إشراقات

شكر النعم يؤدي إلى زيادتها

14 نوفمبر 2019
14 نوفمبر 2019

عبدالحميد الرواحي -

بعد أن تعرفنا على الآيات المبثوثة في هذا الكون وعلمنا أن كل ذرة في هذا الكون لا تتحرك ولا تسكن إلا بمشيئة وقدرة الله عز وجل وأن وجودنا ورزقنا وسعادتنا الدنيوية والأخروية إنما هي مرهونة بإرادته فإذن لا شك أن ود الخالق سيطلبه كل عاقل مؤمن والسؤال كيف نصل لمحبة الله؟

لنصل لذلك لا بد أن نسأل أولا ولله المثل الأعلى- من هم الناس الذين تتعلق قلوبنا بهم في الحياة؟ ببساطة إنهم الأكثر إحسانا إلينا وفي مقدمتهم الوالدان ثم الأكثر إحسانا.

إن الله يخاطبنا في كتابه مذكرا لنا بالإحسان ومخاطبا منا الوجدان وكأنه يستعطفنا- وهو الغني لنذكر هذا الإحسان المتواصل من لحظة الخلق إلى الممات وإلى دخول الجنات ، فلو أننا أصغينا وتذكرنا هذا الإحسان دائما لكان حبنا كله لله ولن يبقى إلا الود لمن أحسن إلينا من البشر الذين سخر الله قلوبهم للإحسان إلينا (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، ولو وصلنا لهذا الحب لأطعنا المحبوب وأفنينا عمرنا في طاعته.

إن الادعاء بحب الله ورسوله باللسان لا يعبر بالضرورة عن الحب القلبي الذي قد يكون خاويا من أي حب بل ومشبعا بحب الشهوات وزينة الحياة الدنيا معاديا بذلك نهج الله ورسوله، ولذلك لما كثر الادعاء بهذا الحب طالبنا الله بالدليل (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).

لنسأل أنفسنا الآن ما هو الإحسان الذي تفضل الله به علينا؟ ولماذا لا نحس أن هنالك إحسانا؟ بل ولماذا لا توجد محبة بين كثير من المسلمين وخالقهم؟

إن الحديث عن إحسان الله علينا لا يمكن فصله عن الآيات المبثوثة لتعظيم الخالق إذ كل آية في الكون ما هي إلا نعمة مسخرة للبشر (يأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) ولذا علينا أن نستحضر الآيات السابقة لننظر إليها نظرة تسخير للبشر وعندها سنرى كم كنا مقصرين في حق الله ، لقد تفضل الله علينا كجنس بشري بنعمة الإيجاد من العدم بعد أن لم يكن لنا ذكرا أصلا وما خلقنا إلا للتكريم وجعلنا من بين جميع المخلوقات خلفائه في أرضه (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) ثم كرمنا في حفل خاص بأن أسجد لنا جميع ملائكة السماء بما فيهم أبو الجن إبليس اللعين (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الملائكه كُـلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ). وقبل أن ينزلنا إلى هذه الأرض كان قد جهز لنا كونا بأسره به كل ما نحتاجه ونستمتع به (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أَإِلَـهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَـهٌ مَّعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ* أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَآءَ الأَرْضِ أَإِلَـهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ* أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًى بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَـهٌ مَّعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ* أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ والأَرْضِ أَإِلَـهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).

لقد خلقنا الله من تراب وجعل لنا السمع والأبصار والأفئدة (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ) (أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَينِ) ثم جعل تناسلنا من ذكر وأنثى (يأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) بعد أن لم نكن شيئا مذكورا فمن منا أيها القارئ الكريم كان له وجود مائة سنة من الآن (هَلْ أَتَى عَلَىالإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً).

إذن من قرر مجيئنا إلى هذه الدنيا؟ إن الذي اختار لنا أن نكون في هذه الدنيا واختار لكل منا جنسه هو الله (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ * وَهُوَ اللَّهُ لاإِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فرعانا سبحانه في بطون الأرحام لتسعة أشهر وأقر القرار في الأرحام وأعطى لكل منا صورته (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَآءُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وهذه الخلقة هي أفضل الخلقات (ياَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ) (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَـذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) ثم ييسر لنا السبيل لنخرج إلى الحياة الدنيا بعد أن زودنا بالسمع والبصر وكيف حالنا لو كان أحدنا أعمى أو أصم أو أبكم؟ وهدانا إلى التقام الثدي وأجرى لنا لبنا خالصا ثم يرعانا أطفالا ثم نكون شيوخا ثم كبار في السن وتتغير أحوال أجسامنا فسيولوجيا في كل فترة (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَـبْلُغُواْ أَشُدَّكُـمْ ثُمَّ لِتَكُـونُواْ شُيُوخاً وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّى مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُواْ أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّـكُمْ تَعْقِلُونَ) ثم يزوجنا ويجعل لنا بنين وحفدة ويجمعنا ويدعونا للاستمتاع بالطيبات (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ) فماذا لو كان أحدنا عقيما؟ وبعدها يعلمنا الله النطق باختلاف اللغات بين الشعوب (الرَّحْمَـنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ ا لبَيَانَ) (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالَمِينَ).