1367361
1367361
إشراقات

الجانب الديني ودوره في تعزيز نجاح المسيرة

14 نوفمبر 2019
14 نوفمبر 2019

إسهام بارز في بناء الوطن..

د/‏ سعيد بن سليمان الوائلي - كلية العلوم الشرعية- مسقط -

في الجانب الديني كان إسهام بارز في أمر من الأمور الملازمة التي لا يستغنى عنها في بناء الوطن والمواطن، ألا وهي الأخلاق الفاضلة والصفات الكريمة التي أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- متمما لمكارمها، فكانت النهضة المباركة مصاحبة لما في الدين من خلق نبيل، مراعية أن خير الدين في حسن الخلق، وفي الأخلاق الملازمة للعبادات بلا فكاك عنها. وقد زكيت الأرواح بالأخلاق الفاضلة على المنابر وفي المحافل والمجامع بتوجيه من الخطاب الديني في مختلف قنواته وأساليب دعوته، معتمدا على أن الأخلاق هي أصول الحياة التي يرتضيها الدين الإسلامي ويحترم أصحابها.

مما لا يخفى على أحد أن البناء لابدّ له من أساس يقوم عليه، وأركان ينتصب بها، بالإضافة إلى ما يكمّله من أمور تلازمه من أبواب ونوافذ وجدران وأسوار، وغير ذلك من أمور البناء والعمارة..

وإذا تأملنا وتفكرنا في بناء الأوطان وعمارتها وقيام نهضتها، فسوف نجد أن أساس قيام ذلك في روح البناء ومعنى العمارة، وذلكم بالإيمان القلبي الراسخ، الذي يدفع صاحبه إلى كل خير ويمسكه عن كل شر، بل الذي يكون قوة إيجابية متوافقة مع ما حولها من ذرات الكون بأسره.

هذا الإيمان الذي يمثل الأرضية الصلبة للجانب الديني في الوطن والمواطن والحكومة والشعب، يُكوّن لبنات الحياة في كل جزء من صورة النهضة المباركة لبلادنا بقيادة سلطانها المفدى السلطان قابوس بن سعيد المعظم.

ومن أجل ذلك سنجد دورا للجانب الديني في قيام النهضة المباركة، هذا الدور يظهر بكل وضوح، فالجانب الديني الرسمي منه والأهلي يرتبط بالعبادة التي يؤديها الفرد باستسلام لأمر الله وانقياد وخضوع لجلال الله تعالى، محققا معنى العبودية الصادقة، فلا معنى لبناء الدين دون تذلل من صاحبه للمولى القدير، فيسهم بدوره في بناء المجتمعات بروح إيمانه وبالتزامه واستقامته في منهج حياته بما كلفه به الشرع الشريف في المجالات العبادة المختلفة.

وفي الجانب الديني كان إسهام بارز في أمر من الأمور الملازمة التي لا يستغنى عنها في بناء الوطن والمواطن، ألا وهي الأخلاق الفاضلة والصفات الكريمة التي أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- متمما لمكارمها، فكانت النهضة المباركة مصاحبة لما في الدين من خلق نبيل، مراعية أن خير الدين في حسن الخلق، وفي الأخلاق الملازمة للعبادات بلا فكاك عنها. وقد زكيت الأرواح بالأخلاق الفاضلة على المنابر وفي المحافل والمجامع بتوجيه من الخطاب الديني في مختلف قنواته وأساليب دعوته، معتمدا على أن الأخلاق هي أصول الحياة التي يرتضيها الدين الإسلامي ويحترم أصحابها.

ومن أبرز المجالات التي أسهم فيها الجانب الديني في بناء الوطن وتأييد النهضة العمانية ما يرتبط فيها بالجانب العلمي، إدراكا منهم بأن الله تعالى فضل الذين أوتوا العلم على غيرهم بما يحملونه من أنوار الهدى والمعرفة، وجعلهم أصحاب قيم ومبادئ، وتزيدهم قيمة العلم مراتب عالية في مكانتهم (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)، هذا بجانب الأحاديث المروية عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في بيان أهمية العلم وفضل طالبه وأجر الساعي إليه ومعلمه والعامل به، وقد قال بعضهم نظما:

