1371277
1371277
الرئيسية

الكشف عن «إعلان السلطان قابوس للمؤتلف الإنساني» وجهود لتبنيه ميثاقا دوليا

16 نوفمبر 2019
16 نوفمبر 2019

يقوم على مرتكزات العقل والعدل والأخلاق واعتبر إعلانه «تاريخيا» -

السالمي: الإعلان استمرار لتجربة عمان العميقة وإيمانها المرتبط بالأخلاق والقيم المشتركة -

جاكرتا:  عاصم الشيدي -

أعلن في العاصمة الإندونيسية جاكرتا أمس عن مشروع «إعلان السلطان قابوس للمؤتلف الإنساني» والذي يأتي بلورة لفكر حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، أعزه الله، نحو ثقافة السلام والتآلف الإنساني وترسيخ مبادئ الأخلاق والقيم الإنسانية. ولقي مشروع «الإعلان» فور إطلاقه إشادة من عشرات المنظمات الأممية التي رأت فيه طريقا مهما «لحفظ كرامة الإنسان وحقوقه» واعتبرت إعلانه «يوما تاريخيا». ويقوم الإعلان على ثلاثة مرتكزات حضارية أساسية هي العقل والعدل والأخلاق. ويقترح الإعلان منهج عمل يُقدَّم للعالم «ليعينه على النهوض من جديد واستشراف حياة متوازنة، يعيش فيها الناس على أساس من الكرامة والحقوق الأساسية والأمان النفسي» وفق ما جاء في ديباجة الإعلان.

تفاصيل مشروع «الإعلان»

وكشف معالي الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالله السالمي وزير الأوقاف والشؤون الدينية عن تفاصيل مشروع «الإعلان» خلال احتفال أممي نظمته السلطنة، بالشراكة مع منظمات دولية بينها الأمم المتحدة، في جاكرتا خلال الاحتفال باليوم العالمي للتسامح الذي يصادف السادس عشر من نوفمبر من كل عام.

وقال السالمي في كلمته أمام الاحتفال «تنفيذا للتوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة، حفظه الله، بنشر قيم التفاهم بين الشعوب، واستمرارا لتجربة عمان العميقة وإيمانها المرتبط بالأخلاق والقيم المشتركة نعلن اليوم وفي هذه المناسبة العالمية عن إعلان مشروع السلطان قابوس للمؤتلف الإنساني». وأضاف الشيخ السالمي في كلمته «ينعقد هذا اللقاء وسط متغيرات عالمية كثيرة، ليست كلها سيئة وسلبية، بل ثمة جوانب مضيئة في العالم، ومبادرات إيجابية، وجيل طموح نحو مستقبل مشرق». مشيرا إلى«أن التنوع ضرورة من ضرورات البقاء والتنمية واستمرار الحياة وتجددها».

وبحسب مشروع «الإعلان» فإن دوافعه الأساسية تتمثل في الاضطراب الحاصل في العالم بدءا بمشكلات الفقر وحقوق الإنسان وضحايا الصراعات والحروب والتداعي الاقتصادي عبر التدافع الشرس بين الرأسمالية والشمولية والديمقراطية، إضافة إلى اضطراب المفاهيم القيمية والأخلاقية بفعل الانفتاح التكنولوجي الأمر الذي دفع إلى التفكير بعمق في مآلات العلاقات الإنسانية بشكل عام وشكل تلك العلاقات وماهيتها في المستقبل القريب أو البعيد.

إعادة التوازن للعالم «المضطرب»

ويضع مشروع الإعلان ثلاثة أبعاد ضرورية لإعادة التوازن للعالم «المضطرب» الذي نعيشه اليوم. يتمثل البعد الأول في تحسين حياة البشر عبر تحقيق المستوى الأساسي من الكرامة والحقوق والحفاظ على اللحمة الإنسانية من الفناء والاندثار، أما البعد الثاني فيقوم على أساس اعتماد منظومة أخلاقية عالمية تدفع بالناس قدما إلى توحيد التزاماتهم وجهودهم نحو حماية الإنسان والأرض وتحقيق السلام والتعايش والتفاهم. وإنَّ الاختلافات الدينية والثقافية والإيديولوجية لا تمنع، وليست عائقا، عن الإيمان بوجودنا ضمن أرضية مشتركة وقيم متحدة سواء انطلقت من أسس دينية أو غير دينية. أما البعد الثالث فيتمثل في رعاية القيم الروحية للإنسان عبر استنهاضها مع إعمال العقل والمنطق والفلسفة وعلم الكلام.

