صحافة

الحياة الجديدة: هل عرفات ورفاقه.. أدركوا أن ما صنعوه هو معجزة

15 نوفمبر 2019
15 نوفمبر 2019

في زاوية مقالات كتب باسم برهوم مقالا بعنوان: هل عرفات ورفاقه.. أدركوا أن ما صنعوه هو معجزة، جاء فيه:

أتساءل أحيانا إذا ما كان ياسر عرفات ورفاقه الذين أسسوا فتح في نهاية خمسينيات القرن الماضي، ومن ثم انطلقوا بالثورة المسلحة في عام 1965، يدركون أن ما يقومون به هو بمثابة معجزة، أم انهم مجموعة من الشباب الفلسطينيين المقهورين والمتحمسين في الوقت قد انجرفوا لما فعلوه انجرافا. فما قاموا به جاء خارج النص الذي كتبه الاستعمار والاحتلال الإسرائيلي على فلسطين وشعبها.

كل هؤلاء اعتقدوا انهم قد أجهزوا على الشعب الفلسطيني في نكبة عام 1948، وانهم قاموا بمسح فلسطين عن خارطة الشرق الأوسط ولم يعد لفلسطين والشعب الفلسطيني وجود. فالمخطط الاستعماري صمم على أساس أن يتم اختراع شعب وهو الشعب اليهودي، وان يتم إلغاء آخر، إلغاءً تاماً، إلا وهو الشعب الفلسطيني. فالمشروع الصهيوني وما تضمنه من رواية تنفي وجود الآخر الفلسطيني، هذا المشروع لا يقبل بأي اعتراف ولو كان جزئيا بان هناك شعبا اسمه الشعب الفلسطيني، وان له حقوقا وطنية سياسية، لأنه لو اعترف لبطلت روايته من أساسها، لأن السؤال التالي الذي سيأتي بعد الاعتراف هو أين سيقرر الشعب الفلسطيني مصيره بنفسه وعلى أي أرض؟. عرفات ورفاقه خليل الوزير وصلاح خلف وخالد الحسن ومحمود عباس وكمال عدوان وابو يوسف النجار وممدوح صيدم وابو علي اياد وغيرهم، هل كانوا يدركون انهم يصنعون حدثا تاريخيا بحجم المعجزات؟.

من دون شك انهم عاشوا مرارة ومعاناة النكبة وأدركوا هول ما حصل للشعب الفلسطيني، ومن دون شك انهم أدركوا خطورة تفريط الشعب الفلسطيني بقراره الوطني المستقل، ومن هنا جاءت دعوتهم إلى الاعتماد على النفس في إطلاق الثورة الفلسطينية المسلحة.

كما كان هؤلاء القادة المؤسسون يراقبون حركات التحرر العربية والعالمية، وخاصة تجربة جبهة التحرير الجزائرية ولاحقا جبهة التحرير الفيتنامية، من زاوية اعتماد هذه الحركات على النفس والإمساك بقرارها المستقل. ويمكن تقدير مدى عمق وعي عرفات ورفاقه في افتتاح مجلة فلسطينية، في الفترة من 1959 وحتى منتصف الستينيات، والتي بالفعل أظهرت وعيا بأهمية إعادة بعث الهوية الوطنية، وأهمية تحقيق وحدة الشعب الفلسطيني، والأهم إدراك هؤلاء لفكرة الاعتماد على النفس وانتزاع القرار الوطني الفلسطيني. هذه الجزئية، جزئية انتزاع القرار الوطني، بدت أكثر وضوحا عندما تأسست منظمة التحرير الفلسطينية بقرار رسمي عربي وكانت تقبع تحت الوصاية، في تلك المرحلة جاءت محاولات عرفات ورفاقه لانتزاع المنظمة وقرارها ولم تنجح هذه المحاولات الا بعد حرب يونيو 1967، عندما لحقت هزيمة عسكرية قاسية أدت إلى ضعف قبضتها على جماهيرها وعلى الشعب الفلسطيني. بالتأكيد كان عرفات ورفاقه المؤسسون يدركون أهمية وخطورة ما يقومون به، ومن دون شك كان لديهم وعي بطبيعة المشروع الصهيوني النافي لوجود الآخر، هذا المشروع التوسعي الاستيطاني. والدليل على وعيهم وإدراكهم هذا انهم كانوا يتحركون بسرية تامة ولا يأبهون للاتهامات المسبقة ومحاولات تشويه صورتهم الوطنية.

لقد صنع عرفات ورفاقه معجزة إعادة بعث الشعب الفلسطيني وإعادة توحيده حول أهداف وطنية ومشروع وطني واحد، فما كان مرسوما للشعب الفلسطيني هو أن ينتهي كشعب وان يشطب وطنه عن الخارطة، ما صنعه هؤلاء القادة هو إعادة الشعب الفلسطيني إلى دائرة الضوء، وان يعترف العالم به كشعب له حقوق سياسية وليست مدنية ودينية فقط كما نص وعد بلفور. وما يجب ان يقال هنا ان كافة الأطراف، سواء أصحاب المشروع الصهيوني، او الداعمين له والمتواطئين معه قد عملوا منذ ان صنع عرفات ورفاقه المعجزة على مسح أثرها الإيجابي وخطرها على مشروعهم. وربما يذهل القارئ عندما يكشف له عن وجوه كل هذه الأطراف منذ بدأ تنفيذ المخطط الإسرائيلي في فلسطين وحتى هذه اللحظة، لذلك المعرفة هي الطريق لتحقيق النصر على هذا المخطط.