فإني ملاق ما قضى الله أنني

ملاق فلا تجعل لك العلم كالجهل

بالإضافة إلى ذلك، نجد عدم العلم، سواء عبر عنه بالجهل أم بغيره، يوصل إلى المرتع الوخيم والحال السيئ والعاقبة الدنية، فلا يستقم حال بدون علم يضبط الأمور ويصلح المكسور ويقوم الاعوجاج، وهذا ما يجعل للعلم أهمية بارزة وحاجة ملحة، حيث يحتاج إليه في كل أمر لإثباته وقيامه واستقامته وتمامه، سواء أكان ذلك من أمور الدين أم من أمور الدنيا، (فمن أراد الدين فعليه بالعلم، ومن أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أرادهما معا فعليه بالعلم)، والنظرة الواقعية تؤكد ذلك الخبر، وإن كانت فنون العلم والمعرفة فوق حد النظر، فلا يتحقق بلوغ الإنسان لمراده بمجرد الأماني والآمال متخبطا في طريقه بدون زاد من العلم، متكلا على الحظوظ، بل سعيه لابد أن يكون بمعرفة للطريق وإدراك للمعالم وتعامل مع الوسائل والأدوات وعلم بالخطى والخطوات.

وقد سارت النهضة المباركة في ظل قيادتها الحكيمة بما يراعي جوانب العلم والعملية التعليمية فيها، باهتمام لكل مقوماتها.

ومن الأمور التي يشتمل عليها بناء الوطن أيضا: العمل في مجال الحياة الإنسانية بما لا يتعدى فيه على الحدود أخذاً وعطاء، عملا وبناء، زراعة وصناعة، علما وإجادة، إلى غير ذلك من أمور.

وبذلك يحافظ المواطن على وطنه وصلته به وعلاقته بأرضه، ويقي نفسه من شرور الإضرار بموطنه، مراعيا ما له من حق وما عليه من واجب.

ولما كان الدين الإسلامي يغطى كل الجوانب المادية والمعنوية، ويشمل كل الظروف الأصلية والفرعية، ويتناول الأحكام الدينية والدنيوية، فكان الإسلام الحنيف دينا شاملا كاملا، إنسانيا واقعيا، فقد كان من اهتمام القائمين على الجانب الديني التوعية والتثقيف بحسب مجالاتهم القائمة، لبيان ما كلف الإنسان به من تعامل مع ما حوله بصورة صحيحة وفق الشرع وضوابطه والدين وحدوده، دون تجاوز للحد الذي له، وبدون مخالفات لما شرعه الله تعالى في شريعته الغراء. فالتكليف الإلهي يجعل هذا الإنسان في صورة الامتحان والابتلاء في ما يأتي وما يذر ليتميّز المحسن في عمله من المسيء.

وطبعا لم تغفل النهضة العمانية ما يتعلق بعمل الإنسان العماني وما تحيط به من الظروف الزمانية والمكانية، وكذلك أتى دور المؤسسة الدينية في عمان مرتبطا بتلك الظروف المعيشية، والتي من بينها ما يحلّ بساحته من أزمات اقتصادية، يطلب منه أن يتعامل فيها ومعها باتزان وانضباط؛ حيث إنه يتعرض للسوء كما يتعرض للخير، ويعرض له النقص كما يتعرض للزيادة، وكذلك القول في البسط والقبض والخفض والرفع.

وبهذا الدور يقوم المستهلك متعاملا في سوقه وتعاملاته المالية ومجالاته الاقتصادية من منطلق إيمانه ودينه، وبالمحافظة على آدابه وقيمه الأخلاقية، فيقي نفسه من الجائحات والأزمات، ويتغلب على الأحوال السيئة التي تحدث بين فترة وأخرى، بتوازن ووسطية وفق الأصول الشرعية، مسترشدا بالأدلة الشرعية ومستنيرا بهدي السنة النبوية، وبمنهج علمي رصين، والله خير معين.

وإن مما ينبغي الإشارة إليه أن من الجوانب التي اهتمت بها القيادة الحكيمة لسلطان البلاد المفدى المجال العسكري وتقوية جنابه، وقد كانت السياسة مقوية لشوكتها بالجانب الديني، بالنظر إلى أن هذه القوة من مكونات الشخصية لكل فرد بصورة خاصة، وتتضافر القوى لكل الأفراد في الجيش مكونة قوة كلية ملتحمة.

وعندما يهتم كل فرد بتحصيل القوى المختلفة عن طريق الرياضات المختلفة وما يتصل بها من عناصرها، فسوف يصقل جانب الفرد وتهذب مهارته، بل سيقوم الفرد بذلك على تزكية قوته وتنمية طاقته.. وإذا حدث ذلك فسيكون متأهلا للقيام بدوره المنوط به على أعلى مستوى في بناء الدولة والوطن، والمحافظة على ما يعهد عليه من أمر.

وعندما نتصور هذا الترابط مع الجانب الديني، فإننا سنجد أن كل فرد في الدولة سيعيش لحظات من التفكر في القوة الغالبة التي يطمح إليها كل غيور على دينه وعزيز في موطنه.

وستتضافر الجهود المبذولة لتنشئة الأجيال على قوة الرماية، وتربيتهم على مبادئ القيادة وركوب الخيل، وتقوية لأبدانهم بالسباحة وأنواع الرياضة، للهدف الأسمى والغاية النبيلة.

والأمل كبير بأن يكون التوجه لزيادة القوى بحسب القدرة في المجالات المختلفة ليتحقق لنا ما نريد من الخير في القيادة والريادة، وللمحافظة على المضي في التقدم والرقي كما هو معهود في هذا الكيان.

ثم يأتي دور الجانب الديني وإسهاماته في النهضة مرتبطا بالإعلام ودوره البالغ وأهميته الكبيرة في ذلك بصفة عامة، فإن تلك الأهمية تتأكد في المقاصد الكلية التي أتى الشرع ليتأكد المحافظة عليها بصورة صريحة، وقد تولى العناية بها من كل جوانب الحياة وجودا وعدما. ومن أبرز تلك المقاصد الكلية: حفظ الدين، وهو أساسها وعلى رأس قائمتها. فقد شرعت الأوامر والنواهي ووضعت الحدود والأركان وحددت التكاليف الشرعية بأحكامها؛ من أجل المحافظة على الدين في حياة الإنسان باعتبار أن الدين ضرورة لا بد منها في الحياة، وأمر لا غنى للفرد عنه في الواقع، فأرسيت دعامته بتشريع كل ما يثير وجوده، وصانه بمنع وتحريم كل ما يفقده ويضر به.

ويأتي الإعلام بوسائله المتنوعة فيبرز دوره من جانبه ليسهم في تحقيق هذا المقصد الشرعي، وهو المحافظة على الدين الذي ارتضاه الله تعالى للإنسانية، فيسطر حروفه لكل من يقرأ، ويعلي كلمته لكل من يسمع، ويعرض مشاهده لكل من يدرك ويرى، مادة تكون في إطارها ذات إعلام بما يتعلق بشؤون الدين ومبادئه ومقتضياته، أو بأحكامه وأخلاقه وقضايا سننه وآياته، كل ذلك في وسائل ووسائط مادية ومعنوية، وبطرائق مختلفة، وبمختلف المستويات للجمهور المتلقي من مقصود وغير مقصود.

فاللهم احفظ لنا أوطاننا آمنة مطمئنة في ظل القيادة الحكيمة لمولانا السلطان.. واحفظ سائر بلاد المسلمين من كل سوء ورزية، وأدم الأمن والأمان والإيمان على أرضك يا رب العالمين.

 

المسؤولية الوطنية -

هلال بن علي اللواتي -

لا شك أن كل من يعيش على أرض بلد من المواطنين والمقيمين بل وحتى الزائر السائح والمار به مطالب بحكم عقلي باحترام فضاء ذلك البلد وعاداته وتقاليده ومبادئه وأحكامه، ولكن المسؤول الأول والأخير لحمايتها وضمان استمرارها هو المواطن وفي هذا لا يختلف اثنان. إلا أن الكلام في كيفية تفعيل هذه المواطنة، واليوم نشاهد ازدياد الحاجة إلى ترسيخ المواطنة بين أبناء الوطن، الأمر الذي يدعو إلى التفكير الجاد في هذه المسألة، فأن أصبح المواطن فاقداً لشعور المواطنة فهو أمر يدعو إلى إعادة التفكير في البناءات الفكرية والبنائية التي يتغذى عليها المواطن حال صباه إلى أن يصبح شاباً يافعاً تناط به مسؤولية البلد في محل من المحالات وفي منصب من المناصب وفي موقع من المواقع، إن الذي نشاهده اليوم في بعض البلدان من فقدان معنى المواطنة، وظهور مشاهد تهدد الأوطان لهو نذير سوء وناقوس خطر يتطلب التفكير الجاد في إعادة البوصلة إلى مسارها الصحيح.

إن أول ما يمكن تسجيله تسجيلاً ساذجاً بسيطاً بعيداً عن التعقيد هو أن مرجع العلة هو «حب الذات» وغلبة الأنانية على نفس بعض المواطنين، وهذا يعني أن هناك في مرحلة من مراحل التربية الأسرية أو الاجتماعية سواء المدرسية أو الجامعية أو غيرهما قد رسخت هذا الشعور الأناني، ودفعت الإنسان المواطن إلى تقديم ذاته ومصالحها على المصلحة العامة، ولا شك أن تشخيص هذا الداء العضال بالدقة وأن تشخيص العلاج موكول إلى أبحاث ومسائل علم الأخلاق، الأمر الذي نجده مغفول عنه في المؤسسات التربوية بشكل عام، حيث أصبح التركيز على البعد العلمي فقط، ونسيان التربية الروحية والنفسية للفرد.

إن أولى بناءات مبدأ المواطنة تعتمد على تقديم القيم الدينية والإنسانية كمبدأ واحد غير منفصل ولا مستقل، ومنه ترسخ قيمة ومبدأ الإيثار، وقيمة ومبدأ حب الآخرين، ولا شك أن هذا الترسيخ يعتمد على بناء قبلي وهو الرؤية والإيمان بصلاحية تلكم القيم الجميلة، وفقدان الرؤية والإيمان يوجب عدم القدرة على تقديم الآخرين على النفس وملذاتها، لأنه مثل هذا التقديم يكون غير مبرر لدى هذا الإنسان، بل وقد يراه بنظرة سلبية مفادها لماذا أضع قدراتي وطاقاتي وتعبي لأجل غيري يستفيد!، وأمثال هذه الجمل تذكر كثيراً في كثير من المحافل والأروقة الوظيفية، الأمر الذي يؤسس في الوطن - أي وطن كان- حالة من الطبقية، وظهور ما يعرف بالفساد، وغلبة القوى المسيطرة على مقدرات الناس من الإنتاج والاستثمار.

عندما ينشأ الطفل على إيثار الآخرين على الذات، وعلى التنازل الحر لزميل الصف، أو للأخ أو الأخت، ويقابل هذا الإيثار بتشجيع وتعزيز من قبل أولياء الأمور والمربين، ويوجه مثل هذا الشعور في المراحل المتقدمة من التربية والتعليم فإن شعور الاستعلاء والاستقلالية الفردية سوف تزول، وعندما يحتل هذا المواطن الذي تربى على هذه التربية الجميلة منصباً وموقعاً قيادياً فإنه لن يفكر في نفسه وذاته، ولن تكون لديه الحالة الأنانية يقدم فيها مصالحه الخاصة وسعادته الشخصية على المصلحة العامة، وعلى سعادة الآخرين، لقد لوحظ في الفترة الأخيرة في كثير من الأمكنة غياب هذه الشعور وهذا الإحساس، وأصبحت الصيحات التي ظاهرها تقديم المصلحة العامة تقوم بأفعال تضر بها إضراراً كبيراً، ويتبين أن ما تلكم الصيحات العامة إلا أنها تصب في تحقيق المصالح الشخصية وفي تمرير تصفية الحسابات الشخصية، ونرجع ونقول أن هذا مرجعه إلى غياب القيم الإنسانية والحوافز الدينية في الأفراد.

إننا عندما نرجع إلى القيم الدينية فلا نجدها تخرج عن الأطر الإنسانية وعن بناء الشخصية السوية في كل مجال، فالشخصية السوية لا تعرف الازدواجية، ولا تعرف تقديم المصلحة الذاتية والشخصية على مصالح الآخرين، والقرآن الكريم يحفل بمثل هذه القيم وكذا سيرة نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله الطاهرين وأصحابه المنتجبين، ولفرط ظهورها يغنينا عن ذكرها للقارئ العزيز.

إن للمواطنة مظاهر تتجلى على سلوك المواطن، وبعضها قد لا تعني الكثير لدى البعض، إلا أنها تعكس روحها في المواطن من قبيل: عدم القدرة على رؤية شواطئ الوطن تمتلئ بالقمامة، وعدم القدرة على رؤية القيم الأخلاقية تنعدم من الأبناء والأخوة المواطنين، ومن قبيل التأكيد على اللباس الوطني وعلى العادات والتقاليد الوطنية، ومن قبيل إحياء المناسبات الوطنية ولو كان المواطن يعيش بعيداً عن وطنه، ومن قبيل التفكير في مشاريع فكرية وتطبيقية لتنمية الوطن، ومن قبيل صناعة قيادات مستقبلية تحمل هم بناء الوطن وتطويره في جميع المجالات بنحو ذكي وحكيم وعال القيم والأخلاق.

فالمواطنة ليست مجرد موقع استهلاكي بل هو موقع يجمع بينه وبين الإنتاج والاستثمار في كل المجالات ولكل المجالات، فهي الشراكة الحقيقية لصناعة المستقبل المشرق للأجيال التي يناط بها حمل المسؤولية الوطنية لتكملة البناء الوطني، وتمرير المنجزات إلى من سيليها من الأجيال بعونه وقدرته وتوفيقه، إن المواطنة والوطنية مشروع كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.