ويرتكز مشروع «الإعلان» على ثلاثية حضارية إنسانية لتحقيق التعايش والتعارف بين البشر تتمثل في العقل والعدل والأخلاق. والعقل في سياق الإعلان هو التوجه نحو التكريم الإلهي الأول لبني البشر ومقتضى هذا التكريم أن يعمل الناس لاحترام كينونتهم الإنسانية ونبذ كافة صور التمييز والتطرف والعنف والكراهية. أما العدل، وفقا للإعلان، فهو الميزان الذي بموجبه تتساوى أكف الحقوق الإنسانية الأساسية في النفس والمجتمع وفي رؤية العالم والعيش فيه والاستفادة من ثروته.. ولا يأتي العدل في هذا السياق، في مقابل القانون في الأفضلية أو التمييز، بل هو مظلة إنسانية كالعدل وبهما يبدع الإنسان في سن القوانين التي تنظم حياتهم الخاصة والعامة.

أما الأخلاق فهي مجموعة القيم الإنسانية المشتركة ذات البعد الروحي والفلسفي والتي تشكل سياجا يحمي أبعاد العقل والعدل من «الشوح» بعيدا عن منطلق العرف الإنساني العام، والفطرة الإنسانية الأولى وتوجيه العلوم والمعارف والمخترعات المتجددة لتكون في إطارها المحافظ وحدودها الآمنة وطريقها المنضبط.

ويركز مشروع «الإعلان» على ثلاثة موجهات أساسية متعلقة بالسلوك البشري الفردي تتمثل في تعزيز ثقافة السلام والتفاهم واحترام الحياة وتقديرها، وطمأنة الناس بالحفاظ على هوياتهم وحياتهم الخاصة وتعميق قيم الشراكة المجتمعية والقيم الاجتماعية.

بؤرة التركيز على المؤتلف الإنساني

وواضح من قراءة موجهات «الإعلان» أنه يبتعد عن التصنيفات والاختلافات الطبيعية بين البشر كالدين واللغة والثقافة والهوية، ويركز على الإنسان نفسه دون النظر إلى أي اعتبار آخر، لتكون بؤرة التركيز على المؤتلف الإنساني والمشتركات الإنسانية والقيم المشتركة. ولا يقصد «الإعلان» بعد قراءة تفاصيله إلى إلغاء تلك الاختلافات أو ذوبانها في نمط واحد، بل يسعى نحو تحقيق التكامل بينها في ظل التنوع الإنساني والوصول إلى العلاقات المتوازنة والقائمة على المصالح المشتركة مع الاحترام المتبادل والتقدير للقيم والثوابت التي يؤمن بها أصحابها.

وبعد إطلاق «الإعلان» عقدت جلسة مناقشات مستديرة شاركت فيها 59 منظمة عالمية بينها 6 منظمات تابعة للأمم المتحدة طرحت مداخلات وآراء حول مضمون «الإعلان» وكيف يمكن لهذه المنظمات أن تساهم في دعمه خصوصا تلك التابعة للأمم المتحدة التي أكدت أنها ستكون داعمة للمشروع حتى يتحول إلى وثيقة أممية يعمل العالم في إطارها باعتبارها مسعى إنسانيا وعالميا منطلقا من نهج عُمان ورؤية جلالة السلطان المعظم، -حفظه الله-. واعتبرت الطاولة المستديرة أول خطوة تتبع الكشف عن «الإعلان» في وقت قال فيه معالي الشيخ وزير الأوقاف والشؤون الدينية إن «خبراء سيعكفون خلال الفترة القريبة القادمة على وضع ملامح الإعلان العامة والتفصيلية، بما في ذلك إيلاء عناية خاصة بالمبادرات العالمية في إطار المؤتلف الإنساني وتكثيف الأبحاث والدراسات المتصلة به، ودعم مبادرات الشباب والمثقفين ووسائل الإعلام، بغية تنشئة وعي عالمي بضرورة الوئام والائتلاف في العالم، يكون قادرا على درء الصراعات والنزاعات أو على حلها وتفاديها برسائل تخلو من العنف والكراهية».

