1368007
1368007
إشراقات

عمان بلاد عظيمة عريقة ضاربة أعماقها في جذور التاريخ

14 نوفمبر 2019
14 نوفمبر 2019

شهادة الرسول الكريم على حسن ذكرها ونبل أخلاق أهـلها حسبنا شرفا وفخرا -

خطبة الجمعة تحذر من التفرق والنزاع والشقاق وإثارة الفتن ونشر الشائعات -

تذكّر خطبة الجمعة لهذا اليوم بنعمة الوطن الذي هو الأرض التي يعيش عليها الإنسان، ويستـقر فيها، وينتمي إلى سكانها وأهـلها، وينعم بخيراتها وأرزاقها، والتي هي وطنه وبلده ومستـقر سكنه أمانة ومسؤولية، مبينة أنها من الأمور الغالية على قلبه والعزيزة على نفسه، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يخاطب مكة بقوله: «ما أطيبك وأحبك إلي! ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك»، وعندما هاجر صلوات الله وسلامه عليه إلى المدينة وسكن فيها، دعا الله تعالى أن يحبب إليه المدينة، ودعا لها بالخير والبركة؛ حيث قال: «اللهم حبب إليـنا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا». فما أطيب البلد الذي ينشأ عليه المرء أو يسكنه! يحتمي بحماه، ويأكل ويشرب من أرضه وسماه، ويتنفس من عبير هواه، وينعم بالخير والهناء والود في رباه، يلتقي بأهله وأولاده، وأقاربه وأرحامه، وجيرانه وخلانه، وصحـبه وإخوانه، وأهـل بلده وناسه، فما أروع اللقاء، وما أجمل الإخاء! إنها نعمة الوطن.

وتوضح خطبة اليوم التي تأتي تحت عنوان: «الوطن أمانة ومسؤولية»: أن بلادنا عمان بلاد عظيمة عريقة ضاربة أعماقها في جذور التاريخ، عرفت منذ القدم، وحسبنا شرفا وفخرا شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم على حسن ذكرها وصيتها، ونبل أخلاق أهـلها، فقد روي عن أبي برزة الأسلمي، رضي الله عنه، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا إلى حي من أحياء العرب فسبوه وضربوه، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال له صلى الله عليه وسلم: ((لو أن أهـل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك))، وقال فيهم أيضا: ((لو أتاهم رسولي ما رموه بسهم ولا حجر)). فمضى على تلك السيرة الحميدة وذلك الوسام الشريف أهـل عمان، فأنجبت هذه الأرض الطيبة كثيرا من القامات والشامات التي ما زالت تذكر على مر الزمان وتقادم الدهور والأعوام. فلنقلب صفحات التاريخ؛ ففيها شواهد صدق على ما نراه في رجال اليوم من الآثار والشواهد، إنها تحـكي بقية من الآباء والأجداد، فما وصل إليـنا من مجد كان سببه من تقدمنا؛ فقد كانوا يذودون عن حمى البلد بأموالهم وأنفسهم، كانوا حصنا منيعا ضد كل من أراد فتنة أو أراد فرقة، كانوا حصنا اجتماعيا للبلد بتآلفهم واجتماع كلمتهم، لا يرضون الظلم والضيم، أباة أعزة، يتآمرون فيما بينهم بالمعروف ويتناهون عن المنكر، بنوا القلاع والحصون، وشقوا الأفلاج، وعمروا الأرض. وبحمد الله انطلقت مسيرة بلدنا محققة أعظم الإنجازات في وقت قياسي، فبنيت المدارس والمستشفيات، ورصفت الطرق والمطارات، وأنشئت الموانئ، وغيرها الكثير، وبذلك تهيأت الظروف للأجيال القادمة لمزيد من التقدم والبناء. فلنحافظ على إرث من سبقنا، ولنحافظ على إنجازات نهضتنا، ففي كل ذلك ذخر وعدة للمستقبل.

إرث حضاري

وتؤكد أن الإرث الحضاري الذي وصل إلينا، والنعم العظيمة التي نتقلب فيها ليل نهار وصباح مساء، حقها أن تشكر ولا تكـفر، فالله سبحانه وتعالى يبتلي عباده بالنعم وسعة الرزق، فإما أن تقابل بالشكر، فيكون الأجر والزيادة، وإما أن تقابل بالكفر، فيكون الإثم والحرمان، قال تعالى حكاية عن عبده سليمان عليه السلام بعد ذكر ما تفضل به عليه: (قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم)، وقال تعالى: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)، وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل فقال له: ((يا معاذ، إني أحبك في الله، فلا تدعن دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)). فمن لا يشكر الله لا يشكر الناس، فــ (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)، فأحسنوا رحمكم الله كما أحسن البلد إليـكم، وكونوا حفظة أمناء لمقدراته ومكتسباته وآثاره، ليجتهد الطالب في دراسته، والموظف في عملــه، والمســؤول في دائرتــه ومؤسستـــه، وكـــل في مجــال عملــه (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون)، وليحذر كل واحد منكم أن يكون سببا في خيانة بلده بأي شكل من أشكال الخيانة، سواء أكان ذلك بكلمة أم إدلاء بمعلومة أم إفشاء سر أم استغلال وظيفة أم القيام بسرقة أم رشوة (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)، ولنكن جميعا سدا منيعا وحصنا حصينا ضد كل من تسول له نفسه إثارة الفتن ونشر الشائعات الكاذبة المرجفة (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا)، وكونوا جميعا كما أمركم الله تعالى إخوة متآلفين متحابين (وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم)، والحذر كل الحذر من التفرق والنزاع والشقاق (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم).