلاق المصارف الأخير، والقيود غير الرسمية على تحويل العملات الأجنبية تطرح تساؤلات حول استدامة سعر الصرف، الأمر الذي يزيد من تآكل الثقة». وأقفلت المدارس والجامعات أبوابها بشكل كامل خلال أول أسبوعين من التظاهرات قبل أن تفتحها بتقطع أمام طلابها خلال الأسبوعين الأخيرين.