الاحترام والإخاء والوئام

وقال محمد بن سعيد المعمري المستشار العلمي بمكتب وزير الأوقاف والشؤون الدينية عن الإضافة الحضارية التي يضيفها «إعلان السلطان قابوس للمؤتلف الإنساني» إن الإعلان يعد إضافة حضارية يقدمها جلالته للعالم تهدف إلى تعزيز القيم الإنسانية المشتركة في العالم وإلى جمع الناس على أرض يكون فيها تبادل المنافع على قدم الاحترام والإخاء والوئام والتضامن والتعاون»، مشيرا أن المشروع يهدف «إلى نبذ كافة صور التطرف والعنف والكراهية». وأكد المعمري أن مرتكزات الإعلان المعتمدة على العقل والعدل والأخلاق تعتبر مرتكزات ذهبية يشترك فيها الناس جميعا ولا يختلفون وتكون أرضية مشتركة لهم يمكن من خلالها أن يعيشوا لأنفسهم ولأجيالهم القادمة». وحول اختيار جاكرتا بالتحديد لتكون مكانا للإعلان عن المشروع قال المعمري: بيننا وبين إندونيسيا الكثير من القواسم المشتركة التي تدعم وتؤيد وتتضامن مع مشروع جلالة السلطان.

وحول الخطوات التالية لإعلان المشروع أوضح المعمري أنها ستكون علمية تهدف إلى إيصال «الإعلان» إلى المنظمات الدولية من أجل دعم دولي لإقرار المشروع كوثيقة عالمية تكون ميثاقا أخلاقيا عالميا يجمع الناس على كلمة واحدة في الإخاء والوئام الإنساني.

من جانبه أكد سعادة علي بن خلفان الجابري وكيل وزارة الإعلام أن المشروع يأتي استمرارا للنهج العماني ولفكر جلالة السلطان في نشر قيم العدل وقيم السلام في مختلف دول العالم. مشيرا أن ما يبعث على السعادة تأكيدات الوفود المشاركة من المنظمات الدولية على منهجية التوجه العماني وعلى أهمية تظافر الجهود الإنسانية من أجل دعم هذا التوجه. وتحدث وكيل وزارة الإعلام عن أهمية دور الرسالة الإعلامية في دعم كل مساعي ترسيخ قيم السلام والعدالة والتسامح.

مبادرة الأمم المتحدة

من جانبه قال ميجيل أنجيل موراتينوس الممثل السامي للأمم المتحدة لتحالف الحضارات متحدثا للحفل عبر دائرة تلفزيونية: «سندعم المبادرة باسم الأمم المتحدة» مضيف: «أشكر عمان لأنها أرادت دائما أن تكون بين الدول الصانعة للسلام، مشيرا أن هذه المبادرة مهمة جدا أصدقاؤنا في نيويورك يرحبون بها».

من جانبه قال أداما ديينج المستشار الخاص لأمين عام الأمم المتحدة المعني بمنع الإبادة الجماعية: «نشكر سلطنة عمان على إقامة هذه الاحتفالية وطرح هذه المبادرة التي تنشد الوئام بين الناس» مشيرا أن الأمم المتحدة تدعو دائما إلى منع الجرائم التي ترتكب في حق الإنسانية، وهي تدعو إلى التغيير في الحياة الاجتماعية في العالم نحو الأفضل خاصة في الظروف الصعبة التي يشهدها العالم وهو ما يحتم علينا السعي لتحقيق السلام العالمي والسلم الاجتماعي لتوحيد القيم الإنسانية».

من جانبه قال جان فيجل المبعوث الخاص لحرية الدين أو المعتقد خارج الاتحاد الأوروبي «أرحب بمشروع جلالة السلطان قابوس بن سعيد المرتكز حول العقل والعدل والأخلاق ونحن نؤمن معه أننا لو قمنا باحترام هذه المرتكزات فإنها كفيلة بفتح مساحة كبيرة من الحب والوئام بين الناس» مضيفا: سعيد أن أكون جزءا من هذا الحدث لنحتفل باليوم العالمي للتسامح ومبادرة جلالة السلطان قابوس حول القيم الأخلاقية لتحقيق السلام والتسامح» وأكد فيجل أن عمان مثل فنلندا في أوروبا في موضوع دعم قيم التسامح والسلام مؤكدا على أهمية إيلاء عناية خاصة بموضوع القيم، مشيرا أن الحياة تحتاج إلى مساحة من أجل التنوع وهي التي تخلق التوازن.. ولا يمكن التخلص من التعددية في المجتمعات لكن يجب دعم حرية المعتقدات الدينية وأن تكون تلك الحرية محمية. وأكد أن الاتحاد الأوروبي يرحب بمثل هذه الأفكار لأنه يؤمن بحقوق الإنسان وأن خرق هذه الحقوق من شأنه أن يساهم في انهيار الأنظمة. وأكد أن الاتحاد الأوروبي يريد العمل من أجل السلام العالمي وعمان بالذات دولة لها دور كبير في صناعة السلام وأن هذه المبادرة ستكون علامة فارقة في التاريخ.

خمسة مبادئ

من جانبها ألقت البروفيسورة أماني لوبيس رئيسية جامعة شريف هداية الله الإسلامية في جاكرتا كلمة أمام الحفل أكدت فيها على أهمية الإعلان مشيرة أن في إندونيسيا خمسة مبادئ من أجل القضاء على الفكر المتشدد وهي فلسفة الدولة تتمثل في وحدانية الإله والإنسانية العادلة ووحدة الدولة والنيابية الحكيمة والعدالة الاجتماعية. ودعت البروفيسورة إلى ضرورة المساهمة في نشر رسالة عمان للسلام عبر المنتديات العالمية مشيرة «أننا على استعداد تام للتعاون الدولي في ما يتعلق بنشر الوسطية وإجراءات مكافحة الفقر والتشدد بالقوة الناعمة والشديدة» وأكدت على أهمية السلم الذاتي من أجل تحقيق السلم المجتمعي واختتمت كلمتها بالقول «كلنا آذان صاغية وواعية لسماع رسالة السلام القادمة من عمان».

كما تحدث أمام الحفل الراهب البوذي نابان من معبد وات ساكت في العاصمة التايلندية بانكوك والذي قال في مستهل كلمته «أريد أن أشكركم لأنكم صناع السلم العالمي».

ونظمت خلال فعاليات يوم التسامح جلسات نقاشية قرأت أفاق «الإعلان» وما يمكن أن يقدمه للإنسانية في المرحلة التي تعتمده ميثاقا أخلاقيا لها. وأكد المتداخلون في الجلسات الدور الذي تقوم به عُمان بشكل عام وجلالة السلطان بشكل خاص في خدمة السلام العالمي. وكان الحفل قد بدأ بتدشين شعار اليوم العالمي للتسامح تحت شعار «التعارف بقيم إنسانية مشتركة». ودشن معالي الشيخ وزير الأوقاف خلال الحفل طوابع بريدية تذكارية بمناسبة اليوم العالمي للتسامح. وحضر فعاليات الإعلان جمع كبير من المفكرين والمثقفين من مكتب دول العالم والمهتمين بشأن بث روح السلام في شعوب العالم. ومن المنتظر أن تشهد الأيام القادمة حراكا كبيرا فيما يتعلق بالتعريف بالإعلان ومرتكزاته لتشكيل رأي عام توافقي حوله.